تمرير

أفغانستان: علاج المرضى مسؤوليتنا. ويقع عبء كبير على أكتافنا

12 سبتمبر 2021
قصة
الدول ذات الصلة
أفغانستان
شارك
طباعة:

بعد أشهر من القتال في ضواحي هرات في أفغانستان، سيطرت إمارة أفغانستان الإسلاميّة، المعروفة أيضًا باسم طالبان، على المدينة في 12 أغسطس/آب. تدير منظمة أطباء بلا حدود مركزًا للتغذية العلاجيّة للمرضى الداخليين، وعيادةً للنازحين، ومركزًا لعلاج كوفيد-19 في هرات. يصف طبيب أفغاني يعمل في المدينة لدى أطباء بلا حدود كيف حافظنا على استمرار الخدمات بعد توقف القتال ويعدد التحديات الجديدة التي تواجهنا وغيرنا من قدمي الخدمات الصحيّة في المنطقة اليوم.

عندما اقترب القتال من هرات، عمّ الخوف، وشعر الناس بالقلق. كما شعرت أنا أيضًا بالقلق بسبب عدم معرفة ما يخبئه المستقبل. عندما بدأ القتال الحقيقي داخل المدينة، انتاب الذعر الكثيرين، لذلك ظلوا في منازلهم، لكنّ الوضع تغير بشكل كبير في حوالي ثلاث ساعات وسيطرت إمارة أفغانستان الإسلاميّة بالكامل على المدينة.

نُقل الكثير من الجرحى أثناء القتال إلى مستشفى هرات الإقليمي. وعندما سمع الناس عن الضحايا أو القنابل، ركبوا دراجاتهم وذهبوا إلى المستشفى ليتبرعوا بالدم. وتبرع الكثير من الناس لدرجة أنّ المستشفى أعلن أنّ لديهم إمدادات كافية وسيتصلون بالناس إذا كانوا بحاجة إلى المزيد. شكّلت مسارعة العديد من الناس إلى المستشفى للمساعدة أثناء القتال مصدر إلهام. يا لها من روح طيّبة.

في صباح اليوم الذي تلا تولي طالبان السيطرة على المدينة، ذهبتُ إلى مركز التغذية العلاجيّة للمرضى الداخليين للمساعدة في دعم طاقم العمل. وعندما وصلتُ إلى المستشفى لم أجد إلا عددًا صغيرًا من أعضاء الطاقم؛ لم يُطمئن الوضع في المدينة الناس ولم يكونوا متأكدين مما إذا كان المركز لا يزال يستقبل المرضى. قدمنا في البداية الدواء لجميع مرضانا ثم اتصلنا بطاقم العمل لإعلامهم بأنّ المدينة مفتوحة وأنّه من الأمان لهم القدوم إلى العمل. وبعد بضع ساعات، اكتمل الفريق وتابعنا علاج المرضى.

أخبرني بعض زملائي أنّهم عندما غادروا المنزل للذهاب إلى العمل في الصباح، شعر بعض جيرانهم بالقلق عليهم وسألوهم "ماذا تفعلون؟ عليكم البقاء في المنزل". فأوضحوا لهم أنّ مهمتنا هي مساعدة الناس، وهم بحاجة لمساعدتنا الآن لأنّ المرافق الصحيّة الأخرى مغلقة. وكان من المفرح رؤية تبني العديد من أعضاء الطاقم هذا الموقف.

استقبل المركز قبل القتال 95 طفلاً يعانون من سوء التغذية. ولم نكن نمتلك سوى 42 سريراً فقط، وبالرغم من إضافة 18 سريرًا آخر من خلال نصب الخيام لتكون بمثابة أجنحة مؤقتة، إلا أنّ هذا لم يكن كافيًا. وفي حين انخفض العدد إلى حوالي 60 مريضًا أثناء القتال، ارتفع العدد مرةً أخرى واستقبلنا حوالي 80 مريضًا، ولا تزال هذه الأعداد في ارتفاع يومًا بعد يوم.

كما ندير عيادةً بالقرب من المخيمات التي استقر فيها العديد من النازحين، بما في ذلك القادمين من مقاطعات أخرى مثل بادغيس وفرح. وفي أوّل يوم أحد بعد انتقال السيطرة، جاء الكثير من المرضى إلى عيادتنا بسبب إيقاف العديد من المنظمات الأخرى عملياتها، إمّا لأسباب أمنيّة أو لأنّهم غير قادرين على دفع الرواتب. وتمكّنت منظمة أطباء بلا حدود من إيجاد طريقة لدفع رواتب جميع أعضاء طاقم عملها مما بعث الهدوء والأمل في النفوس.

بدأنا العمل أولًا مع طبيبين، ثم ثلاثة، والآن أربعة. كما نعتمد على نظام فرز، لذلك نرى الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية طبيّة بشكل عاجل أولاً. واستقبلت العيادة العديد من الأشخاص، وفي أحد الأيام فحص أحد أطبائنا أكثر من 150 مريضًا.

نحن نمر بأوقات مضطربة لذا يعمل الناس بجد، ويشعرون بالتعب ولكنّنا نأمل أن تهدأ الأمور. يتمسك الناس بالأمل ولكنّهم غير متأكدين مما يخبئه المستقبل.

ومصدر القلق الرئيسي الآن هو عدم قدرة المرافق الصحيّة الأخرى، على سبيل المثال تلك التي تتلقى تمويلًا من البنك الدولي، على مواصلة عملها في هيرات بعد أن أوقف البنك الدولي تمويله. لذا فلا توجد صورة واضحة عمّا سيحدث. كما لم يتلقَ بعض الموظفين الذين يعملون في مؤسسات أخرى رواتبهم منذ شهور، وقد حدث هذا من قبل ولكن كان الناس يأملون في الحصول على رواتبهم في نهاية المطاف. إلا أنّ كثيرين فقدوا الأمل من ذلك، وتوجه منهم إلى البحث عن وظيفة أخرى.

كما عملنا في مركزنا على علاج طفل من عائلة فقيرة للغاية كان يعاني من سوء التغذية. وقدمنا الطعام للأم بينما بقي الأب في الخارج. وعندما سألناهم كيف تمكنوا من الوصول إلى المستشفى، أخبرنا الأب أنّه لم يكن يمتلك حتى 10 أفغان (0.10 دولار أمريكي)، لذا باعوا أغنامهم وأبقارهم واستخدموا هذه الأموال للوصول إلى المستشفى. كما يضطر آخرون إلى اقتراض المال من أقاربهم.

يُسعد الناس جدًا عند تمكننا من علاج أطفالهم. جاء إلينا مريض يبلغ من العمر عامين ونصف من بادغيس، التي تقع على بعد حوالي 250 كيلومترًا. أُدخل الطفل أولاً إلى قسم الأمراض الجلديّة في مستشفى هرات الإقليمي لأنّه كان يعاني من مرض جلدي. ثمّ أُحيل بعد ستة أيام إلى مركز التغذية العلاجيّة للمرضى الداخليين التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود لأنّه كان يعاني من سوء التغذية ولكن حالته الجلدية كانت لا تزال سيئة للغاية. رأينا أنّ الطفل سيحتاج إلى الخضوع إلى عمليّة ترقيع جلدي في قسم الجراحة الخاص بمستشفى هرات الإقليمي ولكنّنا عملنا على علاج سوء التغذية أولاً.

طوال الوقت الذي أمضاه الطفل معنا، كان والده يطرق الباب، ويسأل عن حالته ويتساءل كيف يمكن أن يظل مريضًا بعد شهر ونصف. تحدثنا معه وقلنا له بأن يدعنا نعالج المريض. وتمكنّا من إقناعه بضرورة الثقة في علاجنا وإجراءاتنا وبيئتنا ومتابعتنا للمريض عن كثب.

ذهب لمدة أسبوعين إلى بادغيس للعناية بأطفاله الآخرين أمّا زوجته، فبقيت في مركز التغذية العلاجيّة للمرضى الداخليين. وعند عودته، لاحظ تحسنًا كبيرًا في صحة طفله وتلقى أخباره مع زوجته وكانوا سعداء للغاية. وتمكنّا بعد عشرة أيام أخرى من تسريحه.

كان الأب يتصل بنا مرةً واحدةً على الأقل كل شهر ليسلم على الجميع، وليعبر عن مدى سعادته بالعلاج الذي تلقاه طفله. وعندما بدأ القتال في هيرات، اتصل بنا ليطمئن على صحتنا وفعل الشيء نفسه بعد تغيّر موازين السلطة في المدينة.

أؤمن بأنّ علاج المرضى هو مسؤوليتنا. وتعد منظمة أطباء بلا حدود الآن المنظمة الدوليّة الوحيدة التي تعمل في هرات بعد أن أوقفت غيرها من المنظمات أنشطتها. كان بإستطاعتنا سابقًا إحالة الأشخاص إلى عدد من مقدمي الخدمات الصحيّة، ولكن يبدو الآن أنّنا خيارهم الأخير.

مقارنة بما مضى، نجد أنفسنا أمام المزيد من المسؤوليّة والتحديات. كما يقع على عاتقنا الكثير من العمل.