تمرير

كيف يمكننا أن نحيا وسط هذه الظروف؟ شهادة طبيب سوري

15 مايو 2017
آخر
شارك
طباعة:

وقعت يوم الإثنين 5 ديسمبر/كانون الأول، غارة جوية بالقرب من عيادتنا ودمّرت سيارتي الإسعاف الموجودتين لدينا إلى جانب سيارتي إسعاف تابعتين لمستشفى آخر. ويعتبر هذا الأمر مروعاً، إذ نحن قلقون حيال ما سنقوم به في حال وصل إلينا الجرحى ولم نتمكن من إحالتهم إلى أي مكان آخر.

إن المرج منطقة معزولة جغرافياً بعض الشيء. وسكانها هم من المزارعين. يأكلون ما يزرعونه ويمثّل الفقر مشكلة أساسية لديهم. ولم تدخل إلى هذه المنطقة المساعدات الطبية والإنسانية، فعندما يُسمح لقوافل المساعدات الدولية الدخول إلى الغوطة الشرقية، غالباً ما تُستثنى منطقة المرج.

كل دقيقة تحدث فارقاً

في حالات الطوارئ الكبرى، غالباً ما نحيل المرضى إلى أحد المرافق الطبية التي يمكنها معالجة هكذا حالات، على مسافة 12 إلى 15 كيلومتراً من عيادتنا. أما الآن، ومع انعدام توفر سيارات الإسعاف، نحن قلقون حيال ما سنفعله إذا ما استقبلنا إصابات خطيرة لأن الدقيقة الواحدة تحدث فارقاً، وسيواجه المرضى خطراً كبيراً في حال لم يُنقَلوا بطريقة صحيحة وبحذر. نحن في حاجة ماسة إلى سيارات الإسعاف، وقد اتصلنا بمنظمات محلية على أمل أن تتمكن هذه الأخيرة بتأمين سيارة إسعاف لنا.

ثقوب الانفجارات في الجدران والأسقف

أعمل في عيادة المرج منذ بداية الحرب. وتم تأليف لجنة من الأطباء لتغطية حوالى 23 بلدية في المنطقة. في بادئ الأمر كنا نعمل في أحد المستشفيات الحكومية، لكن السلطات قررت المغادرة وسحب الموظفين. بطبيعة الحال، جهّزنا العيادة الحالية التي تستمر بالعمل حتى الآن. وقد تعرضت العيادة للقصف لعدة مرات على مر السنوات الأخيرة- ويمكننا القول إنها إحدى أكثر العيادات المقصوفة. فهناك ثقوب في الجدران والأسقف، ونضطر للعمل في الطابق السفلي للقيام بالعمليات الجراحية.

إحدى أكبر خسائرنا

منذ حوالى السنتين، قُتل مدير العيادة إلى جانب زميل له. كانا نائمين عند مدخل العيادة حين ضربتها قذيفة. ومثّلت وفاتهما إحدى أكبر خسائرنا لأن ذاك الطبيب كان طاقة نادرة- علماً أنه متخصص في جراحة الطوارئ والعمليات الجراحية المعقدة. كما فقدنا سبعة من أفراد طاقمنا في فترة عامين: طبيبان وعامل تنظيف ورئيس قسم التدريب وثلاثة ممرضين. لكن حتى مع هذه المصاعب، لا زلنا مستمرين بالعمل لأن تقديم الرعاية الطبية مهم جداً للناس.

وفي منتصف العام 2015- وقعت كارثة أخرى. ففي إحدى الليالي أُلقيت قنبلة من طائرة مروحية وضربت العيادة ودمّرت سيارات الإسعاف والصيدلية ووحدة علاج الحروق. لقد قمنا طبعاً بإعادة إنشاء العيادة- وتمكنا من إنجاز ذلك بفضل دعم المنظمات المحلية ومنظمة أطباء بلا حدود. وتتمتع العيادة اليوم بإمكانيات في مجال الأشعة السينية والمختبر وقسم الجراحة وقسم الأمومة وكان لديها سيارات إسعاف متوفرة على مدار الساعة.

العنف المتصعد

في الشهر الماضي، تصعّد العنف مجدداً. إذ تعرّضت المناطق التي كانت تعتبر "آمنة" وتستقبل النازحين للقصف الصاروخي والمدفعي. وأمس، تم إحضار عائلة، دخلت الأم والخالة إلى وحدة الرعاية المركزة في حين توفي الطفلان على باب العيادة. وكانت إحداهما قد تعرضت لإصابة في الرأس ولم نتمكن من القيام بأي شيء. لقد توفيت الفتاة هذا الصباح.

وتجدر الإشارة إلى أنه من الصعب التعامل مع هذه الحالات، من عدة نواحي. فلا بد من توفر المزيد من الدعم في مجال الصحة النفسية للطواقم الطبية، وخاصة للعائلات التي تعرضت فعلاً للصدمات. أذكر طفلة توفيت جراء فقدانها كمية هائلة من الدم. وقفت شقيقتها بالقرب منها ولم تفهم أنها ماتت. فالأطفال يصابون بانهيارات عصبية حين يسمعون صوت الطائرات في السماء. ولا يمكنني حتى أن أتخيل حجم الدعم النفسي الذي يحتاجه الأطفال والراشدون والأطباء بعد كل هذا.

الاختباء في دورة المياه

يشعر طاقمنا بأكمله بالهلع من الطائرات والغارات الجوية ونستمر بتذكر أولئك الذين ماتوا ونتساءل ما إذا كنا نحن اللاحقون. وفي بعض الحالات، أمضيت ساعات وأنا أختبئ في رواق دورة المياه بانتظار توقف الغارات.

لكن على الرغم من الخوف، لا زلنا نتمتع بالصلابة. ففي إحدى المرات كنا في اجتماع وأخبرنا الطاقم أننا لا نمانع أبداً توقفهم عن العمل وأننا يمكننا أن نقدّم لهم إجازة مدفوعة. لكن أحداً لم يقبل بذلك. عندها شعرنا بالذهول. فالجميع أراد الاستمرار بالعمل على الرغم من كل المخاطر. هؤلاء الناس الذين شاهدوا أموراً مروعة وعاشوا القصف المدفعي والمجازر، أرادوا الاستمرار لأن معظمهم من هذه المنطقة ولديهم عائلات هنا ويفهمون أهمية تقديم الرعاية الصحية إلى السكان.

الأمل رغم الخوف

لا زالنا نتحصّن بالأمل الذي لا يغيب عنّا أبداً. لكن للأسف لا تشير الأحداث التي تقع على الأرض إلى أي نهاية إيجابية. وفي هذه المرحلة، ما يهمنا هو الاستمرار بتقديم الرعاية الطبية للناس. يجب أن يستمر هذا الأمر- وسنبذل قصارى جهدنا من أجل ذلك.

تدعم منظمة أطباء بلا حدود العيادة الطبية السورية في المرج وهو حي ريفي في منطقة الغوطة الشرقية المحاصرة بالقرب من دمشق منذ يناير/كانون الثاني 2015. وتمثّل هذا الدعم بتقديم الإرشاد التقني والإمدادات الطبية وأيضاً الدعم المالي والمادي لإعادة بناء العيادة التي دُمّرت في منتصف العام 2015.

تقدّم عيادة المرج حوالى 500 استشارة في غرفة الطوارئ في الشهر الواحد، كما وإنها تقدّم خدمات الأمومة وخدمات قسم العيادات الخارجية إلى سكان يصل عددهم إلى حوالى 15,000 نسمة يعيشون في هذه المنطقة. في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عالجت غرفة الطوارئ التابعة للعيادة 203 حالات إصابات حرب و44 إصابة غير متعلقة بالحرب و211 حالة طارئة أخرى.

تدير منظمة أطباء بلا حدود ستة مرافق طبية في شمال سوريا، وتدعم أكثر من 70 مركزاً صحياً ومستشفىً في البلاد، وتقدم التبرعات الطبية الطارئة لشبكة مؤلفة من 80 مرفقاً إضافياً. وفي المرافق المدعومة من قبل منظمة أطباء بلا حدود لا يوجد أي موظفين تابعين للمنظمة.