تمرير

مقال رأي: معارك العراق ينبغي ألاّ تحجب الاحتياجات الإنسانية

14 مايو 2017
آخر
شارك
طباعة:

فيما تصارع القوات العراقية لاستعادة الفلّوجة الواقعة في محافظة الأنبار الشرقية من تنظيم الدولة الإسلامية، تزداد الاحتياجات الإنسانية في شكل هائل في هذه المنطقة الساخنة وغيرها من المناطق العراقية. كما تتّخذ الحملات العسكرية الكبيرة وعوامل سياسية أخرى حيّزاً أكبر من الأهمية مقارنة بالاحتياجات الإنسانية الملحّة لملايين الأشخاص.

ففي الفلّوجة مثلاً، يبقى قرابة 50,000 شخص عالقين داخل المدينة وفق بعض التقارير التي تقول بأنهم يعانون من نقص حادّ في المواد الغذائية والمياه والإمدادات الطبية. فهناك من يترك ممتلكاته ويمضي في رحلة محفوفة بالأخطار تحت نيران القنّاصة، وهناك من يلجأ إلى وسائل بدائية لعبور نهر الفرات هرباً من العنف.

وقد تستمرّ هذه الرحلات المحفوفة بالأخطار أيّاماً عدّة تفادياً للمناطق التي تدور فيها المعارك حول ضواحي المدينة. تقارير أخرى أفادت بأن هناك العديد من الناس لقوا حتفهم بعد تعرضهم لإطلاق النار عندما حاولوا الوصول إلى مناطق آمنة. أما الذين ينجحون في الوصول إلى المناطق الآمنة، فيستقرون في مخيّمات للنازحين وفي خيم موقتة.

للأسف باتت هذه المشاهد طبيعية جداً في العراق خلال العامين الماضيين، وتداعيات العنف على السكّان مؤلمة جداً. وإضافة إلى ذلك، أدت النزاعات المتتالية وعدم الاستقرار السياسي الداخلي والأزمة الاقتصادية الحادّة التي دمّرت البنية التحتية الهشّة وما تبقى من خدمات، إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد في شكل كبير، فيما زادت الحرب التي تدور في سورية المجاورة حدة الأزمة الإنسانية التي يعيشها العراق.

تعمل منظّمة أطبّاء بلا حدود في 11 محافظة عراقية عبر تقديم الرعاية الطبّية الأساسية والدعم النفسي، كما تجهز نفسها للاستجابة لحالات طوارئ قد تطرأ بخاصّة لدى السكان الذين يعانون أوضاعاً صعبة جداً في المناطق التي يكون فيها الوضع الأمني مضطرباً نتيجة قربها من خطوط الجبهات.

هذا وتسبب استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الموصل في حزيران (يونيو) 2014، وهي ثاني أكبر مدينة في العراق، إضافة إلى مدينة تكريت، في نزوح وهروب أكثر من مليون شخص.

وبعد مرور عامين بالضبط، يبقى قرابة 3.2 مليون عراقي نازحين، مما يزيد الضغط على الجماعات والعائلات المستضيفة التي تعاني هي الأخرى اوضاعاً اجتماعية مزرية.

في شكل عام، يُعدّ 8 ملايين عراقي بحاجة ماسّة للمساعدة الإنسانية. والأرجح أن ترتفع هذه الأرقام بسبب غياب أي حل للنزاع المسلح في الأفق. هذا وأدت الحملات العسكرية الدائرة في أجزاء عدّة من البلاد إلى تدمير المرافق الصحية العامة، ما جعل الوصول إلى الخدمات تحدياً كبيراً للجماعات المستضيفة والنازحين سواء بسواء. فالواضح أن جروح هذا النزاع تؤثّر في شكل حتمي وتدريجي على المجتمع العراقي بأكمله. فحجم المعاناة الإنسانية كبير.

والمؤسف جداً أن يتم تجاهل الأزمة الإنسانية في العراق في شكل كبير فيما تسود الأهداف السياسية وتستمر العمليات العسكرية بأقصى طاقتها. وتعدّ المساعدة الإنسانية المقدّمة حتى الآن غير كافية مقارنة بحجم الاحتياجات الهائل على الأرض. ففي مناطق عدة دمّرت الحرب البنى التحتية الأساسية والمرافق الطبية في شكل كبير، وباتت المياه الصالحة للشرب غير متوافرة في شكل كافٍ والظروف الصحية سيئة جداً. كل هذا يضع البلاد أمام خطر محدق لتفشي الأوبئة كالكوليرا، والتي سبق أن تفشّت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 نتيجة الظروف الصحّية المزرية ونظام المياه والصرف الصحي غير الملائم.

ويعتبر اختلال التوازن بين الأرقام المستثمرة لاستكمال العمليات العسكرية والمبالغ المخصّصة للمساعدة الإنسانية أمراً مخيفاً. كما يبدو أن الجهود تبذل فقط على المعارك وعلى الحاجة إلى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، ممّا يجسّد فشلاً في الاكتراث بتقديم المساعدة الإنسانية في شكل ملائم للسكّان العراقيين وتخفيف معاناتهم وبالتالي بناء مجتمع موحّد. على العكس نلاحظ تكوّن عراق تزداد فيه الانقسامات.

ولا بدّ من وضع الاستجابة لحالة الطوارئ الإنسانية في العراق في سلّم الأولويات. فثمة عوائق تعترض طريق المحتاجين للوصول إلى الخدمات. وقد شُتّتت آلاف العائلات النازحة في جميع أرجاء البلاد بالقرب من خطوط الجبهات وفي مخيّمات غير منظّمة، وهي تضطر إلى عبور الحواجز أو الخضوع للتفتيش الأمني قبل التمكن من الحصول على المساعدات الإنسانية التي هي في أمسّ الحاجة إليها.

يشكّل ذلك رادعاً كبيراً يحول دون حصول السكان على الرعاية: فالنساء الحوامل يخشين الذهاب إلى مركز الرعاية الصحية الأولية لزيارة الطبيب في إطار رعاية ما قبل الولادة أو الذهاب إلى مستشفى للولادة، والأشخاص الذين يعانون الأمراض المزمنة يفضّلون عدم الذهاب إلى مراكز الصحة للحصول على أدويتهم التي يتناولونها شهرياً.

لا بدّ من تقديم المساعدة الإنسانية الطارئة في شكل حاسم ومتناسب مع نطاق العمليات العسكرية. فالفاعلون الإنسانيون باتوا غير قادرين على تغطية الاحتياجات المتزايدة والناجمة عن الحملات العسكرية الدائرة. فالموارد والوسائل المتوافرة حالياً غير كافية.

وفيما يتم اليوم تصويب الجهود الإنسانية باتجاه تغطية الحاجات الأكثر حدّة للعائلات التي نزحت من الفلّوجة، ينبغي أيضاً في الوقت نفسه ضمان استمرار إيصال المساعدات الإنسانية الأساسية في شكل كافٍ إلى الملايين من المحتاجين، الذين هم أيضاً في وضع سيء، و إلى بقية مناطق البلاد.

* رئيس بعثة منظّمة أطبّاء بلا حدود في العراق