تمرير

حلب الشرقية: "أربع سنوات وعشرون عملية جراحية لعلاج الإصابة وترميم الضرر"

15 مايو 2017
آخر
شارك
طباعة:

خُيِّر سكان الجزء الشرقي المحاصر من مدينة حلب بين الخروج من منازلهم وبيوتهم أو الإبادة. وبينما يهيئون أنفسهم لما هو قادم، تحكي لنا أمل عبد الله عن ذلك اليوم الذي مضت عليه الآن أربع سنوات عندما طُلِب منها أن تغادر الحي الذي تقطنه في الجزء الشرقي من حلب الذي عاشت وترعرعت فيه

"كان الوقت حينها منتصف شهر يوليو/تموز 2012 عندما طلبت منا السلطات أن نخلي الحي الذي نعيش فيه في حلب الشرقية أو نواجه عواقب بقائنا".

عشت طيلة حياتي في حلب. كانت الحياة فيها جميلة، ويساعد الناس بعضهم الآخر، وكنا ننعم بالحرية وكان الاقتصاد مزدهراً. كان عمري وقتها 32 عاماً وكنت أعيش مع والدي وإخوتي وأعمل في محل في مركز تسوق.

لكن عندما بدأت الحرب تغير كل شيء وخسرنا الحياة التي كنا نعيشها.

عندما طلبت منا السلطات أن نغادر حيَّنا، حي صلاح الدين، صدَّق بعض الناس ضرورة ذلك، لكن آخرين استبعدوا احتمال قصف المنطقة. ولم يرغب الكثيرون في ترك ممتلكاتهم خلفهم والخروج، بينما لم يكن لدى آخرين مكان آخر يذهبون إليه. انتقلت أنا وأهلي إلى حيِّ الكَلَّاسَة الذي يقع وسط مدينة حلب حيث يعيش بعض أقاربنا هناك لكن أبي بقي في بيتنا وحده.

كنت أذهب إلى بيتنا في صلاح الدين بين فينة وأخرى لرؤية والدي ولأخذ بعض الملابس ، لكن الذهاب إلى هناك كان خطراً، حيث كان هنالك قصف على المنطقة ومعارك برية، ولم تكن ترى في الشارع سوى سيارات قليلة مع انقطاع للكهرباء والماء والاتصالات.

في المقابل كانت منطقة الكلاسة هادئة وآمنة في البداية، وهي منطقة في قلب مدينة حلب، قريبة من قلعتها الشهيرة ومن سوق الخضار الرئيسي. لم يكن الحي آمناً تماماً إذ كنا نسمع صوت الطائرات المروحية والحربية في السماء – لكن الحياة كانت طبيعية خلال تلك الأسابيع القليلة، كنا نقوم بأنشطة اجتماعية وزيارات عائلية نجتمع فيها في بيت عمتي، كما أنني زرت طبيب الأسنان.

عشية أول يوم من شهر أغسطس/آب كنا أنا وقريبتي متجهتان إلى البيت سيراً على الأقدام عندما نزلت قنبلةٌ بشكل مفاجئ في مكان قريب منا، رأيت وهج الانفجار وسمعت صوته، وقام بعض الناس في الشارع بسحبنا إلى داخل أحد المباني لنختبئ، لكننا استجمعنا شجاعتنا وقررنا أن نواصل السير إلى بيت أحد أقاربنا في الجوار. وبينما نحن مسرعتان إلى وجهتنا وإذ بقنبلة أخرى تسقط ما بين مبنيين. عمَّ الذعر في الشارع وبدأ الناس يركضون ويصرخون وكان هنالك جرحى في الشارع. ومرة أخرى قام بعض الناس بأخذنا إلى داخل أحد البيوت واحتمينا هناك في شقة في الطابق الأول.

كان أصحاب البيت يستخدمون ضوء الشموع. جلست على الأريكة بانتظار أن يهدأ الوضع في الخارج، واتصل بي أفراد أسرتي خمس مرات أو ست مرات متتالية ليطمئنوا علي ويخبروني بأن الوضع يزداد سوءاً.

بعد لحظات، شاهدت ضوءاً قوياً وسمعت دويَّ انفجار هائل. كنت في كامل وعيي وكنت أصرخ لكنني لم أشعر بأي ألم. أما المرأة التي كانت تقف بجانبي فقد كانت ممددة على الأرض جثة هامدة. تم وضعي في بطانية وحملي عبر الدرج إلى أسفل المبنى، وسمعت صوت أناس يطلبون سيارة إسعاف.

في سيارة الإسعاف تجمَّع رجال حولي وكان يطرحون علي أسئلةً عن اسمي وعائلتي، وأين هاتفي الجوال. لم يعثروا على هاتفي لكنني تمكنت من أن أملي عليهم رقم شقيقتي. عندما اتصلوا بها وسمعت اسمي ظنَّت أنني متُّ. إلا أنني لم أمت بل أصبت إصابات بالغة.

في مستشفى عبد العزيز الميداني أعطوني مخدراً وحاولوا إيقاف النزيف. كانت قوة الانفجار قد رمت بي على الحائط، ما تسبب بسحق عظم مرفقي. أما ساقي فكادت تنفصل إلى قسمين بسبب شظية أصابتها، كما أصبت بشظاياً في رأسي وذراعي وصدري وأضلاعي وبطني.

تم نقلي إلى مستشفى الرازي وهو مستشفى عام. كانت رحلة خطرة والأجواء مضطربة فقد كان هنالك قصف متواصل والدم مازال ينزف مني. كان القصف على المنطقة بأكملها. تم نقلي مباشرة إلى غرفة العمليات، وآخر شيء أتذكره هو أن طلب مني الطبيب أن أتلو سوراً من القرآن، بينما بدأ المخدر يأخذ مفعوله. استمر العمل الجراحي مدة 10 ساعات من الساعة العاشرة في تلك الليلة حتى الساعة الثامنة في الصباح التالي – ولم أستعد وعيي لمدة خمسة أيام تالية.

عندما تم تخريجي من المستشفى، لم أجد مكاناً آمناً أذهب إليه. كان لدي إصابة عظمية بالغة لكن المشكلة الأساسية كانت الخوف، فكلما سمعت صوت طائرات في السماء يزداد الألم لدي.

كنا نسمع صوت القنابل في كل يوم وكل ليلة، كما أن رصاصة طائشة جاءت إلى حديقة المنزل وجرحت شقيقتي. لم يكن هنالك كهرباء ولا اتصالات. وكانت مشاهد ذلك اليوم الذي أصبت فيه تراودني دائماً. بعد شهر تمكنَّا من مغادرة المدينة والهروب إلى الأردن.

خلال السنوات الأربعة التي مرت منذ إصابتي خضعت لعشرين عملية جراحية لإصلاح الضرر الذي لحق بساقي وذراعي ورأسي. وبعد عام على عمليات تطعيم العظم والرعاية اللاحقة في مستشفى الجراحة الترميمية التابع لأطباء بلا حدود في عمان، أنا الآن جاهزة تقريباً للخروج من المستشفى. أمشي مستندة على عُكَّازين ولدي مفصل صناعي في ذراعي وبذلك أستطيع تحريكه بحرية الآن.

أنظر الآن إلى ما يحدث في حلب – القصف والحصار – وأشعر بما يشعر به الناس الباقين هناك. أتذكر شعور العيش وسط الخطر المحيط بك حيث لا تأمن على نفسك حتى من التنقل. وأتمنى أن لا يمر أحد آخر في حلب بما مررت به.

ما أتمناه شخصياً لنفسي هو أن أكون كأي فتاة أخرى، وأن أعيش حياة كحياتي السابقة. أحياناً أشعر بالحزن عندما يسألني بعضهم ’ما الذي حصل لكِ‘؟ لكن هذا أمر مقدَّر وعلي أن أقبله. أشعر أنني محظوظة بأن أتيحت لي رعاية طبية جيدة كهذه، وكل ما أتمناه هو أن أتعافى بالكامل".

تم تغيير اسم المريضة بناءً على طلبها