تمرير

اسمي محمود وعمري عشرة أعوام...

5 يوليو 2017
تدوينة
الدول ذات الصلة
الأردن
شارك
طباعة:
نعالج في مركز الرعاية الصحية الأولية الذي نديره في الطرّة، في الأردن، الأطفال الذين يعانون من متلازمة الإجهاد التالي للصدمة، غير أن علاج أولئك الأصغر سناً والأضعف والأكثر هشاشةً من أفراد المجتمع ليست إلا البداية فحسب، حيث أن المشاكل الأسرية واستراتيجيات رعاية الأطفال البالية والتوترات الاجتماعية في هذه البيئة تحتم على فريقنا علاج المرضى بأسلوب شمولي بهدف تحقيق نتائج على المدى الطويل.
ومن الناحية العملية فإن المقاربة ’الشمولية‘ تعني بأننا نعتمد على تقنيات معالجة نفسية مطورة خصيصاً (نظام العلاج بالسرد) لعلاج الصدمات عند الأطفال، وذلك باللجوء إلى استشارات منتظمة للأطفال والبالغين بهدف تعلّم استراتيجيات تسوية النزاعات.
كما أننا نحيل مرضانا إلى منظمات أخرى (منظمات غير حكومية) تدعمهم مادياً أو تؤمن لهم احتياجات أخرى (مواد غير غذائية).

قصة محمود:

اسمي محمود وأبلغ من العمر عشرة أعوام.
غالباً ما يكون والديّ غاضبين مني لأنني أبلل فراشي ليلاً. ليس كل ليلة لكن في معظم الليالي.
لا أعلم السبب لكنه أمر يحدث. وأنا خائف معظم الوقت وأحلم كثيراً، حيث أستيقظ لأرى كل شيء وقد تبلل.
حدث هذا أول مرة بعد أن رأيت أمراً سيئاً للغاية. وقع هذا منذ وقت طويل، ربما قبل أربع أو خمس سنوات.
كنت أعيش في قرية صغيرة لا تبعد كثيراً عن هنا. كانت مكاناً جميلاً جداً وكنت ألعب على الدوام مع أصدقائي.
كنا نزور جيراننا وكان عندهم مزرعة صغيرة فيها أغنام وجرّار أحمر اللون وأشجار زيتون. وكنا نلعب الغميضة.

mahmoud1.jpg
صورة رسمها محمود ابن العشرة أعوام الذي يعاني من متلازمة الإجهاد التالي للصدمة. الصورة: رايموند ألبير/أطباء بلا حدود.

بعدها جاء الجنود

قام أحد الجنود بإطلاق النار على جاري، لكنه لم يكن قد فعل سوءاً. شاهدته وهو يسقط أرضاً، ويفارق الحياة. ارتعبت وقتها وركضت عائداً إلى البيت.
كانت أمي تبكي كثيراً وكان والدي غاضباً جداً ويصرخ كثيراً. بعدها جاء الجنود وأخذوا أبي وكنا جميعاً خائفين جداً.عاد إلينا أبي شخصاً مختلفاً بعد أن ضربه الجنود.
أسرعنا في حزم بعض ما نملك وغادرنا.كان هناك جنود على الطريق لكنهم لم يفعلوا شيئاً. وقالت أمي بأننا الآن في مأمن.
لكننا الآن في مكان ليس بجمال بيتنا. فهو صغير جداً ويتعين علي أن أنام برفقة إخوتي الخمسة في غرفة واحدة.
لا يغادر أبي المنزل إلا أحياناً حيث يذهب للعمل. لكنه يعود غاضباً لأنه لم يكسب ما يكفي من المال.
ذهب في إحدى المرات إلى مصرف في إربد كي يحضر النقود لكن يتعين عليه دائماً الانتظار لوقت طويل.
يقدم لنا جيراننا في بعض الأحيان الطعام والألعاب، فهم لطفاء للغاية. لكن الجيران الآخرين ليسوا لطفاء جداً ويقولون لنا بأننا لا ننتمي إلى هذا المكان.
الأمر ذاته في المدرسة، حيث تقع كثير من الشجارات بين أطفال المنطقة والأطفال الجدد. أما الآن فيذهب أطفال المنطقة إلى المدرسة صباحاً في حين يذهب الأطفال الجدد بعد الظهر ويوم السبت.
لقد قلّت المشاكل الآن في المدرسة، غير أن المدرّسين يكونون متعبين بعد الظهر.وحين أكون على طريق عودتي إلى البيت بعد نهاية الدوام، أجد بعضاً الأطفال من الحي يتربصون بي كي يضربوني.
"أخاف من أن أخلد للنوم بسبب الأحلام التي تراودني. فأنا أرى جنوداً وكذلك أرى جارنا. وأحياناً يطلق الجنود النار علي في الحلم، حيث يدفعني هذا للاستيقاظ".
يغضب أبي هو الآخر حين أخبره بما يحدث. وأحياناً يضربني لأنه يريد مني أن أدافع عن نفسي، ولهذا لم أعد أخبره.
أغضب في بعض الأحيان وأضرب أختي الأصغر مني، حتى بدون سبب أحياناً.
أخاف من أن أخلد للنوم بسبب الأحلام التي تراودني. فأنا أرى جنوداً وكذلك أرى جارنا. وأحياناً يطلق الجنود النار علي في الحلم، حيث يدفعني هذا للاستيقاظ.
لكن يتعين علىّ أن أكون هادئاً لأنني حين أبكي سأوقظ أبي الذي سيقتادني إلى المطبخ ويمسك بيدي فوق نار الموقد كي يحرقني. فهو يريد مني أن أكون هادئاً.
أقوم برفقة أصدقائي أحياناً برصف بعض الحجارة في الشارع لتكون بمثابة حدود لمرميين كي نلعب كرة القدم، حيث أسجل أهدافاً كثيرة. أحب كرة القدم. وعندما ألعبها أنسى أين أنا وأنسى ما رأيته.

نجاح كبير لكنه صغير في الوقت ذاته

يشعر محمود بحال أفضل الآن. إذ أصبحت الكوابيس التي تراوده نادرةً بعد ست جلسات. كما أنه لم يعد يخاف من والده إذا ما راوده كابوس.

mahmoud2.jpg
محمود وأصدقاؤه يلعبون كرة القدم. الصورة: رايموند ألبير/أطباء بلا حدود.

يبدو محمود أقل عدوانيةً لأنه تعلم كيف يتأقلم مع قلقه وإحباطه. ويخبرنا بفخر كيف أنه يستمتع بكرة القدم أكثر منذ أن تعلم كيف يلعب برفقة أصدقائه وليس ضدهم. وحتى أخته الصغيرة تلعب أحياناً معهم.
محمود طفل محظوظ، فقد نجح والداه بتخطي خوفهما من العار الذي يرتبط بالصحة النفسية. حيث كانا منفتحين وقبلا تدريجياً المساعدة التي نقدمها. وهذه خطوة هامة في عالم تستحوذ عليه أحكام مسبقة وتنظمه قوانين دينية صارمة.
أما بالنسبة لنا فهذا نجاح كبير لكنه صغير في الوقت ذاته.
فلا يزال هناك الكثير من الأطفال وأسرهم في انتظار أن نعثر عليهم.