تمرير

المكسيك: 72 ساعة في مخيم المهاجرين"LA 72"

27 يونيو 2018
قصة
الدول ذات الصلة
المكسيك
شارك
طباعة:

صباح يوم الإثنين. إنه نفس الروتين في (لا 72) الذي هو ملجأ للمهاجرين واللاجئين يقع في ضواحي تينوسيك في المكسيك، بالقرب من الحدود الغواتيمالية، حيث ينهض الجميع في السادسة والنصف من أجل القيام بمهام التنظيف العام، ثم تتم العناية بالنظافة الشخصية حتى الساعة الثامنة، وبين الثامنة والثامنة والنصف ينتظرون في صف من أجل الفطور، وبعد ذلك يترقبون فتح بوابة الدخول.

msf236321high.jpg

يجلس أبراهام على مقاعد الباحة المستديرة، وهو سلفادوري يبلغ من العمر 40 عاماً، تم ترحيله مؤخراً من الولايات المتحدة - البلد الذي عاش فيه منذ كان عمره 18 عاماً. يشرح أبراهام كيف أن الترحيل من الولايات المتحدة هو بمثابة طريق مسدود بالنسبة لمواطني السلفادور.

يعرف أبراهام أكثر عن هيوستن، في تكساس، من الحي الذي ولد فيه في السلفادور. لقد عمل في نفس شركة البناء في هيوستن منذ عام 1998. لديه عائلة أكثر في هيوستن (الأم، أبناء العم، الأعمام) مما هو عليه الحال في السلفادور ولديه عائلته الصغيرة هناك، وقد ولدت ابنتاه اللتان تبلغان من العمر 16 و 14 عاماً هناك أيضاً. تم القبض عليه عندما جاءت الشرطة تبحث عن قريب له تورط في جريمة مرورية خطيرة. انتهى المطاف بالشرطة إلى منزل أبراهام وطلبوا أوراقه. سرعان ما تم تنفيذ أمر الترحيل ووجد أبراهام نفسه على متن طائرة مع 150 سلفادورياً آخر في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عائداً إلى بلد لم يعد يشعر بأنه ينتمي إليه.

قال أبراهام "حسب الحي، لا يمكنك المغادرة إذا لم تكن من هناك، فهم يسيطرون عليك طوال الوقت، حتى يبدو أن الشرطة متورطة في" مجموعات كليكاس" (العصابات)، حيث يسيطر أفراد العصابات الذين يقودون الدراجات النارية". لقد اتصلوا بي عبر الهاتف بعد بضعة أيام فقط من وصولي، وأخبروني اسمي، وكانوا يعرفون مكان إقامة عائلتي في الولايات المتحدة، والمدة التي مكثت فيها هناك، وأمهلوني 24 ساعة لجمع 2500 دولار وفي حال لم أفعل ... ". لم يمنحهم أبراهام حتى أربع ساعات وبمجرد تلقيه الرسالة كان يشق طريقه. قال أبراهام إن هدفه لم يعد الوصول إلى الولايات المتحدة " لا يمكنني الدخول، من الأفضل أن أبقى في المكسيك، وأن أطلب اللجوء هنا ". "ربما تمكنت من أن أبدأ العمل في التاكو (نوع من الشطائر المكسيكية) وفي غضون خمس سنوات ستتمكن ابنتي الكبرى، التي ستصبح بعمر 21 سنة، من المطالبة بي ".

يشرح أبراهام وضعه، مذعناً لحقيقة أنه لا يستطيع الذهاب إلى الجنوب لأن العصابات سوف تجده وأنه لا يستطيع الذهاب إلى الشمال دون التعرض لخطر الترحيل مرة أخرى. المكسيك هي وجهته.

msf236283high.jpg

msf236291high.jpg

بالنسبة للكثيرين، لم تعد نقطة عبور

المكسيك هي الوجهة اليائسة للآلاف من سكان أمريكا الوسطى الذين ليس هدفهم الأساسي الوصول إلى الولايات المتحدة، بل الفرار من وطن لم يعد بإمكانهم أن يدعوه وطناً.

قالت كارين مارتينيز، وهي عاملة اجتماعية في منظمة أطباء بلا حدود، والتي لديها فريق في مخيم لا 72 ، " لم تعد المكسيك دولة عبور". "كثيرٌ منهم يغادرون لأن حياتهم في خطر وبعد بيع أو مقايضة منزلهم أو مزرعتهم، وقد يكون بعض الأقرباء أعطوهم المال. ما يريدونه هو البقاء هنا، بعد ترك الخطر وراءهم ".

في الوقت الذي يشق فيه المهاجرون طريقهم إلى الشمال، فإن الملاجئ مثل لا 72 تكون عبارة عن واحات صغيرة يمكنهم فيها استرداد عافيتهم والعثور على المعلومات والوصول إلى جهاز كمبيوتر أو هاتف للاتصال بالعائلة. يقع ملجأ لا 72 بالقرب من سكك القطارات التي يتشبث بها - بصعوبة أكبر - أولئك الذين لا يملكون المال لركوب الحافلات، على أمل أن يجتازوا بسرعة أكبر بلداً شاسعاً. يمكن أن يأخذهم القطار إلى مكسيكو سيتي أو إلى مونتيري أو إلى أي مكان يوجد فيه أحد أفراد العائلة أو صديق أو فرصة عمل. بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا يريدون الذهاب إلى الولايات المتحدة، فإنه يقربهم منها أكثر.

msf236305high.jpg

أليكس الذي يمشي على العكازات عمره 29 عاماً وهو من هندوراس. إنه متوترٌ اليوم، لأنه ينتظر زوجته التي ستعبر الحدود الغواتيمالية إلى المكسيك. يشرح أليكس سبب استخدامه للعكازات "لأنني كنت على القطار الذي تسلقته، وكانت هناك نقطة تفتيش وبدأ حراس الأمن يرموننا بالحجارة لإسقاطنا. لقد تدبرت أمري وتمكنت من عدم السقوط بسبب ذلك، لكنني لم أرَ الفرع الذي كان يدنو مني وجعلني أسقط. "أليكس مخضرم في هذا الطريق - هذه هي رحلته الرابعة إلى الشمال، والتي لم تكلل أي منها بالنجاح. يزعم أليكس أنه في عام 2014، أفشلت عصابة لوس زيتاس المرعبة رحلتهم، وقال "لقد كنت في سان لويس بوتوسي ،" كان هناك حوالي 15 منا، أمسكوا بنا جميعاً، وخطفونا. لقد أمعنوا في ضربنا ولم يتركوني إلا لألقى حتفي، حيث تركوني ملفوفاً في شريط لاصق على سكة القطار".

تعد عصابة لوس زيتاس إحدى الكارتلات (المنظمات الإجرامية) المسؤولة عن مذبحة 72 مهاجراً في سان فرناندو، في تاماوليباس، في عام 2010،

بسبب التنافس بين الكارتلات من أجل السيطرة على طرق الهجرة. في السنوات التالية، تم العثور على 193 جثة في أكثر من 47 مقبرة جماعية في تاماوليباس.

هذا هو السبب في أن الملجأ في تينوسيك، الذي تديره الرهبنة الفرنسيسكانية، يدعى لا72 . يعتبر الملجأ كدليل وكإدانة للعنف الذي يتعرض له المهاجرون على الطريق. فهم يفرون من عنف بلدانهم الأصلية ويتبعهم العنف.

إنها التاسعة صباحاً حيث يفتحون بوابة لا 72. ينبغي على بعض الأشخاص تنظيم أوراقهم أو شراء شيء ما أو التحدث إلى شخص ما من القنصلية أو الذهاب إلى وسط المدينة. يبقى عديدون في الملجأ، في انتظار تلقي مكالمة أو لتمضية بعض الوقت على الإنترنت. يرى بعضهم اختصاصيين في علم النفس أو يستشيرون طبيب أطباء بلا حدود أو يحصلون على المزيد من المعلومات من المتطوعين في هذا النُزل. يأمل أليكس في أن تتمكن زوجته من عبور الحدود، ويأمل أن يتمكن أحد ما من الملجأ حيث توجد هي وطفليها على الجانب الغواتيمالي من مرافقتهم وأن يمكنهم من الجانب المكسيكي أيضاً الذهاب والبحث عنها. إنهم يسمعون أشياء كثيرة جداً. قال أليكس: "إنه جزء خطير، يقولون إنهم يغتصبون النساء"."إنها تبلغ من العمر 25 عاماً وتبلغ ابنتاي من العمر 8 و 6 سنوات".

msf236322high.jpg

msf236317high.jpg

كانت غوادالوبي، وهي أم لخمسة أطفال من هندوراس مقيمة في ملجأ لا 72، ضحية الخطر على الحدود بين غواتيمالا والمكسيك في تينوسيك. لقد انفصلت عن زوجها لأنه كان عنيفاً. تشرح أنها أُجبرت على ترك بلادها عندما بدأت العصابات "ترنو" إلى ابنها البكر، البالغ من العمر أربعة عشر عاماً. لاحظت غوادالوبي أن ابنها، "الطفل الخجول والمتواضع "، أصبح فجأة متمرداً." أرادت عصابة 18 منه أن يحرسهم . لهذا غادرت مع الأطفال.

عبروا الحدود الغواتيمالية إلى المكسيك عند الغسق، سيراً على الأقدام.

كانت الثلاثة الكبار يسيرون في المقدمة، وكنت مع الصغيرين اللذين يبلغان من العمر ثماني وخمس سنوات. فجأة ظهر ثلاثة رجال. بدأ أحدهم بلمس الفتاة. ركعت على ركبتي وتوسلت إليهم ألا يفعلوا بها شيئاً. أمسكوا بي من شعري، وأخرجوني من الطريق. اضطررت للرضوخ لتحرشات اثنين منهم وتنفيذ ما طلبوه مني ... ما يؤلمني أكثر هو أن أطفالي كانوا هناك، أمامي. "بعد أن أصبحت غوادالوبي في لا 72، لم تعد تخطط للذهاب إلى الشمال، ولكن البقاء في تينوسيك ومساعدة المهاجرين الآخرين والنساء الأخريات.

msf236308high.jpg

يوم الثلاثاء، منتصف النهار. في الصباح ، تبدأ مهام الطهي. مجموعات من الشباب من القادمين الجدد لا تزال عيونهم على الطريق ولم يُغادروا إلى تينوسيك لأنه ينبغي عليهم توفير أموالهم. إنهم يتحدثون ويلعبون ويخططون ويضحكون. يُساعد كثيرٌ من الأطفال البالغين على تحمل الملل. إنهم يلعبون بأي شيء، ويتورطون في المشاكل، ويبحثون عن اهتمام مستمر.

قال رامون ماركيز، مدير لا 72: "في الأشهر الأخيرة، اكتشفنا زيادة في عدد العائلات الهاربة بأكملها والنساء والأطفال". "نقص الحماية والتعرض للخطر الذي يحيق بالمهاجرين واللاجئين ازداد في هذه المجموعة، كما أن العنف الذي كان في السابق يقع فريسته الشباب يؤثر عليهم الآن".

يشرح كاندي هيرنانديز، وهو طبيب من منظمة أطباء بلا حدود، نوع الرعاية الطبية التي تقدمها منظمة أطباء بلا حدود.

"نحن نرى ما قد تتوقع أن يصيب الأشخاص نتيجة التنقل، كالقروح والتجفاف والحمى. لكننا نرى أيضاً الآثار الرهيبة لعنف العصابات التي تهاجمهم على الطريق من أجل سلبهم، كآثار السواطير والضرب والإيذاء والعنف الجنسي. توجد قصص وحشية وغير إنسانية".

في الساعة الواحدة، يتم استئناف مهام التنظيف، فهناك كثيرٌ من الأشخاص (يتسع الملجأ رسمياً لـ 250 شخصاً) وعليهم العمل معاً من أجل الحفاظ على نظافة المكان. يذهب الشخص المسؤول عن المركز، فراي توماس، إلى حديقة الخضروات التي أسسها، والتي ستساعد في إطعام بعض العابرين. يُغادر البعض، لكن سرعان ما يصل آخرون. في حوالي الساعة الثانية، يتم تشكيل طابور مُنظم من أجل الحصول على الطعام.

msf236282high.jpg

msf236299high.jpg

الأربعاء بعد الظهر. بعد الغداء، تُستأنف المهام، وتُغسل الملابس في نوبات، وينتظر أشخاص ليتم دعوتهم بصوت مرتفع للجري نحو الهاتف والاستماع إلى صوت مألوف. وعندما تتوقف الشمس عن الإشراق بشكل ساطع جداً، يخرجون إلى الساحة المجاورة ويستمتعون بلعب كرة القدم، حيث يلعب الفريق المحلي ضد فريق من المهاجرين.

على الرغم من أنه للوهلة الأولى لا يوجد دليل على رفض المهاجرين واللاجئين في تينوسيك، يحذر ماركيز من "الخطاب الموحد بشكل متزايد والذي يُجرِّم المهاجرين واللاجئين".

قال ماركيز"هذا أمر خطير للغاية في بلد مثل المكسيك". "إنه غير مستعد، وليس لديه موارد، وموظفون مدربون، ودون استراتيجية لمواجهة هذه الظاهرة من الأشخاص الهاربين من العنف الذين لا يزالون يواجهون العنف على الطريق وفي المكسيك نفسها.

تحذر منظمة أطباء بلا حدود من عواقب سياسة الهجرة المتشددة على المتضررين من العنف في أمريكا الوسطى. كما أن تشديد السياسة يأتي في شكل اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة والمكسيك لمعالجة طلبات اللجوء في المكسيك فقط، وليس عقب الوصول إلى الولايات المتحدة، مما يمنع سكان أمريكا الوسطى من الوصول إلى الولايات المتحدة قبل طلب الحماية التي هي حق لهم بموجب القانون الدولي.

ويقول بيرتراند روسير، المنسق العام لمنظمة أطباء بلا حدود في المكسيك: “في عام 2017، بدأ أكثر من 100 ألف شخص من هندوراس وغواتيمالا والسلفادور إجراءات للحصول على اللجوء في الولايات المتحدة. المكسيك ليست بلداً آمناً بالنسبة لهم وليست مجهزة لتوفير الرعاية الطبية والحماية للسكان الذين يفرون من العنف. إن إجبار الناس على البقاء هناك يعرضهم لمزيد من العنف".

أولئك الذين كانوا في القرية يعودون إلى الملجأ. انتهت اللعبة قبل قليل، والقادمون الجدد عيونهم محدِّقة، كما لو أنهم لا يصدقون أنهم عبروا الحدود وهم آمنون في الوقت الحاضر. بعد تسجيلهم، سرعان ما ينضمون إلى الروتين اليومي. في السابعة والنصف، يتم تقديم العشاء، والساعة التاسعة هي وقت النوم.

msf236320high.jpg

جميع الصور بعدسة: خوان كارلوس توماسي