تمرير

ابتكار: هل تستطيع القصص أن تساعد على إنقاذ حياة الناس؟

1 يوليو 2018
تدوينة
الدول ذات الصلة
نيجيريا
شارك
طباعة:

كيف يمكن لقصصٍ تُروى أن تساعد المجتمعات على محاربة الأمراض؟ تكتب كيت عن مقاربة جديدة ضمن مشروع أطباء بلا حدود الخاص بمرض نوما والذي يؤمَل من خلاله تغيير الطريقة التي ينظر بها الناس إلى الأمور في نيجيريا...

الناس لا يرفضون التغيير – هم يرفضون أن يقوم أحد بتغييرهم

معالجة مرضٍ مُهمَل

تعمل منظمة أطباء بلا حدود في مستشفى سوكوتو للأطفال في شمال غرب نيجيريا جنباً إلى جنب مع وزارة الصحة النيجيرية لتقديم علاجات تخصصية وعمليات جراحية ترميمية لمرضى نوما، وهو مرضٌ ناجمٌ عن التهابٍ يؤدي إلى تشوهات وكثيراً ما يؤدي إلى الوفاة. يصيب هذا المرض الأطفال بشكلٍ رئيسي حيث تتكون تقرّحات في الفم ومع انتشار المرض تصاب هذه التقرحات بالغرغرينا وتدمِّر العظام والنُسُج في الوجه.

إذا لم تتم معالجة المرض فإنه يؤدي إلى الوفاة في 90 % من الحالات.

nomamsf153659_medium.jpg
طفل مصاب بمرض نوما يتعافى إثر خضوعه لعملية جراحة ترميمية في مستشفى سوكوتو للأطفال في عام 2014. تصوير: آدافيز بايي/ أطباء بلا حدود

على الرغم من الأهمية القصوى للمعالجة الطبية والدعم النفسي والاجتماعي للمصابين بمرض نوما إلا أنهما ليسا العنصرين الوحيدين في مشروع أطباء بلا حدود في سوكوتو. إن نشر الوعي حول المرض، بما في ذلك الخطوات البسيطة التي يمكن أن تقي من الإصابة به، وأهمية أن يتم حصول أي شخصٍ يصاب بالمرض على الرعاية الطبية بسرعةٍ ودون أي تعقيد أمران أساسيان أيضاً للتخفيف من المعاناة التي يسببها هذا المرض، لذا فإن المشروع يهدف أيضاً إلى نشر الوعي والثقافة الصحية.

تقوم منظمة أطباء بلا حدود الآن بإطلاق مشروعٍ جديد في سوكوتو بإشراف كلٍ من آنيت دي يونغ وسوزان تيسلار. يهدف المشروع إلى مساعدة العاملين في المجال الطبي على توظيف الطاقة التفاعلية التي يولدها سرد القصص لمساعدة الناس على التعرف على مرض نوما ولتغيير نظرة الناس إلى هذا المرض والتي يمكن أن تكون عائقاً أمام حصول المصابين به على الرعاية اللازمة.

ما هو مشروع "حكايات التغيير"؟

جميعنا يسرد القصص. وبالنسبة للعاملين في مجال نشر الثقافة الطبية يمكن لهذه القصص أن تكون أداة تواصلٍ مهمة لأنها ترتكز على الأنماط العفوية لتفاعل الناس مع بعضهم البعض ضمن مجتمعهم ويمكن أن تنتشر بسرعة بين الناس.

تركز فعاليات نشر الوعي الصحي على رسالةٍ محددة (مثلاً أهمية غسل الأيدي) ويزوِّد العاملون في مجال تقديم الرعاية الصحية المجتمع بالمعلومات بناءً على حقائق حيوية-طبية (مثلاً لمنع انتشار الأحياء الدقيقة أو الميكروبات المسببة للمرض). إلا أنه بهذه الطريقة يمكن لنظرة المجتمع المحلي والمعرفة التي يجب أن تتولد لدى هذا المجتمع أن يضيعا أحياناً في سياق وضع وتنفيذ فعاليات الترويج للممارسات الصحية.

بدلاً من ذلك، يتيح نشر قصص مشتركة بين الطواقم الطبية التابعة لأطباء بلا حدود والمجتمعات المحلية حول موضوعاتٍ متعلقة بالصحة أن تنشر الرسائل المراد إيصالها بطريقةٍ تتناسب مع الممارسات المحلية – أي بما يجمع بين المعرفة الطبية والمعرفة المحلية.

picture_story_of_change_pilot_study_noma_project_nigeria_900.png
فريق أطباء بلا حدود يشارك قصة أبو بكر مع السكان المحليين في ولاية سوكوتو، نيجيريا، 2018. تصوير: أطباء بلا حدود.

كيف يتم ذلك؟

المرحلة الأولى من المشروع تضمنت تدريب أعضاء فريق أطباء بلا حدود العامل في مجال التوعية الصحية على الممارسات المعتادة في المجتمع المحلي وعلى مهارات الإصغاء الفعّال، تلتها سلسلة من النقاشات وإجراء مقابلات مع السكان المحليين يتم سؤالهم فيها عن النوما.

عدد كبير من الأشخاص شاركوا تجاربهم واستطاع فريق العمل جمع ما مجموعه 45 قصة.

تم تنسيق هذه القصص من قبل الفريق ضمن ما يشبه شبكة قصصية تمكن الفريق العامل من خلالها أن يصل إلى فهمٍ أعمق لنظرة المجتمع المحلي إلى النوما. وغطت الشبكة كل شيء بدءاً من من أين يأتي مرض النوما وحتى كيفية علاجه.

المقابلات ساهمت في الاقتراب من الهدف الرئيسي للمشروع: وضعُ قصةٍ جديدة يشترك في كتابتها أفراد المجتمع مع أعضاء فريق أطباء بلا حدود، وهي قصة ستساعد على الترويج للممارسات الصحية الجيدة.

تغيير القصة

ضمن أربع مجموعات، قام أعضاء من المجتمع المحلي بتأليف قصصٍ جديدةٍ حول النوما استناداً على خبرتهم ومعرفتهم. النقاط الأساسية التي عملت عليها هذه المجموعات هي:

  • الشخصية الرئيسية، أو بطل القصة
  • التحديات التي واجهت بطل القصة
  • الدعم الذي تلقاه بطل القصة
  • الحبكة
  • سير أحداث القصة، ثم النهاية.

قام فريق أطباء بلا حدود بدراسة هذه القصص الأربع دراسةً تحليلية وتم وضع قصة واحدة جديدة مستمدة من المواضيع والقضايا والمواقف التي تضمنتها تلك القصص. وهكذا خرجت "قصة التغيير" إلى الوجود!

في الفقرة التالية المقتطعة من القصة النهائية نرى كيف استطاعت ماريا، وهي قابلة من السكان المحليين، وأحد الأئمة المحليين إقناع عائلة أبو بكر وهو فتى يعاني من مرض نوما، أن تأخذ ابنها إلى المستشفى للعلاج.

حين رأت ماريا الطفل آخر مرة، كان فمه متورماً ولثته تنزف. قالت ماريا لوالدة الطفل أن عليها أن تغسل فمه بالماء والملح. ولكنها الآن ترى الطفل مرةً أخرى وقد ساءت حالته إلى حدٍ مريع. كان خده متدلياً، وخطر لماريا أن يكون مصاباً بداء زايزارا باكي أو ما يعرف بمرض نوما. لقد رأت مرضى مصابين بالنوما من قبل وتعرف أن حالة المصابين به تتدهور بسرعةٍ كبيرة، فلا بد إذاً من أن يخضع الطفل للعلاج بالسرعة القصوى.

أخبرت ماريا الأم والأب بوجود مستشفى لمعالجة الأطفال المصابين بالنوما في سوكوتو. ولكن على الرغم من شدة قلق والدة أبو بكر وخوفها على ابنها إلا أنها لا تريد إرساله إلى المستشفى. لا تعرف الأم شيئاً عن النوما وقد أخذت ابنها إلى رجل في القرية يعالج الناس بالعلاج التقليدي فوصف له بعض الأعشاب لكنها لم تكن ذات فائدة. قال لها الرجل أن ابنها مصاب بمرض ماكي دان واوا، أي داء الخدر. ومعروفٌ بأن داء الخدر يستعصي على كل العلاجات ولا يمكن الشفاء منه.

لم يستطع والد أبو بكر إقناع زوجته بأخذ الطفل للعلاج في مكانٍ آخر فذهب لرؤية عمدة القرية الذي استدعى الإمام والمُعالج التقليدي لمناقشة المشكلة. الإمام، الذي يتنقل بين القرى لإلقاء خطبه، كان قد رأى كيف يدمر مرض النوما بسرعةٍ كبيرة وجه المصاب به. وكان من ضمن ما يعظ به الإمام الحث على الممارسات الصحية ومدى أهمية غسل أيدي الأطفال وتنظيف أفواههم وأسنانهم.

عرضت جدة أبو بكر على والديه أن تقوم هي بأخذه إلى مستشفى نوما للأطفال لتتمكن والدته من البقاء لرعاية الإبنة عائشة والعناية بالأرض.

تغيُّر المواقف

تلقت فرق التوعية التابعة لأطباء بلا حدود تدريباً إضافياً على كيفية إيصال هذه القصة للمجتمعات التي يعملون بها وكذلك على تتبع الانتشار الجغرافي لهذه القصة في مختلف المناطق لمراقبة مدى نجاحها.

حالياً يتم تقييم المشروع ولكن المواقف قد بدأت فعلاً بالتغير. يقول طاقم المشروع التابع لأطباء بلا حدود أن فرق نشر الوعي الصحي أصبحت أكثر انخراطاً في المجتمع المحلي ونتيجةً لذلك أصبحت المجتمعات المحلية أكثر تقبلاً لرسائل التوعية الصحية وأصبحت تتصدّى للتمييز الذي يتعرض له المصابون بمرض النوما.

سيستمر العمل على تقييم نتائج المشروع بالتعاون مع مختصي أوبئة من منظمة أطباء بلا حدود لتحديد مدى أثر مشروع "قصة التغيير" في التقليل من حالات النوما وتشجيع السكان على طلب العلاج.

من خلال المشاركة في خلق المعرفة يمكن إحداث تغيير على المستويات القاعدية بأكثر الطرق ملاءمة وأكثرها فاعلية. ومن خلال العمل التشاركي بين الفرق العاملة في أطباء بلا حدود والمجتمعات التي تقدم خدماتها بها، سيتمكن الطرفان معاً من إنشاء مجتمعاتٍ أكثر صحةً وتعافياً.

هذا المشروع مدعوم من قبل صندوق دعم البراعم (Sapling Nursery) وهو صندوق مخصص لدعم كوادرنا على تطوير واختبار أفكار جديدة نأمل أنها ستحسن الرعاية التي نقدمها لمرضانا.

هل لديك اهتمام بهذا المشروع يتعلق بمجال تخصصك؟ اضغط هنا لمراسلة فريق المشروع بالبريد الإلكتروني.