وسط أصوات أبواق السيارات وهتاف الناس وطنين المحركات، يعبر المرضى الشارع ويدخلون مستشفى مقر مقاطعة تيمرغارا عبر البوابات المعدنية السوداء المرتفعة. يوم 3 أبريل وضعت منظمة أطباء بلا حدود نظام فحص لمرض كوفيد-19 في هذا المستشفى في منطقة لوار دير التابعة لإقليم خيبر بختنخوا في باكستان للمساعدة في الوقاية ضد الفيروس ومنعه من الانتشار داخل المرفق إلى عمال الرعاية الصحية والمرضى ومرافقيهم، وبالتالي إلى أفراد المجتمع. وبالرغم من القيود المفروضة على التنقلات منعاً لانتقال فيروس كوفيد-19، فإن أكثر من ألف شخص من لوار دير والمناطق المحيطة بها يمرون عبر هذه البوابات كل يوم، إما للاستشارات الطبية أو كمرافقين لمرضى أو جرحى.
يتبع الواصلون الجدد غير ذوي الحالات الطارئة ممرات الحواجز البرتقالية حيث تقودهم إلى مكان لغسل اليدين – برميل ماء أبيض كبير مغطى وبه صنبور، وبعض الصابون – ثم إلى منطقة ما قبل الفرز. ينادي أحد أفراد الطاقم عبر مكبر صوت بالتعليمات، منافساً صوت الضجيج المحيط بالمكان، ويطلب منهم أن يبقوا مسافة متر ونصف بين بعضهم البعض الآخر وأن ينتظروا دورهم لرؤية الممرضين.
يقدم المرضى ومرافقوهم أنفسهم عند الطاولتين في المنطقة المكشوفة، ويجيبون على سلسلة من الأسئلة عن تاريخ سفرهم وما إذا كانوا على تواصل مع شخص تأكدت إصابته بكوفيد-19 و/أو إذا ما كان لديهم أعراض كأعراض الزكام. من هناك يتم فرزهم، حيث يتابع البعض طريقهم داخل المستشفى وقسم يبقون في غرفة الانتظار من أجل مرحلة أخرى من الفرز. وبعد مناقشة أكثر تفصيلاً يقل عدد المنتظرين أكثر فأكثر.
تُرسل الحالات المشتبه بها عبر باب آخر إلى إحدى غرف الاستشارة التي أعدتها أطباء بلا حدود بالتعاون مع مديرية الصحة. يُشاهَد المرضى من قبل طبيب يرتدي ملابس واقية بالكامل، ويقرر ما إذا كان ينبغي أخذ عينة للتحليل. ثم يحدد الطبيب إذا ما كان يجب إرسال المريض إلى جناح العزل المكون من 15 سريراً ضمن المستشفى أو أن يعزل المريض نفسه في بيته. والذين يُبلَّغون بالعزل المنزلي إما يذهبون بسياراتهم الخاصة أو يُنقلون إلى هناك بسيارة الإسعاف، تماشياً مع توجيهات السلطات الصحية.
ويقول علي محمد، 45 عاماً، الذي جاء إلى المستشفى برفقة ابنته التي كانت تعاني من مشكلة في ساقيها، "لا أعرف هذا المرض... أشعر أن نظام الفحص هذا قد وضع لحماية أشخاص مثلي. هذا الفحص يطمئنني أني لست مصاباً بالمرض وأن المرور بهذه التجربة يزيد من معرفتي [بمرض كوفيد]".
تأكدت أول إصابة بمرض كوفيد-19 في باكستان يوم 26 فبراير وبلغ عدد الحالات الآن أكثر من 8,400 إصابة و 175 وفاة. وتدعم أطباء بلا حدود مستشفى تيمرغارا منذ عام 2009 في عدة أقسام منه كما ساعدت عبر السنوات في إدارة عدد من تفشيات الأمراض كحمى الضنك والحصبة والإسهال الحاد. مرض كوفيد مختلف لأنه فيروس جديد، لكن منطق السيطرة على العدوى وإدارة التفشي يبقى متشابهاً وقد أتاحت الخبرة التي لدى الطواقم تطبيق نظام ما قبل الفرز وجناح العزل على نحو سريع.
تقوم أطباء بلا حدود في أنحاء باكستان بإجراء أنشطة توعية حول سبل حماية الناس لأنفسهم ومنع انتشار الفيروس. تتحدث الفرق مع المجتمعات المحلية وتتم مشاركة الرسائل عبر الإذاعة وفي الصحف وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد وضعت فرق أطباء بلا حدود تدابير وقائية ضد كوفيد-19 ومناطق عزل في معظم مرافقنا الطبية في باكستان.
ويقول أيمن عبد الله المسؤول القطري لمنظمة أطباء بلا حدود في باكستان: "نقوم بالتنسيق مع السلطات الصحية لنرى ما إذا كان بإمكاننا تقديم المزيد من الدعم لباكستان في تعاملها مع مرض كوفيد-19 لكن هناك تحديات وعقبات ملموسة عندما يتعلق الأمر بجوانب مثل الإمدادات ومعدات الوقاية". ويضيف: "إن سلامة طاقمنا ومرضانا تبقى أولوية". وفي ضوء ما تقدَّم، اتخذت أطباء بلا حدود القرار الصعب بالإيقاف المؤقت لخدمات علاج الليشمانيا الجلدية في كل من بيشاور وبانو وكويتا، وكذلك لعيادات التغذية الجوالة في مناطق نصير أباد وجعفر أباد. كما علقنا الأنشطة في مستشفى الأمومة الذي نديره في بيشاور لمدة 14 يوماً. وهذه تدابير مؤقتة فقط لتفادي انتشار مرض كوفيد-19 وتأمل فرقنا أن تستأنف الأنشطة في القريب العاجل، حالما يصبح القيام بذلك آمناً.
وفي تيمرغارا فحص فريق الاستجابة لمرض كوفيد-19 نحو 14,000 شخص وأجرى 245 استشارة تخص هذا المرض منذ بدء الأنشطة. تم إدخال 19 شخصاً إلى جناح العزلن منهم ثمانية تأكدت إصابتهم بكوفيد-19، وتم تخريج أربعة بعد شفائهم. مازال هناك الكثير مما يجب القيام به لكن إنشاء هذا النظام ورؤيته يعمل والاحتفال بانتصار الناس على الفيروس يعطينا بعض الأمل الذي نحتاجه بشدة وسط هذه الجائحة.
أطباء بلا حدود منظمة طبية دولية إنسانية تقدم المساعدة الطارئة للشعوب المتضررة من النزاعات المسلحة وتفشي الأوبئة والكوارث الطبيعية والحرمان من الرعاية الصحية. بدأت أطباء بلا حدود العمل في باكستان عام 1986 وتقدم الآن الرعاية الطبية التي تشتد الحاجة إليها للناس في أقاليم بلوشستان وخيبر بختنخوا والسند. تدير أطباء بلا حدود في تيمرغارا حالات الولادة العادية وذات المضاعفات، بما فيها الجراحية إن لزم الأمر، وتدير وحدة حديثي ولادة للخدج والمواليد منخفضي الوزن. في عام 2019 وحده ساعدت فرق أطباء بلا حدود في أكثر من 14,000 ولادة وقبلت 2,284 مولود جديد في جناح حديثي الولادة.