تمرير

تحطم سفينة قد يشكل رابطاً يجمع الناجين مدى الحياة

3 نوفمبر 2019
قصة
الدول ذات الصلة
منطقة البحر المتوسط
شارك
طباعة:

يتلقى 13 ناجياً من السفينة التي تحطمت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول على شواطئ جزيرة لامبيدوزا الإيطالية دعماً نفسياً من قبل فريق أطباء بلا حدود. كان على متن القارب حين انقلب خمسون شخصاً نجا منهم فقط اثنان وعشرون. بعد الحادثة بأسبوع عُثِرَ على القارب من قبل خفر السواحل الإيطالي الذي يعمل حالياً على إخراج جثث الركاب الاثني عشر من المركب.

منذ 10 أكتوبر/ تشرين الأول يعمل الفريق التابع لأطباء بلا حدود والمكوّن من طبيبٍ نفسي ووسيطٍ ثقافي على توفير الدعم لست نساءٍ من ساحل العاج وسبعة رجالٍ من تونس ضمن جلسات علاج جماعي. وقد كان الفريق متواجداً أيضاً حين تعرَّف الناجون على جثث أفرادٍ من عائلاتهم أو أصدقائهم. يستعيد المعالج النفسي العامل مع لأطباء بلا حدود داريو تيرنزي أحداث الأيام الخمسة الماضية.

"حين طُلِبَ من الناجين التعرف على الجثث، عاش الجميع ثلاث ساعاتٍ من الألم والمعاناة. كانت أعصابهم مشدودة وكان بعضهم يرتجف من الخوف من فكرة أن يروا رفقاءهم في السفر وقد أصبحوا جثثاً هامدة.

أحسست بمدى توترهم في الدقائق التي سبقت رؤيتهم لصور بقايا أحبائهم. كانت الجثث مشوهةً بسبب بقائها في البحر. وقد سألت إحدى الشابات لماذا أصبحت الجثث بيضاء اللون. لقد تسببت مياه البحر في تآكل الجلد وتحوّلِ لونه وشوّه البحر ملامح وجوههم حتى أصبح من الصعب التعرُّف عليهم. بعض الأشخاص أمكن تحديد هويتهم فقط عن طريق التعرف إلى قطعةٍ من الملابس التي كانوا يرتدونها.

إحدى النساء الشابات لم تستطع التعرف على زوجها إلا من خلال القميص الذي كان يرتديه يوم فُقِدَ في البحر. وعلى الرغم من خوفها إلا أنها أرادت أن تراه للمرة الأخيرة ومباشرةً بعد أن وقعت عيناها عليه أصيبت بالانهيار وغرقت في نوبةٍ من الصراخ اليائس المفجع. قدمنا كل ما نستطيع من المساعدة ثم اصطحبناها إلى غرفتها حيث أخذت حالتها في التحسن شيئاً فشيئاً بمساعدة صديقاتها من المسافرات الأخريات.

جميع مرضانا قد أصبحوا أهدأ بكثير مما كانوا عليه من قبل. حين التقيناهم في اليوم الأوّل كانت نظراتهم متجمدة وأجسامهم متخشِّبة وبعضهم كان عاجزاً عن الكلام. العديد منهم ما زالوا يرون الكوابيس ويعانون من صعوبات في النوم أو يخافون من البقاء لوحدهم. بعضهم لم ينم منذ عدة أيام وقد فقد شهيته للطعام ويقولون أنهم تجتاحهم مئاتٌ من الأفكار والصور وأنهم لا ينفكون يعيشون في ذاكرتهم لحظات تحطم القارب. العديد منهم يتساءلون لماذا ما زالوا أحياءً – لماذا كانوا هم الذين كُتِبَت لهم النجاة.

حين نقدّم الدعم النفسي نرحب بمشاعرهم تلك ونتقبلها ونشاركهم إياها، وبطريقةٍ ما نحاول جعلهم أكثر تحملاً وأكثر تفهماً لما يدور في عقولهم ويعتمل في صدورهم. سيستغرق الأمر زمناً طويلاً ويتطلب جهداً كبيراً قبل أن تخبو تلك الذكريات وتبدأ مشاعرهم بالاستقرار.

msf284732high.jpg
في كل مرةٍ نعود بها إلى بيوتنا يحدونا الأمل بألا نضطر للاستجابة لحادثةٍ أخرى كهذه. ولكنه أملٌ غير قابلٍ للتحقيق فالناس ما يزالون يموتون في البحر، وهذا أمر غير مقبول.

يحتاج الناجون من تحطم القارب لأن ينتقلوا بعيداً عن لامبيدوزا. لقد قالوا لنا بوضوح أنهم لا يريدون البقاء هنا أكثر من ذلك. إنهم يشعرون بالإرهاق من المأساة ويتساءلون عن سبب وجودهم هنا - حيث مات أحباؤهم.

طلبت منظمة أطباء بلا حدود من السلطات عدم فصل المجموعتين الناجيتين- النساء الست من ساحل العاج والرجال السبعة التونسيين- ونقلهم إلى نفس مركز الاستقبال فإتاحة الفرصة لهم للبقاء معاً هي جزء صغير ولكنه مهمٌّ للغاية من إجراءات حمايتهم وقد رأينا في الماضي أن ذلك يمكن أن يساعد الناجين من حوادث غرق المراكب إلى حدٍ كبير، فتحطم السفينة يمكن أن يكون رابطاً يجمع بين الأشخاص مدى الحياة. وقد استجابت السلطات لذلك الطلب.

إننا سعداء لتمكننا من تحقيق بعض الراحة لأولئك الناجين لكن هناك شعور بالمرارة ففي كل مرةٍ نعود بها إلى بيوتنا يحدونا الأمل بألا نضطر للاستجابة لحادثةٍ أخرى كهذه. ولكنه أملٌ غير قابلٍ للتحقيق فالناس ما يزالون يموتون في البحر، وهذا أمر غير مقبول".