تمرير

إثيوبيا: إذا تعسّر على المصابين بأمراض خطيرة الوصول إلى المستشفى، فيمكن بسهولة تخيّل العواقب التي تترتب على ذلك

2 فبراير 2021
قصة
الدول ذات الصلة
إثيوبيا
شارك
طباعة:

شارك ألبرت فنياس في حوالى 50 استجابةً للطوارئ مع منظّمة أطباء بلا حدود على مدار 20 عامًا. وها هو يعود من بعثته السادسة إلى إثيوبيا، حيث تَمثّل دوره في تمهيد السبيل أمام الطواقم الطبية للوصول إلى المناطق شرق ووسط تيغراي، ومدِّ يد العون إلى الأشخاص المتضررين من الأزمة الحالية. فمنذ اندلاع أعمال العنف في هذه المنطقة الشمالية الإثيوبية في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، لجأ قرابة 60 ألف شخصٍ إلى السودان ونزح مئات الآلاف داخل تيغراي. في ما يلي، يصف لنا ألبرت فنياس ما شهده هناك خلال بعثته.

"بعد عدة محاولات، نجحنا أخيرًا في 16 ديسمبر/كانون الأول بالدخول إلى ميكيلي، عاصمة تيغراي، مع طاقم أطباء بلا حدود الأول، وذلك بعد أكثر من شهر على بدء أعمال العنف. خيّم الهدوء على المدينة التي توفرت فيها الكهرباء إنما افتقرت إلى الإمدادات الأساسية. أمّا المستشفى المحلي، فتراوحت نسبة تشغيله بين 30 و40 في المئة، ولم تتوفر فيه سوى كميات ضئيلة جدًا من الأدوية. غير أن الأهم من ذلك كان خلو هذا المستشفى من المرضى، وهو ما يُعتبر نذير سوء دائمًا. أجرينا تقييمًا للمستشفى لندرس إمكانية إحالة المرضى إليه في أقرب وقت ممكن من آديغرات الواقعة على بُعد 120 كيلومترًا إلى الشمال.

في 19 ديسمبر/كانون الأول، وصلنا إلى آديغرات، ثاني أكبر مدينة من حيث عدد السكان في تيغراي. ساد التوتر الشديد هناك آنذاك وكان المستشفى في حالة يرثى لها. ذلك لأن معظم العاملين الصحيين كانوا قد غادروا وعانى مستشفى المدينة العام أيضًا نقصًا في الأدوية وافتقر إلى المواد الغذائية والمياه والمال. وكان بعض المرضى ذوي الإصابات البالغة والمتواجدين في هذا المستشفى مصابين بسوء التغذية.

زوّدنا المستشفى بالأدوية واشترينا المواد الغذائية الطارئة من الأسواق التي كانت لا تزال مفتوحة. وبالتعاون مع ما تبقى من طاقم المستشفى، قمنا بتنظيف المبنى وتنظيم عملية جمع النفايات. شيئًا فشيئًا، أعدنا تأهيل المستشفى حتى يخدم كمركز إحالة آخر.

في 27 ديسمبر/كانون الأول، دخلنا آدوا وأكسوم، وهما بلدتان واقعتان غرب مدينة آديغرات في وسط تيغراي. هناك، رأينا المشهد نفسه يتكرّر: لا كهرباء ولا مياه، وسُرقت جميع الأدوية من مستشفى آدوا العام وحُطم أثاثه ومعداته. لحسن الحظ، كانت مؤسسة "دون بوسكو" في آدوا قد حوّلت عيادتها إلى مستشفى طوارئ يتضمن غرفة عمليات صغيرة. أمّا في أكسوم، فلم يتعرض المستشفى الجامعي البالغة طاقته الاستيعابية 200 سريرٍ لأي هجوم، ولكنه كان يعمل بنسبة 10 في المئة فقط.

ومرورًا بطرقات لم تتسم حتمًا بالأمن، قمنا بنقل المواد الغذائية والأدوية والأكسجين على متن الشاحنات إلى المستشفيات وشرعنا في دعم أكثر الأقسام الطبية أهمية، مثل غرف العمليات ووحدات الأمومة وغرف الطوارئ، وعملنا أيضًا على إحالة الحالات الحرجة.

المراكز الصحية منهوبة وخارج الخدمة

بعيدًا عن المستشفيات، كانت نسبة تتراوح بين 80 و90 في المئة من المراكز الصحية التي زرناها بين ميكيلي وأكسوم خارج الخدمة، إما بسبب الافتقار إلى الموظفين أو بسبب تعرّضها للنهب. وعندما لا تتوفر خدمات الرعاية الأساسية، يضحي إرسال الأشخاص إلى المستشفيات أو إحالتهم إليها غير ممكن.

قبل الأزمة، اعتاد طاقم مستشفى آديغرات أن يجري أقلّه عمليتَي استئصال للزائدة الدودية في اليوم الواحد. ولكن خلال الشهرَين الماضيَين، لم يُجرِ الطاقم أي عملية. في كل مكان زرناه، رأينا المرضى يصلون متأخرين. استمر مخاض إحدى النساء لمدة سبعة أيام من دون أن تتمكن من وضع مولودها. أنقذنا حياتها بنقلها إلى ميكيلي. رأيت أشخاصًا يقلّون المرضى على متن دراجات هوائية مسافة 30 كيلومترًا وصولاً إلى المستشفى. وهؤلاء المرضى هم فقط من تمكنوا من الوصول إلى المستشفى...

إذا تعسّر على النساء اللواتي يعانين من ولادات معقدة والأشخاص المصابين بأمراض خطيرة والتهاب الزائدة الدودية وإصابات بالغة، الوصول إلى المستشفى، فيمكن بسهولة تخيّل العواقب التي تترتب على ذلك. هناك عدد كبير من السكان الغارقين في المعاناة، وهم يواجهون من دون أدنى شك عواقب وخيمة. يخدم مستشفى آديغرات أكثر من مليون شخص في حين يخدم مستشفى أكسوم أكثر من ثلاثة ملايين شخص. وإذا كان هذان المستشفيان لا يعملان بالشكل الصحيح ويتعذّر الوصول إليهما، فسيلقى الناس حتفهم في منازلهم. وعندما ينهار النظام الصحي، تتوقف أيضًا برامج التلقيح والكشف عن الأمراض والتغذية. من هنا، نحن نخشى أن تظهر الأوبئة عمّا قريب لأنه لم تُعطَ أي لقاحات منذ زهاء ثلاثة أشهر.

في الأسابيع الأخيرة، بدأت طواقمنا الطبية المتنقلة بزيارة مناطق خارج المدن الرئيسية ونحن نسعى إلى إعادة فتح بعض المراكز الصحية. يُضفي وجودنا شعورًا بالحماية. رأينا بعض العاملين الصحيين يعودون إلى العمل؛ حضر الاجتماع الأول الذي نظمناه في مستشفى آدوا خمسة أشخاص فقط، ولكن العدد ارتفع إلى 15 شخصًا خلال الاجتماع الثاني، في حين تجاوز عدد الحضور في الاجتماع الثالث 40 شخصًا. وبصرف النظر عن الأنشطة الطبية، يشعر المرء أنه يمنح الناس بعض الأمل: يمنحهم شعورًا بأن الأوضاع قد تتحسن بعد شهرَين لم يحملا لهم سوى الأخبار السيئة.

الخوف والطوابير ونقص الخدمات الأساسية

في هذا الجزء من تيغراي، لا توجد تجمعات كبيرة للنازحين ذلك لأن معظم الناس لجأوا إلى منازل أقاربهم وأصدقائهم، وبالتالي، بات عدد قاطني بعض المنازل يتراوح الآن بين 20 و25 شخصًا. في هذا المكان، تأثير العنف واضح على المباني والسيارات التي تكسوها ثقوب الرصاص. قابلنا في البداية خصوصًا سكانًا حبيسي منازلهم، يعيشون في خوف شديد. أعطونا قطعًا من الورق تحمل أرقام هواتف وطلبوا منا نقل الرسائل إلى عائلاتهم. لا يعرف الناس حتى ما إذا كان أقاربهم وأحبائهم بخير لأن الهواتف وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية غير متوفرة في العديد من الأماكن.

عندما وصلنا إلى آديغرات، رأينا 500 شخصٍ يصطفون في طوابير بجوار شاحنة لنقل المياه، ينتظرون الحصول على 20 لترًا كحد أقصى من المياه لكل أسرة. ولكن الوضع في آديغرات يشهد تحسنًا مبدئيًا وتم منذ أيام قليلة تصليح خط الهاتف هناك. ولكن غربًا، حيث نزور أماكن جديدة، ما زال المشهد المؤسف نفسه يتكرّر: الخدمات ووسائل النقل تقل شيئًا فشيئًا...

يساورنا قلق شديد بشأن ما قد يحدث في المناطق الريفية. ما زلنا غير قادرين على الذهاب إلى العديد من الأماكن، لأن الوصول إليها لا يزال صعبًا، إما بسبب انعدام الأمن أو بسبب صعوبة الحصول على إذن بالوصول. ولكن استنادًا إلى ما أخبرنا إياه شيوخ المجتمع والسلطات التقليدية، نحن على يقين أن الوضع في هذه الأماكن سيء للغاية.

تتّسم مناطق شاسعة من تيغراي بالتضاريس الجبلية وتضم طرقات متعرجة تمتد صعودًا من ارتفاع 2,000 متر فوق مستوى سطح البحر وصولاً إلى 3,000 متر. وبعض المدن مثل آدوا وأكسوم مبنية على المرتفعات الخصبة، ولكن جزءًا كبيرًا من السكان يعيش في الجبال، وسمعنا أن هناك أشخاص فرّوا إلى هذه المناطق النائية بسبب العنف.

تحديات لوجستية وتأخر الاستجابة

كان الجهد الذي بذلته طواقمنا جبارًا على المستويات كافة، سواءً على مستوى الموارد الطبية أو المالية أو اللوجستية أو البشرية. ويُعتبر ما خاضته هذه الطواقم بمثابة تحدٍ هائلٍ بغياب الهواتف والإنترنت. في البداية، لم تكن هناك أي رحلات جوية إلى ميكيلي واضطررنا إلى نقل كل المواد برًا من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الواقعة على بُعد حوالى 1,000 كيلومتر. كما تعّذر إجراء التحويلات المالية لأن جميع البنوك كانت مغلقة، ولكننا مع ذلك نجحنا في بدء تنفيذ أنشطتنا.

واليوم، بعد زهاء ثلاثة أشهر من بدء النزاع، ها هي منظمات أخرى تظهر شيئًا فشيئًا في بعض المناطق. أنا مندهش من مدى صعوبة الوصول إلى هؤلاء السكان المحتاجين في مثل هذه المنطقة المكتظة. بالنظر إلى الوسائل والقدرة على التحليل التي تمتلكها المنظمات الدولية والأمم المتحدة، فإن ما يجري يجسّد إخفاقًا بالنسبة لعالم العمل الإنساني.

ما زلنا نجهل ما هو التأثير الحقيقي لهذه الأزمة، ولكن علينا مواصلة العمل لاكتشاف ذلك في أقرب وقت ممكن."

تقدم طواقم أطباء بلا حدود الأخرى حاليًا الرعاية الطبية في مناطق مختلفة من وسط وجنوب وشمال غرب تيغراي. وبالإضافة إلى أنشطتها في تيغراي، قدمت طواقم أطباء بلا حدود الرعاية الصحية إلى آلاف النازحين، ودعمت المرافق الصحية على حدود إقليم أمهرا، وهي تستجيب لاحتياجات اللاجئين الإثيوبيين على طول الحدود السودانية.