تمرير

اليمن: رصاصٌ.. وقنابل وألغام

14 مايو 2017
آخر
شارك
طباعة:

"كانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها جراحاً ناجمةً عن أعيرة نارية وقنابل وألغام، وكانت في أغلبها جراحاً مريعة". هذا ما قاله هيلموت شونغين وهو طبيب تخدير عاد مؤخراً من عمله مع منظمة أطباء بلا حدود في مدينة عدن اليمنية.

وأضاف هيلموت: "عالجنا العديد من الجرحى من الرجال والنساء والأطفال المصابين بأعيرة نارية في رؤوسهم وصدروهم وبطونهم وأطرافهم. أما الجروح الناجمة عن القنابل فقد كانت سيئة لأنها غالباً ما تؤدي إلى حروق في الوجه".

وتابع قائلاً: "لكن أسوأها كانت إصابات الألغام التي تمزق ببساطة الأطراف".

بدأت منظمة أطباء بلا حدود العمل في اليمن عام 1986 حين واجه اليمنيون صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية في ظل ارتفاع مستويات الفقر والبطالة مصحوبةً بغياب الأمن المستمر.

لكن ومنذ اندلاع العنف في مارس/آذار 2015 تعرضت العديد من المرافق الصحية في البلاد للأضرار والدمار، فيما فرت الطواقم الطبية، أما النقل فقد أضحى مشكلة حقيقية نظراً لغلاء أسعار الوقود وغياب الأمن على الطرقات. وقد عملت المنظمة على توفير الدعم العاجل لمستشفيات محلية من خلال وزارة الصحة ويعمل مع أطباء بلا حدود اليوم 2020 موظفاً في اليمن.

تدير فرق أطباء بلا حدود في عدن مركزاً مستقلاً لجراحة الطوارئ تلقى في الفترة بين مارس/آذار 2015 ومارس/آذار 2016 أكثر من 8,000 جريح.

لكن تغير جبهات القتال وتنقلها وغياب الاستقرار السياسي ونقص المرافق الطبية العاملة وقلة سيارات الإسعاف كلها أسباب تجعل من إمكانية الحصول على الرعاية الطبية الطارئة أمراً مستحيلاً عملياً أمام الكثير من الناس العالقين في ظل هذا النزاع.

وقال هيلموت: "نرى أحياناً مرضى وقد قطعوا مسافات طويلة للوصول إلينا. فبعد إصابتهم تجدهم يسافرون لساعات وهم يعانون من الألم. وحالما يصلون إلينا لا يسعنا في الغالب سوى أن نبتر أطرافهم. يمكنك أن تقول أنهم من المحظوظين لأنهم تمكنوا من الوصول إلى المستشفى". صحيحٌ أن حياتهم أُنقذت لكن جروحهم تؤدي إلى تعقيدات أخرى.

وأضاف هيلموت: "خلال جولاتنا في الأجنحة كنا نرى بأن بتر الأطراف السفلية يتسبب في الغالب بمشاكل كبيرة تتعلق بالصحة النفسية والتأقلم ومتابعة الحياة".

"...كانوا من المحظوظين لأنهم تمكنوا من الوصول إلى المستشفى"

كانت عدن ثاني مهمة يقوم بها هيلموت مع أطباء بلا حدود، فقد عمل قبلها في جاهون في نيجيريا عام 2015 ضمن مشروع جراحي أيضاً لكنه مختلف كل الاختلاف عما رآه في اليمن.

وإزاء هذا قال هيلموت: "كانا مشروعين مخلفين كثيراً عن بعضهما. كلاهما كانا في مستشفيين لكن مشروع عدن أضحى مركزاً للإصابات البليغة الحادة حين اندلع النزاع العام الماضي. أما في جاهون فكنا نعمل ضمن قسم تابع لأحد مستشفيات وزارة الصحة كان قد ’أعطي‘ لمنظمة أطباء بلا حدود. وهناك كان يقتصر عملنا تقريباً على علاج مريضات النسائية وحديثي الولادة، إذ كان مشروع جاهون يهدف إلى الحد من وفيات الحوامل والأمهات وحديثي الولادة والعناية كذلك ببعض حالات الطوارئ التوليدية. كنا مشغولين جداً لأننا كنا نستقبل يومياً 10 أو 20 مريضة أو حتى أكثر.. بعضهن يحتضرن ويعانين من تشنجات ونزف أو أنهن في ولادة عسيرة منذ أيام. كان تدفق المرضى مستمراً في جاهون على خلاف عدن حيث كان المرضى يأتون على دفعات. حيث كان يمر يوم أو يومان من الهدوء الذي يدفعنا للتفكير بأن القتال قد توقف أخيراً. لكن لا، حيث تردنا في اليوم التالي موجة جديدة من المرضى حيث يتكرر هذا المشهد المرة تلو الأخرى".

وكانت حوادث الإصابات الجماعية في عدن تستدعي بالفرق الطبية إلى فرز المرضى إلى أربع فئات تصنف بالألوان: الأسود لأولئك الذين لا يمكن إنقاذهم، والأحمر لأولئك الذي هم في حاجة إلى عمليات جراحية طارئة أو علاج طارئ، والأصفر لأولئك الذي يمكن أن يتأخر علاجهم لما يصل إلى 12 ساعة، والأخضر لأولئك القادرين على السير، وهو ما يعني إصابات طفيفة.

لم يكن هناك يوم اعتيادي في العمل، كما قال هيلموت: "كانت هناك مهام روتينية لكنني كنت على علم بأنني قد أستدعى من قبل الأطباء والممرضين المحليين في أي ساعة، ليلاً نهاراً... وكان هذا يتكرر كثيراً".

"لن تغير العالم لكن يمكنك أن تحدث فرقاً كبيراً في حياة ذلك المريض الذي تعالجه"

تعد مهمات الجراحين وأطباء التخدير مع منظمة أطباء بلا حدود قصيرة ولا تتعدى الستة أسابيع عادةً. وإزاء هذا يشرح هيلموت معللاً: "العمل في الميدان مرهق، فأنت يقظ على مدار الساعة عملياً، وهذا أمر مقبول إن كان لمدة قصيرة، لكن يصبح من الصعب الحفاظ على المستوى ذاته لمدة طويلة".

وأضاف: "تذكرني هذه التجارب كم أننا في حال جيدة ويمكننا الحصول على رعاية طبية جيدة لدرجة لا يمكن تصورها. إنه لأمر مخجل".

كل مكان يتفرد عن الآخر، كما قال هيلموت: "لا أعتقد أنني أفضل العمل في حالات الطوارئ أكثر من غيرها، فالعمل ضمن سياق عادي جيد أيضاً ويحدث فرقاً لكل مريض نعالجه، وهو الأمر ذاته في حالات الطوارئ".

واختتم كلامه قائلاً: "لن تغير العالم لكن يمكنك أن تحدث فرقاً كبيراً في حياة ذلك المريض الذي تعالجه".