تمرير

فلسطين- البقاء على قيد الحياة في غزة: آمال مصحوبة بأخطار العيش تحت الحصار

1 يوليو 2021
قصة
الدول ذات الصلة
الأراضي الفلسطينية المحتلة
شارك
طباعة:

بعد مرور أكثر من شهر على تفعيل وقف إطلاق النار بين الحكومة الإسرائيلية وحماس، يشعر الفلسطينيون في قطاع غزة في فلسطين بعدم الأمان ويخشون من وقوع جولة أخرى من الأعمال العدائية.

كان مهند البالغ من العمر 12 عامًا في السيارة مع عمته عندما بدأت الضربات الجوية تسقط على الحي الذي كانوا يمرون به في الحادي عشر من مايو/أيار. نجا مهند من الانفجار، ولكنه أصيب بجروح متعددة في رأسه وذراعه وبطنه من آثار الشظايا. "انظروا إليه"، يقول والده السبع مصباح، وهو يرفع قميص ابنه ليُظهر طبقات واسعة من الشاش ملفوفة حول خصر مهند. "إنه مجرد طفل. ماذا فعل ليستحق هذا؟ "

"هناك حرب تقع هنا كل بضع سنوات، لقد تعودنا على هذا. إنها مجرد حياة، ولن نبكي على المباني المدمرة بعد الآن؛ إذ أن أطفالنا هم مركز خوفنا الوحيد".

مرت عدة أسابيع على خروج مهند من المستشفى، حيث قد شُفيت بعض إصاباته لكن صدمة التجربة التي عاشها ما زالت حديثة. "لا يحب الحديث عن الحادث لأنه يعيد الذكريات"، كما أوضح والده، "إنه يتذكر كل شيء".

بالنسبة لمعظم الفلسطينيين في غزة، فإن 11 يومًا من القصف الإسرائيلي المكثف في مايو/ أيار لم تكن للأسف المرة الأولى التي يتعرضون فيها لغارات جوية. حيث أنّ صدمة الخوف على حياتك ورؤية منزلك في حالة خراب ومواجهة المصاعب الاقتصادية المصاحبة لمثل هذا التصعيد لها عواقب بعيدة المدى بالنسبة للكثيرين، ولا سيما تلك التي تأتي على رأس الصدمات الموجودة أصلاً نتيجة جولات العنف السابقة والحياة تحت 15 عاما من الحصار. لقد أدى الهجوم الأخير فقط إلى زيادة حدة أزمة الصحة النفسية في غزة، بل وجعلتها أكثر صعوبة ليواجهها الناس.

عندما قصف منزلها ليلاً، نجت سلمى شمالي، البالغة من العمر 36 عاماً، مع زوجها وأطفالهما السبعة وهربوا بصعوبة. "لقد سمعنا ما لا يقل عن 15 انفجارا. كنا جميعًا في غرفة واحدة، وكان الأطفال نائمين، ثم سقط علينا جزء من المنزل. كنا مرتبكين، إذ لم يحذرنا أحد أو يخبرنا بإخلاء المنزل".

استغرق الأمر منهم عدة ساعات للوصول إلى محطة حافلات قريبة في الظلام حيث اختبأوا لمدة خمس ساعات، ثم انتقلوا من محطة الحافلات إلى مدرسة. عندما عادت الأسرة إلى المنزل بعد أسبوع، كان منزلهم متضررًا بشدة، وكان عليهم استئجار منزل آخر.

وعلى الرغم من وقف إطلاق النار المتفق عليه الشهر الماضي، إلا أن الحكومة الإسرائيلية قامت بالفعل بشن غارات جوية على القطاع مرتين، ولم يتوقف الصوت الصاخب للطائرات المحلقة في سماء غزة، حيث يستمر هذا الضجيج في تعذيب الناس ليلة بعد ليلة، مما يبقيهم مستيقظين وحذرين.

كان أطفال سلمى يختبئون في كل مرة يسمعون فيها صوت الطائرات، ويقولون وهم يبكون: "لا نريد الحرب"، وهي تحاول الحفاظ على الهدوء وعدم فقدان الأمل.

تقول مستشارة الصحة النفسية التي تقدم الدعم الطبي للمرضى في عيادة منظمة أطباء بلا حدود في مدينة غزة، أميرة كريم، إن قصص المرضى، وخاصة الأطفال المتضررين من التفجيرات الأخيرة قد أثارت ذكرياتها المؤلمة، "لقد تذكرت الخوف الشديد من الموت، وتذكرت كيف حضنني أطفالي بقوة عندما كانت القنابل تنفجر بالقرب من منزلي في منتصف الليل. لم يكن ذلك يشبه أي شيء عشناه من قبل، فقد شعرنا أن تلك كانت الدقائق الأخيرة من حياتنا".

يعاني الجميع في غزة من صدمة مستمرة، بما في ذلك العاملون في مجال الرعاية الصحية، الذين يتم اختبار صمودهم يوميًا لأنهم يساعدون الآخرين أثناء تعرضهم للأحداث الصادمة بأنفسهم.

وفي هذا الصدد، قال الاختصاصي النفسي في منظمة أطباء بلا حدود، محمود زياد عوض "بذلت قصارى جهدي خلال التصعيد الأخير لتقديم الدعم لكل شخص يمكنني الوصول إليه - مرضاي وزملائي وأصدقائي وعائلتي، وكل ذلك وأنا أعيش نفس التجربة وأتعالج من فقدان اثنين من أصدقائي".
وأضاف، "إن رؤية المرضى وهم يشعرون بتحسن يمنحني القوة لمواصلة القيام بهذا العمل، ولكنني أخشى أن أخذل مرضاي أو أن أصبح أنا مريضًا".

وفقاً للطبيب النفسي في منظمة أطباء بلا حدود، خوان باريس، "الجميع في غزة متأثرون". حيث تشير التقارير إلى أن أربعين في المئة من الشباب في غزة يعانون من اضطرابات المزاج، وأن 60-70 في المئة يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وهناك 90 في المئة يعانون من حالات أخرى مرتبطة بالتوتر. وقال باريس، " كما ارتفع عدد حالات الانتحار ومحاولات الانتحار بشكل مطرد في عام 2020، ولكن من الواضح أنه لم يتم الإبلاغ عنها بشكل كافٍ بسبب وصمة العار المتعلقة بقضايا الصحة النفسية في المجتمع الفلسطيني".

وفي سبيل دعم مرضاها وموظفيها وعائلاتهم، قامت منظمة أطباء بلا حدود بتعزيز خدمات الصحة النفسية في غزة. وأضاف باريس، "الناس في غزة صامدون، ويأتي صمودهم هذا من إحساس قوي بالالتزام تجاه مجتمعهم، لكنه يخضع للاختبار يوميًا حيث يستمرون في التعرض للصدمات مرة تلو الأخرى ويتعين عليهم تحمل ذلك حتى يتمكنوا من مساعدة الآخرين".