تمرير

العيش مع مرض السكري: المرضى السوريون والأردنيون يحاربون المرض الصامت - الجزء الثاني

17 نوفمبر 2017
قصة
الدول ذات الصلة
الأردن
شارك
طباعة:

تقول أم عبد الله[1]، سيدة سورية من محافظة درعا وأم لستة أطفال:

"غادرنا بسبب الحرب في سوريا والخوف من هذه الحرب والقصف".

ثم تغلق عينيها وتفكر بعمق وتشير بأصابعها وتقول:

"أتينا إلى الأردن منذ حوالي ست سنوات. خشيت على سلامة أطفالي. رُزقت بثلاثة صبيان وأربع فتيات، ولكنني خسرت أحدهم في الحرب في سوريا".

وتجلس بجانب أم عبد الله ابنتها بثينة البالغة من العمر تسع سنوات والتي تحدق بهدوء في والدتها وكأنها تسمع هذه الكلمات للمرة الأولى. وتُردف الوالدة قائلةً:

"كان القصف متواصلًا، وفي هذه الأثناء، كان ابني يساعد أصدقاءه على دخول قبو للاحتماء، ووقف مباشرةً عند الباب عندما أُصيب وقُتل".

وتتوقف أم عبد الله لتلتقط أنفاسها ويسود الهدوء في غرفة العيادة، ثم تحمل كوب القهوة وتأخذ رشفةً منه بينما تعلو وجهها ابتسامة سريعة، وتضيف قائلةً:

"أصرت آلاء، الممرضة التي تعمل هنا مع أطبّاء بلا حدود، على أن أحتسي القهوة من دون سكر، ولكنني كنت أتوق لاحتساء كوب منها مع القليل من السكر على الأقل".

msf214940_medium.jpg

اكتشفت أم عبد الله أنها تعاني من السكري منذ ثلاث سنوات بينما كانت تتحضّر للخضوع إلى عملية جراحية وأظهرت بعض الاختبارات مستويات مرتفعة من السكر في دمها. غير أن هذا الاكتشاف الجديد المثير للاهتمام لم يصبها بالذعر، فتقول:

"كنت مشغولة بواقع أنني سأخضع لعمليةٍ جراحيةٍ آنذاك بحيث لم يتسنَ لي التفكير بسكر الدم".

وتحتسي بعدئذٍ رشفةً أخرى من القهوة ثم تنظر إلى ابنتها وتقول:

"كانت بثينة تبلغ الرابعة من العمر عندما شهدت سوريا القصف والتفجير. بعد أسبوع على وصولنا إلى الأردن، علقت في مصعد واحتجنا إلى ساعة لإخراجها منه. وفي اليوم التالي، شممت رائحة كريهة تخرج من فمها، وشكّل ذلك رد فعل للحادثة التي وقعت ذاك اليوم. يحصل الأمر أحيانًا فجأةً؛ تكون في طور اللعب بنشاط، فتتوقف وتقول بأنها على وشك الإغماء. عرفنا أنه لا يجدر بنا الانتظار أكثر، ولذلك قمنا باصطحابها إلى المستشفى وعندما صدرت نتائج التحاليل، عرفنا أن مستوى السكر في دمها يبلغ 350".

توقف بنكرياس بثينة عن العمل ولم تعرف أم عبد الله إلا مؤخرًا ما يعنيه تشخيص المرء بإصابته بداء السكري من النوع 1. وتقول:

"كانت تبلغ من العمر أربع سنوات فقط وحينئذٍ بدأ الأمر برمته".

تستأذن ابنتها للذهاب إلى المرحاض، وتكمل أم عبد الله حديثها بنبرةٍ هادئة:

"ما من حالات سكري في عائلتنا، والسكري الذي أصاب ابنتي ليس وراثياً. لا أحد يصدقني ولكنني أظن أنه مرتبط بأسباب نفسية. يُصاب السوريون الذين يعيشون وسط الحرب بارتفاع ضغط الدم وداء السكري".

msf214913_medium.jpg

وتنظر إلى الباب وتراقب بحذر المقبض ثم تتابع كلامها:

"بدأت بثينة تختبر صعوبات في تقبّل مرضها عندما بلغت السابعة من العمر، بعد أن بدأت ترتاد المدرسة وترى أصدقاءها يأكلون البسكويت والشوكولاتة ويشربون الكوكاكولا، فشعرت حينئذٍ بالاختلاف عندما رأت بأنهم يستطيعون الاختيار بحرية ما يودّون تناوله بينما تعجز عن القيام بذلك".

تضع كوب القهوة على الطاولة المجاورة وترفع رأسها ثم تقول:

"نعيش أنا ووالدها في قلق دائم، ونشعر بالتوتر كلما ذهبت بثينة إلى النوم. فسبق وأوشكنا على خسارتها مرتَين سابقًا بعد أن انخفض مستوى سكر الدم في جسمها وهي نائمة. ونكتشف ما حصل عندما تستيقظ في اليوم التالي، فيكون صوتها متقطعًا وكأنها تعاني من تشنجات في حلقها. وما أن يحصل ذلك حتى نقوم بمزج الماء والسكر ونضعه على أسنانها ولثتها ثم ندخلها المستشفى بسرعة، وعندئذٍ فقط تبدأ باستعادة وعيها الكامل. ولهذا السبب أفضّل إعطاءها قطعة صغيرة من الشوكولاتة قبل النوم، فمن الأفضل أن يرتفع مستوى السكر عوضًا عن الانخفاض".

ويُفتح الباب من جديد وتدخل بثينة بسعادة وتجلس في المكان نفسه، وتستمع إلى الحديث وتهز ذراع والدتها بلطف مُعربةً عن رغبتها في المشاركة ولكنها خجولة للغاية وبالكاد يُسمع صوتها، ثم تكف عن التكلم عندما يُذكر اسمها مجددًا. وتضيف الوالدة قائلةً:

"تعرف بثينة جسمها معرفةً جيدًا. تدرك عندما ينخفض مستوى السكر وعندما يرتفع. تجري اختبار السكري بنفسها وتقارن النتائج بنفسها، وأنا فخورة شعورها بالمسؤولية عن نفسها".

ولكن كيف نجحا يا ترى في تأمين تكاليف الرعاية طويلة الأمد؟ تجيب أم عبد الله قائلةً:

"كنا نزور المستشفى الذي يقدّم لنا الأنسولين. وأخبرونا فيما بعد أنه لم يعد مسموحاً للسوريين بدخول المستشفى وبدأنا بالبحث عن بدائل".

وتتوقف أم عبد الله عن الكلام وتتأمل قليلًا لبرهة وتتابع قائلةً:

"هل تعرف أن سعر الأنسولين أقل من سعر شرائط الاختبار؟ يبلغ سعر رزمة الشرائط 15 دينارًا أردنيًا وقد تدوم أحيانًا أقل من شهر". خلال بحثهما عن خيارات للرعاية الصحية في المنطقة، عرفا عن أطبّاء بلا حدود من خلال جارهما. وتقول الوالدة: "أخبرنا أن أطبّاء بلا حدود تسجّل المرضى، ولذلك توجهت على عجل إلى المستشفى وقام الموظفون بتسجيلنا فورًا. لدينا موعد محدد كل شهر. الأدوية باهظة الثمن ولكن أطبّاء بلا حدود تساعدنا على الحصول عليها بالمجان".

msf214927_medium.jpg

ومع استعدادها للمغادرة، تستدير مجددًا بتردد، وكأنها ترغب بالبوح بأمر يجول في خاطرها منذ دخلت الباب، فتتجرأ وتقول:

"أحد الأسباب الذي منعني من العودة إلى سوريا هو داء السكري الذي تعاني منه ابنتي، وأنا قلقة للغاية من عدم التمكن من إيجاد الرعاية الصحية التي تحصل عليها هنا لأنه يصعب تأمين الأنسولين في الديار. قد تصاب بتمزقات بسهولة تامة. تخيلوا ما قد يحصل لمريض مصاب بالسكري إن لم يحصل على جرعة الأنسولين ليوم واحد؛ حتى أن الشرائط المستخدمة للتحاليل اليومية غير متوفرة في سوريا. لا يمكنني القول إنه تتوفر رعاية صحية ملائمة هناك في هذا الوقت".

ومع كل ذكر لكلمة سوريا، يسهل رؤية مشاعر أم عبد الله التي تظهر بوضوح بالرغم من محاولاتها لإخفائها، وتقول:

"إن توقفت الحرب، فسأعود إلى بلدي سوريا. بعد أن غادرنا، أدركت كم أن وطني قيّم وثمين. ولكن الأهم هو أن أضمن رعاية صحية جيدة لابنتي هناك لأعود فورًا من دون تردد".

**تم تغيير أسماء الأشخاص لحماية خصوصيتهم


[1] والدة عبد الله: بشكل تقليدي وثقافي، يُشار إلى الآباء والأمهات في الشرق الأوسط بأسماء أبنائهم الأكبر سنًا.


في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2014، استهلت أطبّاء بلا حدود مشروعًا للأمراض غير السارية في محافظة إربد في عيادتَين، مقدمةً العلاج الطبي للمرضى السوريين الذين يعيشون في المجتمعات المستضيفة والأردنيين الأكثر حاجة، فتعالج مجموعة من الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والربو وأمراض الأوعية الدموية ومرض الانسداد الرئوي المزمن. في أغسطس/آب 2015، أطلقت أطبّاء بلا حدود برنامج الزيارات المنزلية للوصول إلى المرضى الذين يعجزون عن الوصول إلى العيادتَين بسبب الإعاقات البدنية أو القيود المالية، من بين أسباب أخرى. وعلاوةً على ذلك، يوفر المشروع جلسات التثقيف الصحي والدعم النفسي الاجتماعي لمساعدة المرضى على عيش حياة صحية.

في الوقت الحاضر، تسجّل 3374 مريضًا نشطًا في مشروع الأمراض غير السارية في إربد، من بينهم 2113 (62.6%) يتلقون علاجًا لنوعَين من السكري. وأجرت أطبّاء بلا حدود 58.181 استشارةً تشمل الزيارات المنزلية، وذلك منذ بدء مشروع الأمراض غير المعدية في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2014.