تمرير

لم نكن قادرات على تسلق السياج وكانت النيران تقترب منا

4 أبريل 2021
قصة
الدول ذات الصلة
بنغلاديش
شارك
طباعة:

"كنا مجموعةً قوامها حوالي عشر نساء وكان برفقة العديدات منا أطفال. كنا جميعاً نصرخ ونبكي. ولم نكن قادرات على تسلق السياج وكانت النيران تقترب منا. حاولنا أن نعبر فتحةً تحت مرحاضٍ مجاورٍ للسياج، إلا أنها لم تتسع سوى للأطفال الصغار. خطرت لي فكرة أن أمسك صندلي بيدي وأحاول إبعاد الأسلاك عن بعضها، وهكذا نجحنا أخيراً في الفرار". هذا ما قالته فاطمة1، وهي واحدةً من اللاجئين واللاجئات الذين اضطروا للفرار من ألسنة اللهب التي أتت على آلاف الملاجئ في كوكس بازار بتاريخ 22 مارس/آذار.

وجد الكثير من الناس أنفسهن عالقين بين ألسنة اللهب والسياج الذي يحيط بمعظم المخيمات فيما كانت النيران تقترب منهم. وأضافت فاطمة: "استطاع الرجال تسلق السياج وحاول بعضهم مساعدة قريباتهن، إلا أن معظمنا واجه وضعاً صعباً للغاية، ناهيك عن أن ملابسنا تمزقت بفعل الأسلاك الشائكة". كانت بعض النسوة قد فقدن أجزاء من ملابسهن بعد عبورهن، مما عرضهن لموقف مخجلٍ فيما كان بعض الرجال ينظرون إليهن.

فاطمة واحدةٌ من المتطوعات الروهينغا في عيادة بالوخالي التي دمرتها النيران بالكامل. وقالت فاطمة: "كنت في العيادة وكانت الساعة حوالي الثانية والنصف من بعد الظهر حين علمت بالحريق الذي كان لا يزال بعيداً. لكنني بدأت أشعر بالخوف فيما كان يقترب وغادرنا العيادة في نهاية المطاف بعد أن سمعنا صوت انفجار. سمعت الكثير من الأطفال يبكون وينادون على أمهاتهم".

وأضافت: "بدأت أبحث عن بعض أقربائي الذين يعيشون في المخيم التاسع [أحد أكثر المخيمات تضرراً بالحريق] ورأيت مسكنهم يحترق. كانت النيران قريبة جداً وقفزت في حفرة لمياه الصرف الصحي كي أنجو بنفسي".

كانت سلفة فاطمة التي تدعى بيغوم في بيتها برفقة أختها وحفيدها ابن السبعة أعوام حين اندلعت النيران. وقالت بيغوم: "كانت النيران بعيدة في بادئ الأمر ولم نكن خائفين جداً، لكننا شعرنا بخوف شديد فيما كانت تقترب منا وبدأ كلٌّ منّا يركض في اتجاه". نجحت بيغوم في عبور السياج متسللةً تحت الأسلاك الشائكة التي تسبب لها بجراحٍ طفيفة في كاحلها. التقت أخيراً بأقربائها في السوق بعد مرور 5 ساعات، لكن الملجأ الذي كان يؤويهم كان قد اختفى تماماً.

شهدت المخيمات ما لا يقل عن حريقين آخرين صغيرين خلال الأسابيع القليلة الماضية، إلا أن هذا الحريق أتى على مساحات كبيرة في عدة مخيمات. وأشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى وفاة ما لا يقل عن 11 شخصاً واحتراق حوالي 10,000 ملجأ (تؤوي 45,000 شخصاً). دمّر الحريق كذلك العديد من المرافق الصحية بما فيها عيادة بالوخالي التي تديرها أطباء بلا حدود وتقدم فيها مجموعة واسعة من الخدمات التي تغطي أكثر من 30,000 شخص. وقد ساعدت فرق أطباء بلا حدود عشرات المرضى الذين تعرضوا لحروقٍ أو إصاباتٍ نجم بعضها عن السياج، علماً أن الفريق العامل في العيادة سيستأنف توفير خدمات الرعاية الصحية هذا الأسبوع.

قالت بيغوم وقد كانت الصدمة باديةً بوضوح في عينيها: "لم نحصل الآن سوى على بضعة أعمدةٍ من الخيزران وبعض الأغطية البلاستيكية والسلال، لكننا نأمل أن نحصل على أشياء أخرى تمكننا من إعادة بناء ملجئنا".

بدأ بعض جيرانها يعودون شيئاً فشيئاً إلى المواقع التي كانت ملاجئهم قائمة عليها. إذ لا يسعهم تركها خاويةً لفترة طويلة كي لا يشغلها الغرباء. يقيم الكثير من اللاجئين مع أقربائهم في أجزاء أخرى من المخيم. وقد بدأت وكالات الأمم المتحدة وسلطات المخيم بتوزيع "مستلزمات الإيواء" (بعض أعمدة الخيزران وأقمشة المشمع والأغطية البلاستيكية) كي يتمكن من فقدوا ملاجئهم من تشييد أخرى مؤقتة. كما حصل بعض اللاجئين على خيام فيما بدأ بعضهم بتشييد مساكن مؤقتة، غير آن الآخرين لا يستطيعون دفع مبلغ 1,000 تاكا (حوالي 10 دولارات أمريكية) ثمناً لرزمةٍ من أعمدة الخيزران.

وفي هذا الإطار، قالت مديرة أطباء بلا حدود في بنغلاديش نتاليا تورنت: "تشهد الظروف المعيشية في المخيم تدهوراً تدريجياً منذ أكثر من سنة، وقد أظهر هذا الحريق الذي أتى على آلاف الملاجئ مدى هشاشة أوضاع اللاجئين. هذه الملاجئ البدائية حلٌّ مؤقت، لكنها لا تؤمن للناس عيشة كريمة ولا تمنحهم الأمان. ولا بد من أن تؤمن السلطات البنغلاديشية ووكالات الأمم المتحدة المسؤولة عن إدارة المخيمات ظروفاً معيشيةً أفضل وأكثر إنسانية للاجئين".

سيّد2 لاجئٌ آخر رأى ملجأه يحترق تماماً. كان يعيش ثمانية أشخاص في ذلك الملجأ وقد تشتتوا اليوم عند أقرباء لهم. وقال سيّد: "كنا محظوظين لأن السياج الواقع على مقربة من مسكننا كان يشهد أعمال إصلاح وكان يخلو في ذلك اليوم تحديداً من الأسلاك الشائكة، مما مكّننا من الخروج بسهولة عبر الفتحة. لكنه مغلق اليوم من جديد".

وأضاف سيد وهو يشرح كيف أدى الحريق إلى ضغوطات شديدة للغاية بين اللاجئين، لدرجة يصعب على الكثير من الناس تخيلها: "أعاد لي الحريق مشاعر الأسى التي أحسست بها حين اضطررنا إلى الفرار من بلدتنا. فقد كانت النيران تلاحقنا هناك وهذا ما حدث هنا أيضاً".