تمرير

ثِقوا بنا فنحن أطباء

31 مايو 2018
قصة
الدول ذات الصلة
ميانمار
شارك
طباعة:

تتصاعد سحب سوداء من الدخان في سماء ميانمار، وطوابير من الناس تمتد على مد البصر، بعضهم يحمل أغراضاً منزلية كالأواني أو الحقائب البلاستيكية، وأكثرهم لا يحمل شيئاً.

هؤلاء الناس في طريقهم إلى مخيم للاجئين في كوكس بازار في بنغلاديش، وهو مكان موحل كثير التلال ومكتظ بالناس، يعيش فيه الآن مليون إنسان.

ما أريده منكم الآن هو أن نقف لبرهةٍ لنلقي نظرة على هذه الأزمة من منظور طبي، لنرى بشراً مستضعفين لا حيلة لهم وبحاجة للمساعدة.

MSF211338.jpg?d63643405665
Rohingya patient in MSF Kutupalong clinic

نحن منظمة أطباء بلا حدود؛ وهي منظمة طبية وليست جماعة حقوق إنسان. قد يبدو هذا الفارق واضحاً لكنني غالباً ما أشدد عليه للتأكيد على حقيقة أن اهتمامنا الأساسي هم مرضانا وعلاجهم. وهذا لا يعني أننا لا نتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان عندما نشهدها. بل إن تبليغ الشهادة يعتبر أحد مبادئ عملنا الأساسية، فنتحدث عن الظروف التي نشاهدها – ذلك أن أولويتنا الأولى بلا منازع هي الحفاظ على حياة الناس.

ما نؤمن به هو أن نقل أحداث معينة، حتى لو كان ذلك عكس تيار الإعلام، أو كان شوكة تنخز في جنب حكومة ما هو أمر جوهري إذا كان سيؤدي إلى تأمين الرعاية الطبية لمزيد من الناس. في الوقت الراهن علينا أن ننقل الظروف الحرجة التي يعيشها اللاجئون الروهينغا في مخيم اللاجئين في بنغلاديش، حيث يضيق المخيم بساكنيه ولا يجدون تحتهم سوى التراب أو الطين ولا تظلهم سوى صفائح بلاستيكية ولا يتوفر لديهم الماء النظيف أو الصرف الصحي.

لعل أسوأ جوانب الأزمة الحالية هو أن لا شيء جديد فيها. فمنذ نهاية السبعينيات كان الروهينغا يتعرضون لموجات من العنف المتعمد تتبعها موجات لجوء من ميانمار، إلا أن الموجة الحالية هي الأكبر. وبعيداً عن جانب العنف، لا يعتبر خيار العودة مغرياً: فالروهينغا محرومون من الجنسية في ميانمار وبالتالي محرومون من الحقوق والخدمات الأساسية.

MSF217137.jpg?d63648084237
Rohingya refugee Asad Ali, 70, says he witnessed killings in Myanmar, and that he escaped to Bangladesh with nothing except the clothes on his back.

سبب هذه المشكلة هو الوضع السياسي، لكنه ليس المرض الذي نحاول علاجه. فهذه الفئة من الناس لم تكن تحصل على الرعاية الصحية، وإن حصلت عليها فبالحد الأدنى. قلة قليلة حصلت على اللقاحات التي نعتبرها روتينية ويأخذها أطفالنا بشكل معتاد.

ولتبيين الأثر الذي تركه عدم حصولهم على اللقاحات، يمكننا تأمل مسألة لافتة للنظر: وهي تفشي الدفتيريا بين اللاجئين الروهينغا في بنغلاديش (حتى فبراير/شباط كانت أطباء بلا حدود قد عالجت نحو 5,000 شخص من الدفتيريا في كوكس بازار). وإن مجرد وجود هذا المرض لهو أمر مُخجِل. فهذا النوع من الأمراض لم يعد موجوداً تقريباً في الدول الغنية. ومن باب المقارنة، لم تشهد المملكة المتحدة خلال العشرين عاماً الماضية سوى أربع حالات من الدفتيريا. قبل عام 1942 (ومعرفة اللقاحات) كان هنالك ما معدله 55,000 إصابة سنوياً، ينتج عنها ما يقارب 3,500 وفاة (معظمهم من الأطفال). يعطينا هذا لمحة عن عدد الأرواح التي يمكن إنقاذها إذا ما تم تقديم الرعاية الطبية الملائمة للروهينغا بطريقة مستدامة.

MSF217155.jpg?d63648084350
Living conditions for Rohingya children at the refugee camps in Bangladesh are grim.

ومن الأسباب الأخرى التي تثير القلق اكتظاظ المكان وعدد الناس الساكنين في مخيم اللاجئين هذا، لا سيما في ظل غياب الخدمات الأساسية. وقد كان توفير الماء النظيف والصرف الصحي أولوية لفرقنا منذ شهر أغسطس/آب – وبالرغم من التحسن الذي طرأ لكن ما زالت بحاجة إلى المزيد من العناية. وما زالت أمراض العدوى التنفسية وأمراض الإسهال والأمراض الجلدية سائدة بين قاطني المخيم – وجميعها ذات صلة بالظروف المعيشية.

المرض والعدوى ليسا مصدر القلق الوحيد للروهينغا – فكثيرون منهم بحاجة للعلاج من الضرر النفسي البالغ، فقد شهد العديد منهم موت فرد من أفراد الأسرة بطريقة عنيفة. يحمل الكثير من الناس آثاراً بدنية وجروحاً غير ملتئمة من عنف تعرضوا له – لقد شهدوا أصنافاً شتى من الاعتداءات: تعرضوا لإطلاق النار والطعن والاغتصاب والضرب وحتى الاعتداء بالسيوف.

جميع هذه المشاكل ذات صلة بشكل خاص بهؤلاء اللاجئين، وسيحتاجون رعاية طبية متواصلة. مع ذلك تبقى المشاكل الطبية العديدة الأخرى التي تترافق مع الحياة اليومية، والتي لا يمكن أن تتوقف بسبب وجود أية أزمة. فالنساء الحوامل في المخيم سيحتجن علاجاً ورعاية مستمرين، والأطفال والبالغون في المخيم يحتاجون توفر المرافق الطبية والكوادر الطبية.

بالطبع لا بد من حل سياسي إذا ما أردنا رؤية تغيير دائم في وضع الروهينغا، لكن ما يشغلني هو المشاكل المباشرة التي يمكن معالجتها أثناء وجود الروهينغا في مخيم اللاجئين، لا سيما مع احتمال أن يبقى الوضع قائماً لسنوات، وليس لأشهر. لعلّي الآن قد تحدثت بإسهاب عن القضايا الطبية التي تحتاج إلى عناية، لكن أمراً لم أتحدث عنه بعد قد يكون بذات الأهمية بالنسبة لمقدم العلاج الطبي – ألا وهو حق الكرامة.

MSF209052.jpg?d63643939550
Men at prayer in Kutupalong camp.

في عام 2013، وصفت الأمم المتحدة أقلية الروهينغا بأنها واحدة من أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم. هو تصريح قوي بلا شك، لكن في اعتقادي أننا نحتاج إلى فعل أكثر من مجرد تقديم بيانات الإدانة التوصيفية، والسكان العالقون في جحيم ذلك الوضع المريع لم يشهدوا الكثير من الفوائد الملموسة لتلك البيانات.

لا أقول أن علينا تجاهل القضايا السياسية التي تعتبر السبب الكامن وراء هذه الأزمة، لكنني أطلب أن نوجه تركيزنا فوراً على البشر الذين عانوا الكثير وأن نضافر الجهود لتقديم ما يفي باحتياجات هذه الفئة من الناس.

يحتاج الروهينغا إلى الرعاية الطبية العاجلة، ولديهم الحق بالحصول على ظروف معيشية كريمة، ولهم علينا أن نهتم بهم كأفراد لديهم احتياجات فردية، لا أن ننظر إليهم كعالة على البشرية. وإذا ما توفرت الإرادة والتوافق لتحقيق تلك الأشياء، فجميعها تقع ضمن نطاق استطاعتنا.