تمرير

الموصل، العراق: "أصبحنا، في نهاية المطاف، نقتات بالعشب"

11 يونيو 2017
فيديو
الدول ذات الصلة
العراق
شارك
طباعة:

فرت كريمه وحسن مؤخرًا من غرب الموصل، حيث تقاتل القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. ويُطلع كريمه وحسن وأسرتاهما فرانشيسكو سيغوني، منسّق المشروع لدى منظمة أطباء بلا حدود في شرق الموصل، على التحديات المتعلّقة بالصمود تحت الحصار.

وتقول كريمه "اضطررنا للرحيل. لم يكن لدينا أي خيار، إذ ساءت الأمور في نهاية المطاف لدرجة أننا أصبحنا نقتات بالعشب". وتجلس رُجين، ابنة أخ كريمه البالغة من العمر أربع سنوات، إلى جانب عمّتها، وهي ترتدي فستانًا زهري اللون، وتنصت إلى الحديث. وتُعتبر كريمه واحدة من بين آلاف الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم في الأشهر القليلة الماضية للفرار من غرب الموصل.

في الواقع، لحق دمار كبير بالجانب الغربي للمدينة، أي عند الضفة البعيدة من نهر دجلة، من جراء الاقتتال المتواصل فيها، منذ دخول القوات العراقية إليها بهدف استعادة السيطرة عليها في شهر فبراير. وتعيش كريمه في الوقت الحالي في شرق الموصل، حيث تبقى مع أحد أقربائها الذين يعملون في مستشفى الطاحيل الذي افتتحته منظمة أطباء بلا حدود في آذار/مارس لتقديم الرعاية الجراحية ورعاية الطوارئ.

كانت كريمه تعمل كمعلّمة، في حين كان زوجها سعيد يقوم بأعمال مؤقتة كعامل يومي. أمّا اليوم، فتبدو فكرة الحصول على وظيفة- أي وظيفة- بمثابة حلم بالنسبة إلى كريمه وآخرين كثر في المدينة. في الواقع، كانت الأشهر القليلة المنصرمة تركّز برمّتها على الصمود- بأي وسيلة كانت.

"في الفترة الاخيرة ، وبدون مبالغة ، كنا نحن و الآخرين نأكل العشب. لم يكن هناك ماء. كان كل ما لدينا هو ماء المطر. كنا نصلي لكي تمطر السماء حتى نتمكن من جمع ماء المطر للشرب".

ويقول سعيد إنّ "حدّة القتال جعلت الوضع في غرب الموصل لا يطاق بالنسبة إلينا. فسواء سقط صاروخ للجيش أو قنبلة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، نشعر وكأنهما يسقطان على رؤوسنا دائمًا".

والفرار لم يكن سهلاً. في البداية، تمكّن كريمه وسعيد من الانتقال لبضعة كيلومترات فحسب إلى حي جديد في القسم عينه من المدينة ما أمّن لهما مأوى موقتًا، غير أنّ بضعة أيام مرّت فحسب قبل أن يحاصر النزاع هذه المنطقة أيضًا. تحمّلا الوضع لمدّة 24 يومًا آخر حتّى لم يبقَ أمامهما سوى الانتقال مجددًا.

بعد اختبائهما لبضعة أيام في مكان إقامة مؤقتة، غادرا في الصباح الباكر سيرًا على الأقدام، حتى تمكّنا في نهاية المطاف من بلوغ منطقة آمنة خارج منطقة القتال. وفور وصولهما إلى مخيّم للنازحين، تم الفصل بينهما، حيث أُرسلت كريمه إلى المنطقة المخصصة للنساء والأطفال في المخيم، في حين أُرسل سعيد إلى المنطقة الخاصة بالرجال فيه. غير أنّه بعد 12 ساعة، أعيد لمّ شملهما وتم السماح لهما بالتوجّه إلى منزل قريبهما في شرق الموصل. فانتهت محنتهما أخيرًا.

وليست قصة كريمه وسعيد بالغريبة بأي شكل من الأشكال. فقد سمعت قصصًا مشابهة لقصتهما في الأشهر التي أمضيتها هنا في مستشفى الطاحيل مع منظمة أطباء بلا حدود. فكثير من مرضانا قادمون من غرب الموصل. وغالبًا ما يكون أول ما يقومون به لدى وصولهم إلى شرق الموصل البحث عن الرعاية الطبية. فلدى بعضهم جروح لم تعالَج أو أصبحت ملتهبة، بينما أصيب آخرون بشظايا.

"لم يكن هنالك سيارات! حتى في حال توفر الأطباء ، كانوا بعيدين ولم يوفر لدينا سيارات . الى جانب ذلك، عندما تخرج من منزلك، لا يوجد أي ضمانات أنك لن تصاب بقذيفة هاون. وكانت المستشفيات تعالج عناصر داعش فقط".

إن مرضانا يُعتبرون محظوظين لتمكنهم من الفرر، في حين لا يزال 100 ألف شخص تقريبًا في غرب الموصل عالقين في منطقة تبعد بضعة كيلومترات مربعة فحسب عن المدينة القديمة، وهم يعانون نقصًا في الغذاء والمياه واللوازم الطبية الأولية.

فرّ حسن وهو من المحاربين القدامى في أواخر شهر نيسان/أبريل من غرب الموصل برفقة زوجته ميسم وبناتهما الثلاث: جوري وغازيال وأريج.

نا مايقارب الخمسون شخصًا في مساحة تبلغ 100 متر مربع, نفذت المواد الغذائية وماء الشرب .كنا نملك الطحين في الفترة الاولى وكنا نصنع الخبز, ولكن في الفترة الاخيرة لم يعد لدينا طحين. الكهرباء مقطوعة منذ فترة طويلة. وكذلك الماء , مقطوعة أيضاً. كنا نجلب المياه من البئر بالرغم من القصف وإطلاق النار حولنا. ولكن البئر كان موقعه في الجانب الآخر من المدينة، بعيداً عن المنزل، لذلك كنا نحمل بقدر حاجتنا"

في كل صباح، كانت ميسم تحضر مقلاتها الوحيدة لتقلي فيها كمية قليلة من صلصة البندورة مستخدمة آخر ما لديهم من الزيت المخصص للطهو. وتقول "كانت تلك آخر كمية زيت لدينا وكنت أعرف أنني لن أستطيع شراء المزيد. كانت زجاجة الزيت تكلّف 1000 دينار في السابق، غير أنّ ثمنها بلغ في الوقت الحالي 30 ألفًا في السوق السوداء. لكنّ المشكلة الأساسية لم تكن ثمنها، بل أنها أصبحت غير متوافرة الآن بكل بساطة. حتّى لو كنّا نمتلك المال، إلا أنه لم يبقَ ما نشتريه".

كان لدى حسن وميسم شمعتان يستخدمانهما للإضاءة، نظرًا إلى أن وقتًا طويلًا مضى على انقطاع التيار الكهربائي. وتقول لي ميسم إن أفراد الأسرة كانوا يحتشدون في غرفة واحدة ليستخدموا شمعة واحدة في كل مرة ويجعلوا هذه الشمعة تدوم لأطول فترة ممكنة.

وتضيف إنّهم كانوا محظوطين مع ذلك، من ناحية واحدة، فهم لم يعانوا قطّ مشكلات صحية كبيرة. "ولو كانت لدينا مشكلات مماثلة، كنّا لنعلم أنه ما من مكان نذهب إليه".

وتتابع قائلة إنّ السكان كافّة في المنطقة المحاصرة يعتمدون على بضعة ممرضين ينتقلون من منزل لآخر في خلال فترات الهدنة القصيرة والنادرة من الاقتتال من دون أي معدات وهم يحملون مخزونًا غير ملائم من العقاقير.

وفي الوقت الحالي، إن أكثر ما يقلق حسن هو أفراد الأسرة الكثر الذين تركوهم وراءهم، ويقول "لدينا عموم وأنسباء وأصدقاء هناك. ويعيشون في الوضع الميؤوس منه عينه الذي كنا نعيش فيه، أي من دون غذاء أو مياه أو أدوية. لا زلنا نتواصل معهم عبر الهاتف".

"تمكنا من الهروب من خلال الفتحات في الجدران بين المنازل. كنا نعاني من القناص في الشارع اللذي كان يصطاد أي مدني يحاول الفرار. لذلك انتقلنا من منزل إلى منزل حتى وصلنا إلى القوات الأمنية في المنطقة الآمنة".

يدهشني سماع أن كلا الأسرتين مصممتان على العودة إلى منطقة الموصل تلك المغتصبة والمدمّرة بفعل الحرب، فور انتهاء القتال، على الرغم من أنهما تعرفان تمام المعرفة ما ستجدان هناك. وتقول كريمه "نخطط للعودة إلى هناك فور انتهاء الحرب. سنصلح أشياءنا وننتقل للعيش هناك مجددًا. ستكون الأمور على ما يرام عند حصولنا مجددًا على المياه والتيار الكهربائي".

والغريب أن حسن يشارك كريمه تفاؤلها البعيد كل البعد عن أرض الواقع. ويقول إنّ "حياتنا هناك. في حال كانت لدي فرصة وحيدة لأعود للعمل كمحارب قديم، فلا أمل بأن يتحقق ذلك إلا هناك. بالطبع، لن تعود الأمور على ما كانت عليه مطلقًا. لقد تم تدمير منزلنا، لكن علينا أن نبقى متفائلين".

"نريد العودة الى منازلنا، حيث لدينا حياتنا وأعمالنا هناك. إذا استقرت الامور مجدداً، نود أن نعود. بالتأكيد، وعندما نعود لن تكون الاشياء على حالها ولكن سنقوم بإصلاح ما نستطيع اصلاحه . سنصلح منازلنا، وظائفنا، وشوارعنا ... لا شيء سيكون كما كان. لكننا سنحاول إصلاحه شيئا فشيئا ".