تمرير

العراق - الجزء الأول: "وجود حاجة شديدة لتوفير الصحة النفسية"

6 أكتوبر 2017
قصة
الدول ذات الصلة
العراق
شارك
طباعة:

الدكتور كين هو طبيب نفسي من مدينة سيدني وهو من قام بتطوير القسم المتعلق بالصحة النفسية في مشاريع أطباء بلا حدود في كل من سورية و العراق والأردن واليمن.

في النصف الأول من هذا العام، قامت منظمة أطباء بلا حدود بتحرك سريع في مجال الرعاية النفسية وذلك في مواجهة النزوح الكبير من مدينة الموصل. أمهات، آباء، أطفال وكبار في السن يتركون أخيرا المدينة التي احتجزوا فيها. لكم أن تتخيلوا القوة والقدرة على الابتكار والموارد والقدرات الداخلية التي يتطلبها الخروج بنفسك وبعائلتك من الوضع في الموصل. لقد تمكنوا أخيرا من الخروج ليجدوا أنفسهم في مواجهة البرد والحرارة في خيام شديدة الاكتظاظ .

بدايةً يتعين علينا القول أن البشر يمتلكون مصادر ويستطيعون تدبّر أمورهم في الكوارث والنزاعات بشكل أفضل بما لا يمكن ان نتصوره. وفي واقع الأمر فإن الغالبية العظمى من الناس في هذا الوضع لا تكون بحاجة للمساعدة في مجال الصحة النفسية. هنالك فارق بين التعرّض لضغوط نفسية، وهي كثيرة في مثل هذه الأوضاع، و بين المعاناة لدرجة تحتاج لتدخل علاجي ما.

في ذلك اليوم ، قمت بتشخيص حالة شاب لديه الاعراض الأولية لمرض الفصام محاولا اقناع والديه المنهارين بان ابنهم لم يكن ضحية تلبس الجن و بأن الادوية من الممكن ان تساعده و انه من الممكن للأمور ان تعود على خير مايرام.

وعلى الرغم مما ذُكِر، فقد كان هناك بالفعل حاجة هائلة لتقديم الرعاية النفسية خلال أزمة الموصل. لا زلت أذكر في أحد الأيام، في إحدى الخيام حيث وصلت درجة الحرارة إلى 45 درجة مئوية وكان الناس يتصببون عرقاً ، توافد الأشخاص الواحد تلو الآخر طلباً للرعاية النفسية لهم و لعوائلهم. في ذلك اليوم ، قمت بتشخيص حالة شاب لديه الأعراض الأولية لمرض الفصام محاولاً إقناع والديه المنهارين بأن ابنهم لم يكن ضحية تلبّس الجن و بأن الأدوية من الممكن أن تساعده وأنه من الممكن للأمور أن تعود على خير ما يرام. بعد ذلك قمت بترتيب موعد لمتابعة هذا الشاب.

لقد قمت بتقديم المشورة لأربع عشرة حالة في تلك الخيمة في حين قام كلٌ من الطبيب النفسي والاستشاري النفسي بمعاينة حالات أخرى في نفس اليوم. علماً بأن عيادتنا كانت واحدةً من 11 عيادة متنوعة الاختصاصات (من ضمنها استشاريين وأطباء نفسيين، وأطباء عامين، ومعالجين فيزيائيين) قام فريق عملنا بإدارتها في ذلك اليوم في مختلف المخيمات التي استقبلت النازحين.

لكن لا بد من التوضيح هنا بأن الأمور تبدو سهلةً ومريحةً عندما تستطيع القيام بشيء ما؛ أما الصعوبة الحقيقية فهي حين تواجه مشكلةً لست مسؤولاً بشكلٍ مباشرٍ عن حلِّها أو إدارتها، كتأمين الغذاء للأشخاص وعوائلهم على سبيل المثال. ومن حسن الحظ فقد كان هناك في الموصل العديد من المنظمات غير الحكومية التي قدمت كافة أنواع المساعدة.

السؤال هنا: هل سيكون لهذه النزاعات تأثير في الأعوام القادمة، أتمنى أن تكون الإجابة بالنفي. لكن الخطر مازال قائماً. تؤدي النزاعات المزمنة للضرر على كثير من المستويات. كما أن الضرر يتعمق كلما طال أمد النزاع وكلما ارتفعت وتيرة العنف. لقد واجه الناس في العراق عقوداً من النزاعات والعديد من موجات النزوح. بينما من المتوقع أن يعود السوريون، كلٌ بحسب شدة العنف الذي تعرض له، إلى حالتهم الطبيعية وذلك نظراً لتمتعهم ببلدٍ آمن ومستقر وعوائل ومجتمعات محلية و بنى داعمة قبل نشوب النزاع. إن أفضل ما يمكن أن يحدث هو أن تنتهي الحرب بسرعة وأن يصبح الناس قادرين على إعادة بناء حياتهم. ليس من السهل حصول ذلك! في الوقت الحاضر تقوم منظمة أطباء بلا حدود بعمل ما في وسعها لتقديم أفضل مخرجات الرعاية النفسية لمرضانا.