تمرير

هل سبق أن سمعتم بمرض السكّري؟

11 مايو 2017
آخر
شارك
طباعة:

بقلم الدكتور روجي مصري*

لا شكّ في أنّنا سمعنا جميعاً بمرض "السكري"، لاسيما أن منظمة الصّحة العالمية كانت قد أعلنت في العام 2014 أن 9% من الأشخاص ما فوق الـ 18 سنة سيصابون بهذا المرض.

هذا يعني أن قرابة شخص واحد من بين كل 10 أشخاص نعرفهم مصاب بهذا المرض. ربما أنت، أو أحد أفراد عائلتك أو أحد جيرانك. لكن من المؤكّد أن كل منّا عايش مصاباً بمرض السّكري. بالمقابل، لم نسمع جميعنا أن مرض السكري سيكون السبب المباشر لوفاة أكثر من مليون ونصف المليون شخص هذا العام، وأن 80% من هذه الوفيات ستقع في البلدان المنخفضة إلى المتوسطة الدخل كلبنان. ولا ندرك جميعنا أنه يمكن تفادي معظم هذه الوفيات.

يشكّل مرض السكّري صراعاً يوميّاً للمصابين به بحيث يترتّب عليهم القيام ببعض الأمور التي تعجز البنكرياس في جسدهم عن القيام بها، حتى ولو لم يرغبوا بذلك. فعلى سبيل المثال، يترتّب على مريض السكري أن يتناول الأدوية عدة مرات في اليوم، وأحياناً، عليه قياس مستوى السكر في الدم 4 أو 5 مرات في اليوم الواحد، كما يجب عليه حقن نفسه بإبرة تحتوي على الأنسولين الضروري لإنقاذ حياته. هل يمكنكم تخيّل ما معنى أن يقوم المريض بكل ذلك يومياً؟

الآن، تخيّلوا بأنه ليس أمامكم أي خيار آخر. تخيّلوا لو انقلبت حياتكم رأساً على عقب، وفجأة، أصبح الحصول على هذه الأدوية شبه مستحيل. عندها كيف ستتمكنون من السّيطرة على مرض السكري؟ ماذا ستفعلون لتفادي فقدان أحد أطرافكم بسبب الغرغرينا، أو لتفادي إصابتكم بذبحة قلبية أو فشل كلوي أو أيٍّ من مضاعفات هذا المرض في حال لم يتم السيطرة عليه؟

بالنسبة إلى العديد من الأشخاص تعتبر حتّى الحاجات الطبيَة الأساسيّة حلماً بعيداً وصعب المنال. فاللاجئون السوريون الذين غادروا بيوتهم منذ سنوات، يصعب عليهم اليوم الحصول على هذه الأدوية، وبالتالي يعانون من التداعيات المروّعة لهذا المرض بعد أن فقدوا وسائل السيطرة عليه. إن أولويات اللاجئين هي تأمين الغذاء والمأوى والأمان وحماية عائلاتهم، وهذه الهواجس تجعل من الاهتمام بصحّتهم همّاً ثانويّاً، فيجد مرض السكري السبيل إلى هذه الأجساد المجهدة والنفوس المتعبة. حتّى أن اللاجئين الذين يدركون حاجتهم إلى المساعدة، يخاف بعضهم من عبور الحواجز للوصول إلى المركز الصحي وطلب الدّواء، وهذا ما يجعل حصولهم على الرعاية الطبيّة أمراً شبه مستحيل.

من خلال عملنا الميداني مع منظمة أطباء بلا حدود، نشهد تدفقاً كبيراً للاجئين الذين يحضرون إلى عياداتنا يائسين، بحثاً عن المساعدة، وتعاني نسبة كبيرة منهم من الآثار المدمّرة لمرض السكري بعد أن أُهمل علاجه. وفي لبنان قامت منظمة أطباء بلا حدود بـما يفوق الـ 62,000 استشارة طبية للأمراض المزمنة في العام 2015 وقرابة نصف هؤلاء المرضى مصابون بمرض السكري. لقد قدّمت المنظمة لهم الأدوية وجلسات الإرشاد الصحي الفردية وجلسات التوعية الصحية العامّة بغية تشجيعهم على اتباع نظام غذائي متوازن وممارسة الرياضة والإقلاع عن التدخين، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف حياتهم الصعبة وإمكانيات كل مريض، لأننا في أطباء بلا حدود ندرك أنه عندما تقع الواقعة، لا يمكن العودة إلى الوراء للأسف، وأنه كلّما ازدادت معرفة المرضى بمرضهم كلّما تمكّنوا من التحصّن والوقاية منه. بالإضافة إلى ذلك توفّر عيادات أطباء بلا حدود الأنسولين والإبر مجاناً لجميع المصابين بالمرض، وتُجري لهم الفحوصات الدوريّة للتأكد من أن الحالة تحت السيطرة وذلك تفادياً لأي مضاعفات ودعماً للمرضى الذين تبقى صحّتهم همّاً من بين كثير من الهموم.

بمناسبة يوم الصحّة العالمي، وكما فعلنا نحن، ندعوكم إلى التحدّث مع عائلاتكم حول مرض السكري، عن أساليب الوقاية منه وتدابير السيطرة عليه... فذلك قد يغيّر حياتهم.

*الدكتور روجي مصري، طبيب متخصص في الأمراض المزمنة لدى منظمة أطباء بلا حدود، يعمل في مشروع المنظمة في شمال لبنان.