تمرير

إثيوبيا: المجتمعات الرعوية تتعرض لأسوأ حالة قحط منذ 30 عاماً

14 مايو 2017
آخر
شارك
طباعة:

يقيم فريق الدعم الخارجي عيادته تحت إحدى الأشجار، حيث تأتي العائلات المحلية الرعوية لفحص أولادها المصابين بسوء التغذية وتلقيحهم ضد الحصبة.

تظهر آثار القحط بوضوح على منطقة سيتي الإثيوبية ومجتمعاتها الرعوية التي تعتمد على قطعان الماشية والتي تتحمل العبء الأكبر من القحط. وتعمل منظمة أطباء بلا حدود في المنطقة منذ أواخر عام 2015، وهي تقدم الرعاية الصحية للأمهات، وتدير برامج تغذية علاجية للأطفال المصابين بسوء التغذية في المنطقة.

عانت منطقة سيتي من شحّ الأمطار في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، وقد تحولت أرضها إلى منطقة جرداء بالكاد ينمو فيها ما يغذي قطعان الماشية التي تعتبر ركيزة حياة السكان التي هي أقرب للبداوة في هذه المنطقة. وإن لم تهطل الأمطار قريباً، فإن نمط الحياة الدائم هذا في شرق إثيوبيا سيزول بكل تأكيد.

وقد شهدت الأشهر القليلة الأخيرة نزوح العديد من هذه المجتمعات شبه البدوية إلى قرية أسبولي الصغيرة بحثاً عن الدعم. وتدير منظمة أطباء بلا حدود تحت إشراف وزارة الصحة الإثيوبية عيادة للعلاج الغذائي، وهي تستقبل الحالات الأكثر حرجاً من الأطفال المصابين بسوء التغذية، بينما تتولى منظماتٌ إنسانية أخرى مهمة تأمين المياه وتوزيع الطعام.

تعتبر هذه العيادة القاعدة المركزية التي تنطلق منها فرق أطباء بلا حدود وتقدم خدماتها في مختلف المستوطنات، حيث تقوم بفحص الأطفال المصابين بسوء التغذية وتلقحهم ضد أمراض كالحصبة، والتهاب الكبد الفيروسي "B" وشلل الأطفال.

تشرح فردوسا جيغري، قائدة إحدى فرق الدعم الخارجي في المنظمة الوضع قائلة: "نعالج يومياً عدداً يتراوح بين 90 و200 طفل، وعندما نرى طفلاً مصاباً بسوء التغذية نعرف أن العائلة بأكملها تعاني من الجوع، ولكننا لا نستطيع مساعدة سوى الأكثر حاجة بينهم، ولهذا فإن الوضع في سيتي سيءٌ للغاية".

وتضيف: "تعيش المجتمعات المستقرة وضعاً أفضل بقليل من المجتمعات البدوية في هذه الأزمة بشكل عام، وهي تشهد مستويات أقل من سوء التغذية، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى تلقيها إمدادت المياه والإعانات الغذائية".

يعيش الرعويون في أكثر المناطق نأياً في البلاد، لأنهم يرتحلون باستمرار بحثاً عن المياه للحفاظ على ما بقي من ماشيتهم، وهذا ما يصعب مهمة الحكومة أو أي منظمة إغاثية في تحديد مكانهم وتقديم الدعم لهم.

ولكن سيأتي الوقت الذي تضطر فيه هذه المجموعات الرعوية لاتخاذ الخيار الحتمي، إما بالبقاء مع قطعانهم المتهالكة، أو التخلي عن حياة الترحال والاستقرار في مناطق مأهولة يستطيعون فيها تلقي الدعم.

فرح أتيو أبٌ لأربعة أطفال، وقد اضطر لاتخاذ هذه الخيار الصعب وقطع مسافة 100 كيلومتر مع عائلته ليصل إلى عيادة أطباء بلا حدود في اسبولي.

عندما وصلت العائلة بعد رحلة مضنية استمرت ثلاثة أيام، كانت الطفلة الأصغر هاوا في وضع سيء دفع الفريق إلى إدخالها مركز التغذية العلاجية التابع للمنظمة، حيث قام الأطباء على الفور بتشخيص إصابتها بسوء التغذية الشديد ومشاكل خطيرة في الجهاز التنفسي دفعتهم لوضعها على جهاز التنفس لعدة أيام.

ما تزال هاوا بعيدة عن التعافي الكلي، ولكن حالتها تحسنت منذ إدخالها مركز العلاج التابع للمنظمة قبل أسبوعين، فمزيج الرعاية الطبية المركزة والإمدادت الغذائية المليئة بالطاقة أحدثا الفرق في حياة هاوا وهي الآن تمرح وتلعب مع والدها.

ولكن فرح يصر على أنه لن يعود إلى منزله القديم في قيندر ويقول: "أشكر الله ومن بعده منظمة أطباء بلا حدود على ما قدموه لي، ولكنني لم أعد أملك الماشية والأمطار لا تهطل بشكل منتظم، فلماذا أعيد عائلتي إلى حياة البؤس تلك؟ لم يبق لنا أي شيء هناك".

يعبر موقف فرح عن معظم العائلات التي استوطنت في اسبولي، فبينما تعتني النساء بالأطفال، يجد القليل من الرجال فرصة عمل لأن الرعي هو كل ما يجيدونه ولا يعرفون أبداً ما الذي سيفعلونه في المستقبل.

ولكن هذا المكان المعزول يحمل بارقة أملٍ تدعو للتفاؤل، فبرامج التعذية والتلقيح التي تديرها المنظمة في المنطقة تحقق نجاحاً ملحوظاً، حيث انخفضت مستويات سوء التغذية في منطقة هاريسو بشكل هائل خلال بضعة أشهر.

كما شهدت أسبولي انخفاضاً كبيراً في عدد حالات الحصبة، فهذا المرض الفيروسي الشديد العدوى قد يودي بحياة الأطفال الصغار، وهو ينتشر كالنار في الهشيم في التجمعات القريبة كالمخيمات. ولذلك أطلقت منظمة أطباء بلا حدود برنامج تلقيح مكثّف لكل الأطفال في المنطقة، ومع بداية مارس/آذار انخفض عدد الحالات وأصبح جناح الحصبة في مرفق أطباء بلا حدود خالياً من المرضى.

حظيت منظمة أطباء بلا حدود بترحيب المجتمعات المجاورة، ومع ذلك، ليس من السهل إقناع بعض الأمهات بقبول العلاج الموصوف لسوء التغذية وبالأخص مع قلة الطعام، وتقول فردوسا عن هذا الموضوع: " تضطر الأمهات نتيجة قلة الطعام إلى إطعام بقية أفراد العائلة من الغذاء العلاجي الموصوف لطفلها المريض، كما أن أغلب الناس لا يستوعبون فكرة أن الطفل سيموت إذا لم يحصل على التغذية الضرورية".

وتضيف: "ولكننا ننجح أحياناً بالتواصل مع بعض الأمهات، حيث أشعر كامرأة محلية تتحدث بلغتهن أنهن يركّزن على ما أقوله، ويأخذن الوقت الكافي للتفكير فيه. يعتبر عامل الزمن النقطة الأكثر تحدياً لكل أفراد الفريق، فاستمرار القحط يعني توافد المزيد من الناس ولا أعرف إن كنّا قادرين على الاستجابة لكلّ احتياجاتهم".