تمرير

الطبيبة الأسترالية التي تكافح الكوليرا في اليمن: مقابلة مع الدكتورة ميليسا ماكراي

14 نوفمبر 2017
قصة
الدول ذات الصلة
اليمن
شارك
طباعة:

متى وصلتِ وأين تعملين حالياً؟

وصلت في بداية أبريل/نيسان ومقري في مكتب تنسيق أطباء بلا حدود في صنعاء، أكبر مدن اليمن، لكني أمضيت معظم الوقت في المشاريع الميدانية في الضالع والحديدة وتعز. هذه المدن ليست بعيدة عن بعضها لكن بسبب نقاط التفتيش العديدة والممرات الجبلية قد يستغرقك قطع مسافة 250 كيلومتراً سبع ساعات.

هل لكِ أن تروي لنا كيف شعرتِ في أسبوعك الأول؟

بصراحة لا أذكر، لكنني أصبحت معتادة على سماع صوت الغارات الجوية والقصف. وحصلت هنالك زيادة كبيرة في عدد الجرحى من المدنيين أثناء إقامتي، ففي النصف الأول من عام 2017 كانت قد حصلت في اليمن غارات جوية أكثر مما حصل في كامل عام 2016.

ما هي طبيعة الحالات التي تتعاملين معها؟

الكوليرا والإصابات هما الأمران الأكثر شيوعاً. تعالج فرق أطباء بلا حدود عدداً كبيراً من الإصابات من البالغين والأطفال، من المدنيين والمقاتلين. ويشمل ذلك الكثير من إصابات الحرب وضحايا الحوادث المرورية. وتشمل الرعاية تثبيت استقرار الحالات في قسم الطوارئ إلى قسم العمليات الجراحية وأجنحة المرضى الداخليين بما في ذلك الرعاية الوسيطة ورعاية العناية المركزة. نعالج أيضاً الكثير من مشاكل الصحة الشائعة، بسبب محدودية البدائل التي تقدم الرعاية المجانية المتوفرة عالية الجودة.

يركز أحد مشاريعنا على الأمومة وصحة الطفل، وهنالك ضغط كبير وحاجة شديدة لأسرَّة رعاية المواليد الجدد والدعم لحالات الولادة المعقدة.

كما أن عدد حالات الولادة قبل الأوان في ازدياد، وذلك بسبب عدة عوامل هي انخفاض سن الأمهات وتزايد سوء التغذية والتوتر.

nr-yemen-msf195499_msf.jpg

ماهي التجارب التي كان لها أكبر أثر عاطفي عليكِ؟

هنالك المئات من التجارب التي يمكن الوقوف عندها، وجميعها بنفس الأهمية. أذكر منها تلك الطفلة ذات الثمانية أعوام التي فقدت ذراعها في انفجار حافلة أصيب فيه أكثر من 20 مدني، ومحاولة إدخالها إلى غرفة العمليات بأسرع ما يمكن للسيطرة على النزيف. أذكر أيضاً القنبلة التي انفجرت تحت حافلة مدنية أخرى، والتي كانت حسب ما زُعِم مزروعة لاستهداف ’قائد مهم‘ من أحد أطراف النزاع.

الإصابات الجسدية متعبة وظاهرة ومع ذلك لا يمكننا قياس أثرها على الصحة النفسية.

إن قوة وتحمل كوادر أطباء بلا حدود المحلية تدعو إلى الاحترام. فحياتهم قد انقلبت رأساً على عقب. يحكون لنا عما تسبب به القصف الأخير من أضرار لمكتبة الحي أو متجر الحي.

كثيرون منهم فقدوا أفراداً من أسرتهم واضطروا إلى مغادرة منازلهم التي باتت الآن منهوبة ومدمرة.

يخبرونني أحياناً عن المصاعب التي يتحملونها ليصلوا إلى العمل، حيث يكون الطريق مغلقاً أو غير آمن. ومع أني أطلب منهم البقاء في البيت لكنهم ’يصلون متأخرين خيراً من عدم الوصول‘. يواصلون الحياة والعمل، وهم العاملون الإنسانيون الحقيقيون هنا ومن حسن حظنا أن نستفيد من خبراتهم والتزامهم للحفاظ على استمرارية عمليات أطباء بلا حدود لدعم السكان المحتاجين.

يقول الناس أننا نعيش في عصر مليء بالاضطرابات، والحرب اليمنية سمُّيت ب’الحرب المنسية‘ بحسب منظمة العفو الدولية.

خلال فترة عملي وإقامتي في اليمن طيلة الأشهر الستة الماضية، من الصعب أن أتخيل كيف هي ’حرب منسية‘، لكنني أدرك أنه من الصعب إدراك الصورة الكاملة لما يجري.

يدفع المدنيون ثمناً باهظاً لهذا الصراع. فهم يعيشون تحت خطر وواقع العنف والخوف والنزوح، بينما يسعون جهدهم لتلبية احتياجاتهم اليومية في وجه الأسعار المرتفعة وعدم استقرار فرص العمل.

نحتاج أن يقوم المجتمع الدولي بتعزيز جهوده لمعالجة الأزمة في اليمن، ليس فقط من خلال تعزيز الحلول الإنسانية بل أيضاً من خلال معالجة العوامل التي تخلق مثل هذه الاحتياجات الإنسانية الهائلة.

nr-yemen-msf200560_msf.jpg

ما هي المعايير الوقائية التي تتخذونها ضد الكوليرا؟

تركز أطباء بلا حدود بشكل رئيسي على إدارة حالات الكوليرا. وقد كان هذا قراراً عملياً في بداية التفشي الذي كان ينتشر بسرعة. فعندما نظرنا بدايةً إلى حجم قدرتنا على الاستجابة في اليمن كنا نعلم أن هنالك منظمات أخرى لديها القدرة والرغبة في القيام بأنشطة وقاية مجتمعية، لكن عدداً قليلاً جداً منها فقط كان يمكنه البدء بسرعة وإدارة مراكز العلاج بالمستوى والسرعة المطلوبة.

لذلك قامت منظمة أطباء بلا حدود ومنظمتان أخريتان بالاضطلاع بهذا الدور في اليمن. وقد شاركت أطباء بلا حدود أيضاً في جهود الوقاية لكن دورها الأكبر كان في إدارة الحالات وإعادة إماهة المصابين بالإسهال – وهي علاجات بسيطة تنقذ الحياة. وقد انضمت فرق التوعية في أطباء بلا حدود إلى فرق الرصد المجتمعي التابعة لوزارة الصحة اليمنية لتقصي تقارير عن الوفيات واقتفاء المخالِطين وتوفير التثقيف الصحي والمواد اللازمة والمشورة المتعلقة بتعقيم المياه المنزلية بالكلور.

هنالك لقاحات فموية فعالة ضد الكوليرا للسيطرة على تفشي الوباء، لكن عامل الزمن يعتبر مهماً جداً لفعاليتها. ويشكل مدى توفر هذا اللقاح العائق الأكبر، أكثر من مسألة سعره. وقد تم إجراء تقييم للمخاطر في اليمن، لكن عوامل حالت دون الفعالية المرجوة لمثل تلك الحملة نذكر منها مدى التقبل والإطار الزمني والكمية.

وتركز النقاشات التي تجري حالياً على مستوى دولي ومحلي على حملة وقائية لعام 2018، باعتبار أن الكوليرا مرض متوطن في اليمن.

هل يتوفر الماء النظيف والصرف الصحي للناس المتضررين؟ لا بد أنهم يعيشون في جو من الرعب.

تعتبر الإدارة الصحية للفضلات مشكلة في أنحاء اليمن لا سيما مع انهيار الخدمات الحكومية ذات الصلة بعدم دفع رواتب الموظفين الحكوميين لأكثر من عام، أما الخطر الفردي فيعتمد بشكل كبير على المكان الذي تعيش فيه، فبما أن اليمن بلد متوسط الدخل يتفاوت الوضع تبعاً للظروف المعيشية.

في المدن الكبرى، يمكن القيام بتعقيم شامل لنظام المياه الشبكي بالكلور، أي حال اكتشاف تفشي المرض. لكن هذا الأمر غير ممكن بالنسبة للأسر التي تعيش في القرى البعيدة وتعتمد على مياه الآبار أو مصادر المياه المفتوحة. يمكن تعقيم الآبار أيضاً لكن وقت الاستجابة أبطأ بسبب بعد المسافة. يعتبر التركيز على النظافة المنزلية إجراءً وقائياً فعالاً وبسيطاً.

كيف يتم التخلص من جثث الموتى؟

تتركز نصائحنا حول التعامل الآمن والكريم مع جثث الموتى، لا سيما إن كان السبب المشتبه به للموت هو الكوليرا، ونشكر الله أن معدل الوفيات كان منخفضاً.

في الدين الإسلامي، يجب أن يتم دفن الميت في غضون 24 ساعة وأن يتم غسل الميت قبل دفنه. لذلك الغرض لدينا أدوات نظافة منزلية ونقدم تعليمات واضحة حول كيفية دفن الجثة بطريقة آمنة وكريمة.

msf195506_medium.jpg

هل خطر لك في حياتك أنك ستواجهين تفشياً للكوليرا؟

الكوليرا مرض متوطن في اليمن وهنالك مراكز دائمة لعلاج الإسهال تم إنشاؤها في أنحاء البلاد لهذا الغرض بالتحديد.

هل توقع أحد تفشي المرض ووقوع أكثر 700 ألف حالة مشتبه بها في أقل من ستة أشهر؟ الجواب لا. لكن هناك عوامل أسهمت في تدهور النظام الصحي وخدمات الصرف الصحي، من هذه العوامل النزاع وعدم توفر الرعاية الصحية وعدم دفع رواتب موظفي وزارة الصحة لأكثر من عام.

كم ستبقين في اليمن؟

سأكمل ستة أشهر ونصف في اليمن ثم سأسلم مهامي للشخص الذي سيخلفني. بصراحة، إنه عمل مرهق.

في كل يوم تبرز تحديات جديدة فيما يتعلق بالاستجابة ورعاية المرضى وتناوب الموظفين الدوليين، لكن يبقى التركيز على تقديم الدعم الأفضل من أطباء بلا حدود سواءً لمرضانا أو لزملائنا اليمنيين الذين لم تمنعهم المصاعب من مواصلة العمل.

ما الذي يحدث للكوادر الطبية اليمنية؟

عشرات الآلاف من الكوادر الطبية اليمنية مازالوا ملتزمين بتقديم الرعاية في مرافق الصحة العامة بالرغم من عدم استلامهم رواتبهم منذ أكثر من عام.

لكن لكم من الوقت سيواصلون العمل كمتطوعين؟ وما هي الخيارات التي لديهم سوى الانتقال إلى العمل في القطاع الخاص لكي يؤمِّنوا تكاليف معيشتهم ومعيشة أسرهم؟ وفي حال انتقلوا إلى القطاع الخاص، فقد لا يعودوا أبداً إلى الخدمة العامة.

يتوجب على منظمات الإغاثة الدولية والحكومات المانحة وجميع أطراف النزاع ضمان وصول المساعدات إلى محتاجيها من خلال العمل الميداني ذي الأثر الملموس، بما في ذلك الدعم المباشر لأولئك الذين يقدمون الإمدادات. وهناك منظمات عديدة أخرى غير قادرة أو غير راغبة بتقديم الرواتب كنوع من الدعم.

أضف إلى ذلك أن الدعم ليس مجرد تقديم المساعدات، فجميعنا يعرف أن وجود الإمدادات لا يضمن حصول المرضى على العلاج الصحيح.

إن العمل في اليمن ليس بالأمر السهل، كما أن التبرعات القادمة من أنحاء العالم تساعدنا على الاستمرار. أعمل مع أطباء بلا حدود لأننا نضمن وجود ’سلسة الرعاية‘، فالرعاية الجيدة تتطلب كوادر وإشرافاً وتدريباً وإمدادات وخيارات إحالة..


ملاحظة: هذا المقال نشرسابقاً في الطبيب الأسترالي.