تمرير

قصص مهاجرين ولاجئين يرتحلون خلال فصل الشتاء في شمال إيطاليا

26 يناير 2021
نشرة صحفية
الدول ذات الصلة
إيطاليا
شارك
طباعة:

في الأشهر الأخيرة كانت هناك زيادة حادة في عدد المهاجرين واللاجئين على الحدود الشمالية لإيطاليا. وحتى في الشتاء، يتجه الناس غرباً عبر الجبال المغطاة بالثلوج باتجاه فرنسا؛ ويحكي الكثيرون عما جرى معهم حيث أعيدوا أكثر من مرة من قبل الشرطة الفرنسية. وعلى الحدود الشرقية لإيطاليا، كثيراً ما يشتكي الواصلون سيراً على الأقدام بعد عبور ’طريق البلقان‘، شاقين طريقهم عبر الغابات، وعلى طول السكك الحديدية، من تعرُّضهم للضرب من قبل الشرطة البوسنية أو الكرواتية.

وبينما نرى أن أعداد الناس أقل مما كانت عليه قبل بضع سنوات، إلا أن الإذلال والعنف والمصاعب والاعتداءات التي يتعرض لها الرجال والنساء والأطفال أثناء رحلاتهم لم تتغير. الشيء الوحيد الذي يُبقي لديهم الأمل في الاستمرار بالرغم من كل ما عانوه هو فرصة الوصول في نهاية المطاف إلى وجهتهم.

لا توجد أية مساعدات من قبل السلطات في المدن الحدودية؛ بالتالي يبقى الأمر للناشطين والمتطوعين لاستقبال الناس أثناء عبورهم وتزويدهم بالمساعدات الإنسانية والرعاية الطبية، بدعم من منظمة أطباء بلا حدود. وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول، سافر فريقان من المنظمة إلى نقاط العبور الرئيسية في كل من فنتيميليا، وأولكس، وبولزانو، وترييستي، وتحدثوا مع المهاجرين واللاجئين المرتحلين ومع الناس الذين يحاولون مساعدتهم.

فيما يلي بعض ما قالوه، يتبعه نداء من أطباء بلا حدود للسلطات الإيطالية كي تقدم للناس المأوى والمساعدة الإنسانية والوصول للرعاية الطبية في جميع المناطق الحدودية.

فنتيميليا

في الشوارع، وبمحاذاة السكك الحديدية، وفي المباني المهجورة وعلى الشاطئ: هذه هي الأماكن التي يعيش فيها المهاجرون واللاجئون في فنتيميليا بعد أن أغلقت السلطات مخيم العبور القريب من نهر روجا في يوليو/تموز الماضي. وقد كان المخيم، بالرغم من عيوبه، مكاناً يوفر المأوى للناس أثناء رحلتهم. والآن لا يوجد أي مكان رسمي يستقبلهم. لكن مجموعات المتطوعين وشبكات غير رسمية من الناشطين تقدم على مدار 12 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع، وجبات ساخنة على مقربة من الحدود الفرنسية؛ وبفضل التزامهم تستطيع الأسر التي معها أطفال أن تجد مأوى في المدينة.

تملك ديليا مقهى ومطعماً قرب محطة قطار فنتيميليا. وتفتح أبواب مطعمها أمام المهاجرين واللاجئين. فيليبو، في العقد السادس من العمر، واقترب من التقاعد، يأتي للمطعم يومياً ليشرب القهوة ويرى إن كانت هناك أسرة جديدة كي يستضيفها. ويقول فيليبو: "على مدى العام الماضي فتحنا أنا وزوجتي أبواب منزلنا. وقد استضفنا أكثر من 30 أسرة حتى الآن. نفعل ذلك كخدمة. نستقبل الأسر التي معها أطفال والنساء الوحيدات: أي الأشخاص الذين ليس لديهم ما يحميهم ولا ينبغي أبداً أن يناموا في الشارع".

يقدم فرع منظمة "كاريتاس" المحلي، ويبعد مسافة 5 دقائق مشياً عن المحطة، خدمات تشمل المشورة القانونية ووجبات الطعام والملابس والسكن للأسر. وقد خلَّف كوفيد-19 أثراً هائلاً على هذه الأنشطة. ويقول كريستيان بابيني، مدير منظمة كاريتاس في فنتيميليا: "اضطررنا لتعليق خدمة الاستحمام، أما الوجبات فتوزَّع خارجاً. وبعد إغلاق مخيم العبور، تدهور الوضع و باتت المؤسسات العامة اليوم غائبة كلياً. يصل الناس وهم متعبون، والأمل ينفد منهم. وإننا قلقون تجاه المستقبل؛ إذا زادت الأرقام فقد يصبح الوضع حرجاً".

مُنِح زوجان شابان برفقتهما طفلة عمرها سبعة أعوام مكاناً ليناموا فيه في إحدى شقق كاريتاس. هذه الأسرة من إثيوبيا بالأصل لكنهم جاؤوا من ليبيا في عام 2018، حيث تعرضوا للسجن في مركز احتجاز في الكفرة لثمانية أشهر. تعرض الوالدان للضرب والتعذيب في مركز الاحتجاز أمام ابنتهما حتى دفعت الكنيسة في قريتهم مبلغ الفدية. بعدها كانت أولى محاولاتهم للوصول إلى أوروبا: وبعد يومين في البحر تم اعتراضهم من قبل خفر السواحل الليبي وأعيدوا إلى ليبيا. وبعد أربعة أشهر أخرى في مركز احتجاز، تمكنوا من الهرب ووجدا عملاً كخادمين، قبل محاولة عبور البحر مجدداً. في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وبعد ثلاثة أيام في البحر وصلوا إلى لامبيدوزا ثم واصلوا رحلتهم، واستقلوا حافلة ثم قطاراً إلى فنتيميليا.

طوفان أكتوبر والأموات مجهولي الهوية

في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2020، ضربت فيضانات قوية فنتيميليا، وخلال الأيام التالية عُثِر على عشر جثث، ثمانٍ منهم لم يُتَعَرَّف على هويتهم. ويقول لوكا دامينيلي، ناشط يعمل مع بروغريتو 20ك: "كان هناك ربما أشخاص مرتحلين كانوا نائمين بجانب النهر فجرفتهم المياه". في كل مساء ترى متطوعين من هذه الشبكة في عند موقف السيارات أمام المقبرة يوزعون الوجبات الساخنة والملابس للعابرين في فنتيميليا. "نستطيع الوصول إلى الأشخاص والأسر المرتحلة بفضل شبكة واسعة من المتضامنين تأسست في المنطقة" ويضيف: "جميع المساعدات مقدَّمة من القطاع التطوعي. تبرعت لنا أطباء بلا حدود بأكياس نوم وبطانيات وأحذية وملابس نقوم بتوزيعها للناس العابرين – جميع الأشياء الأساسية التي تلزمهم لمواصلة رحلتهم خلال أشهر الشتاء".

msb45323high.jpg

أولكس

على مدى السنوات الثلاث الماضية، عبر أكثر من 10,000 شخص منطقة الألب عند بلدة أولكس، في وادي سوسا الأعلى، للوصول إلى فرنسا. وقد أدت جائحة كوفيد-19 وقيود الإغلاق العام إلى انخفاض أعداد العابرين، إلا أنهم لم يتوقفوا بالكامل. خلال الصيف عبر ما لا يقل عن 500 شخص من خلال أولكس، معظمهم جاء عبر ’طريق البلقان‘. كان بينهم إيرانيون وأفغان وأناس من شمال إفريقيا، اختاروا هذا الطريق لتفادي مراكز الاحتجاز في ليبيا وخطر غرق السفن في البحر المتوسط.

يقع ملجأ "تاليتا كوم" مقابل محطة قطار أولكس. يفتح الملجأ من السادسة مساءً إلى العاشرة صباحاً، وتديره شبكة من المتطوعين من جمعية رينبو فور أفريكا وجمعية والدينسيان دياكونيا. وعلى بعد بضعة كيلومترات أخرى بمحاذاة الطريق المؤدي إلى الحدود، تستخدم مجموعة من الناشطين منذ عدة سنوات منزلاً سابقاً لعمال الطرق لتوفر مأوى على مدار الساعة للعابرين. ويقول بييرو غورزا، المختص الأنثروبولوجي وممثل منطقة بيدمونت في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان (MEDU): "خلال الشتاء تتحول أرض الجبال إلى فخ من الجليد والثلج لمن يحاول عبورها".

تبدأ الرحلة من الساحة التي أمام المحطة، حيث تغادر الحافلات باتجاه كلافييري، وهي آخر بلدة إيطالية قبل الحدود، ومنها يأمل المهاجرون واللاجئون الوصول إلى بريانسون في فرنسا. ويقول غورزا: "إذا كنت تمشي في درجة حرارة 15 تحت الصفر، وأصيبت قدماك بالبلل فقد تصبح حياتك في خطر. فالشتاء فصل حرج ومفاجئ يحتاج فيه الجميع العمل معاً لإنقاذ الحياة. ولحسن الحظ فإن في هذا الوادي أعراف تضامنية قوية، وروح كفاح ومقاومة، مغروسة في ذاكرة الناس منذ سنوات الحرب. ولم تحدث سوى خمس وفيات خلال جميع هذه السنوات، بفضل المتطوعين والناشطين الذين يقدمون المساعدة في الجبال. الأمر أشبه بتقديم سترة نجاة لشخص يغرق في البحر. هو شيء يردُّ الموت".

بولزانو

كان نحو 120 مهاجراً يعيشون على الأرصفة في بولزانو في منتصف ديسمبر/كانون الأول. مازال الناس يصلون إلى المدينة على أمل عبور الحدود، لكن معبر برينر باس مغلق، ومقارنة بالسابق هناك محاولات قليلة جداً لعبور الحدود. يعيش نحو 50 شخصاً في ظروف مروعة تحت جسر الطريق السريع، وسط أكوام من القمامة، والجرذان تجول بين خيامهم الممزقة، ولا يتوفر لهم ماء نظيف أو مراحيض.

قبل انتشار جائحة كوفيد-19، كان يمكن للناس الذين يعيشون هنا الحصول على رعاية طبية، بفضل عيادة جوالة ومطبخ تديرهما جمعية فولونتاريوس. وإضافة إلى الرعاية الطبية الأساسية كان الناس يحصلون على وجبة ساخنة بينما يجلسون في مكان مغلق ودافئ.

تدعم أطباء بلا حدود بوزن سوليدالي، حيث تقدم أكياس النوم والبطانيات والأحذية والملابس، التي توزَّع مباشرة للناس خارج مكان الاستقبال.

أمضى إسيفي، وهو بالأصل من النيجر، بعض الوقت في ألمانيا وسويسرا، لكنه عاد إلى إيطاليا. عاش على أرصفة بولزانو لأكثر من عام حتى التقى راينر، وهو فلاح يزرع التفاح العضوي. دعاه راينر للإقامة في مزرعته، وبقي إسيفي هناك بعد انتهاء موسم قطف التفاح. ويقول راينر: "لقد كان سماع قصته مؤثراً في نفسي، وقد صُدمت من التجارب التي مر بها في رحلته. لا يمكن لأي منا أن يتصور معاناتهم والأمور المروعة التي واجهوها في طريق رحلتهم. ومع ذلك وبالرغم من قسوة الحياة التي عاشوها ترى دئماً الابتسامة على وجوههم".

ترييستي

يمر المهاجرون واللاجئون القادمون من تركيا عبر اليونان وصربيا وكرواتيا وسلوفينيا على طول طريق البقان. يسافرون بأي وسيلة تتوفر لهم، لكن غالب رحلتهم يقطعونها على الأقدام، ويدخلون إيطاليا عبر معبر ترييستي الحدودي. وغالباً ما يُجبَر الرجال والنساء والأطفال الذين يُعتَرضون على طول هذه الحدود على العودة، وأحياناً بشكل عنيف. وقد أصبحت المعاملة التي يلقونها لا سيما في كرواتيا والبوسنة معروفة الآن.

في ترييستي، يبقى معظم المهاجرين واللاجئين في المدينة خشية أن يتم إبعادهم، وهو أمر قد يحدث على بعد حتى 10 كيلومترات من الحدود. يقرر البعض البقاء في المدينة وترحب بهم جمعية التضامن الإيطالية (ICS). تجد حقائب الظهر والملابس البالية والمتسخة مرمية هنا وهناك في دروب الغابات على طول الحدود، إذ يلقيها أصحابها لأنها لم تعد صالحة للاستعمال.

وبفضل المعلومات التي تُنقل شفوياً، وهي وسيلة تتخطى الحدود واللغات، يجتمع الكثير من المهاجرين واللاجئين المرتحلين في حديقة أمام محطة القطار في المساء. هنا يقدم لهم متطوعون من جمعيتي لينيا دومبرا و سترادا سيكورا المشروبات الساخنة والطعام والملابس، وعند الحاجة يعالجون الجروح الجسدية الناجمة عن الرحلة. في الغالب تكون الجروح في الأقدام بسبب المشي لمسافات طويلة بأحذية غير ملائمة أو حتى بأقدام عارية. كما يتعرض الكثيرون لسرقة كل ما يملكون في مسار رحلتهم.

* * *

في ظل غياب شبه كامل للمؤسسات الحكومية، تقر أطباء بلا حدود بالالتزام الذي لا غنى عنه من قبل الناشطين ومجموعات المتطوعين والمجتمعات المحلية، الذين يعملون وحدهم غالباً، ويسعون لتأمين ظروف معيشة كريمة وتوفير المشورة والدعم للمهاجرين واللاجئين المرتحلين.

لكن المسؤولية بشكل أساسي تقع على عاتق الحكومة في اعتماد سياسات هجرة تضمن تقديم المساعدة والحماية، بدلاً من الإبعاد والمعاناة. إن ظروف الاستقبال غير الإنسانية والعنف والإساءة على أيدي الشرطة، وحالات الإبعاد المتكررة على المعابر الحدودية لا توقف الناس عن السعي لحياة كريمة، لكنها تتسبب في المعاناة وفي عواقب إنسانية كبرى. وفي كثير من الأحيان تخلق الظروف لطرق أكثر خطراً حتى.

إن منظمة أطباء بلا حدود تدعو السلطات الإيطالية لوضع حد لعمليات الإعادة المتكررة للمواطنين الأجانب المعتَرَضين على الحدود الإيطالية السلوفينية. إذ يُعاد المهاجرون واللاجئون إلى كرواتيا أولاً ثم إلى البوسنة، حيث يُتركون ليعانوا من ظروف معيشية مزرية وإساءة ممنهجة. إن منظمة أطباء بلا حدود تناشد السلطات الإيطالية لضمان أن تحافظ أفعال الشرطة على الحدود مع فرنسا، والتي تتم بشكل مشترك مع السلطات الفرنسية، على احترام كرامة الناس وسلامتهم وحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً، ومن ضمنهم عائلات ونساء وأطفال وقاصرون غير مصحوبين. كما تدعو أطباء بلا حدود السلطات الإيطالية أيضاً لضمان توفير ظروف استقبال ملائمة ومساعدات ووصول للرعاية الطبية في جميع المناطق الحدودية، مع إجراءات تأخذ في الحسبان جوانب الضعف الخاصة لدى هذه الفئة من الناس والوقت المحدود الذي يمضونه على التراب الإيطالي.