تمرير

لم يميز الانفجار بين ضحاياه ولا ينبغي التفرقة بينهم عند تقديم المساعدة

4 سبتمبر 2020
قصة
الدول ذات الصلة
لبنان
شارك
طباعة:

مقابلة مع منسق الطوارئ السابق في منظّمة أطباء بلا حدود في بيروت ومدير قسم التحليل في منظّمة أطباء بلا حدود جوناثان ويتال.

ماذا رأيت في بيروت منذ انفجار المرفأ؟

يتلقى لبنان ضربة بعد ضربة بسبب الأزمات المتتالية. كشف الانفجار في بيروت عن احتياجات وأوجه ضعف كانت غير ظاهرة حتى الآن. ويمكن الآن رؤية آثار الدمار للبنية التحتية في شوارع المدينة والاحتياجات التي ظهرت مؤخرًا عند السكان الذين تعرضوا لصدمات متعددة.

شَهد الأشخاص الذين دُمِرَت منازلهم انهيارًا اقتصادي أشهر قليلة قبل الانفجار، مما دفع بالعديد منهم إلى العيش في الفقر. ولجأ البعض إلى لبنان هروبًا من الحرب في السنوات الماضية؛ وعاش معظمهم في حالة عدم استقرار سياسي خلال الاحتجاجات التي حصلت العام الماضي. ومثل بقية العالم، شهد لبنان أيضًا وباءً وضع البلد تحت ضغوط هائلة.

شكّل هذا الانفجار أزمة ليس على أحد استيعابها. بالنسبة للبنان كان هذا الانفجار بمثابة أزمة تضاف إلى الأزمات الأخرى؛ وتركت هذه الأزمة الناس غاضبين ومتعبين ".

هل يمكنك وصف الاستجابة الإنسانية حتى الآن؟

"في الأسابيع الأولى بعد الانفجار، استجابت منظّمات المجتمع المدني اللّبنانية والحركات الاجتماعية وأفراد المجتمع والمتطوعون بشكل أساسي لاحتياجات الناس الطارئة.

عقب الانفجار، نقل الناس الجرحى بسياراتهم إلى المستشفى. وفتح الناس منازلهم لاستضافة الأشخاص الذين أصبحوا بلا مأوى. وفي جميع أنحاء المناطق المتضررة، حشد الناس قواهم لتوفير الغذاء والمياه النظيفة والمواد الأساسية والرعاية الصّحية الطارئة. ونظّف المتطوعون الشوارع وساعدوا الجرحى.

في الساعات التي تلت الانفجار، تدفق آلاف الجرحى إلى المستشفيات في بيروت في وقت كانت المستشفيات منهكة أصلًا. ومع تدهور الوضع الاقتصادي، لم يعد بإمكان العديد من اللبنانيين تكبد تكاليف الرعاية الصّحية الخاصة؛ فلجؤوا إلى نظام الصّحة العامة. بالإضافة إلى ذلك ، تعرضت العديد من المستشفيات العامة لضغوط بسبب كوفيد-19.

لكن على الرغم من التحديات الخطيرة التي يواجهها نظام الرعاية الصّحية في لبنان، فقد استجاب عاملون صحيون متفانون للجرحى وعالجوهم، بينما كانت بعض المستشفيات حيث يعملون قد دُمِرَت أو تضررت بسبب الانفجار.

تمت الإشادة بالمجتمعات المتضررة في بيروت وبالأشخاص الذين استجابوا لهذه الأزمات المتعددة على "صمودهم". لكن ما حدث في لبنان هو سلسلة أزمات من صنع الإنسان لا ينبغي أن نتوقع باستمرار تعافي الناس منها. ينبغي على الدول أن تحمي الشعب، لا أن تولد الحاجة إلى صمود لا نهاية له.

بعد وقوع كارثة، تُعَّد لملمة الجروح مسألة بقاء. لكن التصفيق لمأساة العيش في صراع دائم للبقاء على قيد الحياة يمكن أن يجعل من دورة غير مقبولة، لما وصفه لي البعض بأنه شكل من أشكال "الإساءة التي تقرها الدولة"، نمط حياة طبيعي. أخبرني العديد من العاملين في الاستجابة لهذه الأزمة الأخيرة أنهم لا يريدون الإشادة لكونهم صامدين؛ إنهم ببساطة لا يريدون أن يضطروا إلى لملمة الجراح مرّة أخرى ".

أين يقع دور منظّمة أطباء بلا حدود من هذه الاستجابة؟

" تقتضي استجابة أطباء بلا حدود للطوارئ بالعمل جنبًا إلى جنب مع المبادرات المجتمعية ودعم الاستجابات الحالية.

سرعان ما أدركنا أنه ليس فقط الجرحى هم من يحتاجون إلى المساعدة، بل المرضى الذين يتناولون أدوية لعلاج الأمراض المزمنة يحتاجونها أيضًا. ففقد الكثير منهم أدويتهم أو نفدوا منها، ولا يمكنهم شراء غيرها أو لم يعد بإمكانهم الوصول إلى المرافق الصّحية التي تضررت أو دمرت. كما أدّى انفجار المرفأ إلى تفاقم الصدمات النفسية واحتياجات الصّحة النفسية.

منذ بداية أنشطتنا، تم توفير العناية بالجروح لـ737 مريض. وزار 2360 مريض يعانون من أمراض مزمنة نقاطنا الثابتة أو قامت فرق الرعاية المنزلية التابعة لمنظّمة أطباء بلا حدود بزيارتهم في المنازل. تم تزويد 1645 مريض بأدوية الأمراض المزمنة كتدبير مؤقت. ويعمل الاختصاصيون النفسيون في منظّمة أطباء بلا حدود في كل نقطة من نقاطنا الطّبية ويقومون بالزيارات المنزلية، ويعمل العامل الاجتماعي التابع للمنظّمة بربط المرضى بمبادرات مساعدة أخرى لتلبية احتياجاتهم الأخرى.

وتَمَثَّل جزء مهم آخر من استجابتنا بإعطاء المبادرات المجتمعية الوسائل اللازمة لتلبية احتياجات الأشخاص الذين يحتاجون إلى الدعم. فعلى سبيل المثال، نواصل تقديم إمدادات مواد الإغاثة الأساسية إلى إغنى لغنى، وهي منظّمة يديرها العمال المهاجرون والتي تدعم العمال المهاجرين الذين تأثروا بشكل خاص بالأزمة الاقتصادية والانفجار. وفي مبادرة أخرى، تدعم المنظّمة مطبخ مجتمعي يسمى بمطبخ البلد. عندما قام متطوعون من المطبخ المجتمعي بتوزيع الوجبات الساخنة، حددوا الأسر التي تحتاج إلى مساعدة إضافية. وزوّدت المنظّمة المتطوعين بأدوات المطبخ التي يمكن التبرع بها لمن هم في حاجة ماسة إليها.

وبمبادرة أخرى، سنعمل جنبًا إلى جنب مع المبادرات المجتمعية من خلال توفير التدريب على الوقاية من العدوى ومكافحتها للمتطوعين الذين يعملون في الخطوط الأمامية لهذه الاستجابة. نظرًا بأن هذه الاستجابة الإنسانية تركّز على تقديم الدعم للفئات الأكثر حاجةً، فترى منظّمة أطباء بلا حدود أن لديها واجب إضافي لتقليل من تعرّض الأشخاص لكوفيد-19 عندما يتلقون أشكالًا أخرى من المساعدة.

ما هي الثغرات التي تراها المنظّمة؟

" يستغرق تجهيز نظام المساعدة التقليدي بالكامل وقتًا طويلًا من أجل هذه الاستجابة. لقد رأينا الكثير من التقييمات التي أجريت، لكن هذا لا يُترجم دائمًا إلى إتخاذ إجراءات فورية في الميدان. ونسمع من الكثير من الأشخاص أنهم سئموا من قدوم فرق التقييم لاستطلاع احتياجاتهم ثم المغادرة. في منظّمة أطباء بلا حدود، حاولنا تجنب ذلك من خلال توفير أدوات النظافة مع تحديد المرضى الذين يحتاجون إلى أدوية الأمراض المزمنة. ومن خلال ذلك، نتجنب طرح الأسئلة دون اتخاذ أي إجراء فعلي. لكن يُعتبر عملنا جزءًا صغيرًا من جهود الإغاثة وإعادة الإعمار الشاملة المطلوبة ويجب أن تتدخل منظّمات أخرى لأن الاستجابات الأولية أتت من المجتمع الذي يتعرض بدوره لضغوط.

تُقدم المساعدات الإنسانية في لبنان عادةً على أساس الجنسية أو الوضع القانوني للمريض، ما يعني أنه يتم تقديم بعض المساعدات للاجئين السوريين والفلسطينيين، بينما تركّز مبادرات أخرى على اللبنانيين الأكثر حاجة. ويشكّل أحيانًا هذا النهج لإيصال المساعدات عائقًا أمام تقديم المساعدة على أساس الاحتياجات الحقيقية في سياق الأزمات المتزامنة المتعددة. ففي الوضع الحالي، من المستحيل الفصل بين سبب معاناة الناس - أزمة اقتصادية ، أو كوفيد-19، أو حرب في البلدان المجاورة، أو انفجار المرفأ- ولا يمكن تقسيم الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة بناءً على ما إذا ما كانوا لاجئون أو مهاجرون أو لبنانيون.

لقد رأينا وسمعنا عن أشخاص لم يحصلون على المساعدة لأنهم مهاجرون أو لاجئون. لم يميّز الانفجار بين ضحاياه ولا ينبغي التفرقة بينهم عند تقديم المساعدة. لا ينبغي أن نسمح بتعزيز هذه التفرقة بين متلقي المساعدات من خلال الطريقة التي من خلالها فصلت وكالات الإغاثة استجاباتها الإنسانية بين المجتمعات المختلفة في السنوات العشر الماضية. هناك حاجة إلى استجابة إنسانية تأخذ في الاعتبار الاحتياجات الإجمالية التي تسببها الأزمات المتزامنة وتكون حساسة لمواطن ضعف محددة، من أجل ضمان حصول كل من يحتاج إلى المساعدة عليها.

كيف ترى دور منظمة أطباء بلا حدود في حالات طوارئ مماثلة؟

"منظّمة أطباء بلا حدود هي منظّمة إنسانية طبية تستجيب للطوارئ، ولدينا دور نلعبه في هذه الأيام الأولى بعد الأزمة للاستجابة للاحتياجات الإنسانية الطبية الفورية. وفي بيروت نرى أن دورنا يتمثل في العمل جنبًا إلى جنب مع المبادرات المجتمعية وفي سد فجوة الوقت بين يوم الأزمة لحين وصول منظّمات الإغاثة الأخرى.

بدأت منظّمة أطباء بلا حدود العمل في لبنان عام 1976 في أول استجابة للمنظمة في منطقة نزاع مسلح منذ إنشائها. لدينا فرق محفزة ومتفانية وذات مهارات عالية اجتمعت من مختلف مشاريع منظّمة أطباء بلا حدود في البلاد لإدارة هذه الاستجابة الطارئة. بينما كانت منظّمة أطباء بلا حدود تضع مشروع الطوارئ الكامل، رأينا موظفين من جميع المشاريع في المنظّمة في لبنان يحشدون ويتطوعون للمساعدة في إزالة الأنقاض من الشوارع في الأيام التي تلت الانفجار.

تُعتبر استجابتنا صغيرة مقارنة بجهود المجتمع الجماعية، واتبعنا نهجًا لسد الفجوات، وسببه المرونة التي يتيحها لنا التمويل المستقل. سنستمر في لعب دورنا كجهة فاعلة إنسانية في حالات الطوارئ إلى جانب برامجنا الطويلة المدى التي تستجيب للاحتياجات الدائمة. لكن مع تفاقم الوضع في لبنان، نحتاج إلى رؤية نظام مساعدة يستجيب للاحتياجات الإجمالية التي تسببها الأزمات المتعددة بدلاً من المعاناة الناجمة عن هذه الكارثة الأخيرة ".