تمرير

رحلة إعادة بناء الموصل مازالت طويلة

11 يوليو 2018
قصة
الدول ذات الصلة
العراق
شارك
طباعة:

مرّ عام كامل منذ انتهاء النزاع في الموصل بشكل رسمي. ولكن المعركة لإعادة بناء المدينة وحياة الناس لم تنته بعد. ثمة مساحات واسعة من الموصل، ولا سيما في الغرب، لا تزال مدمرة. وما زالت الألغام والأفخاخ المتفجرة موجودة في المنازل والمرافق الصحية.
عاد بعض الأشخاص الذين لا يملكون خياراً آخر إلى الموصل، وهم يعيشون الآن في منازلهم المهدمة، وفي أغلب الأحيان يعيشون من دون مياه وكهرباء. كما إن سوء أحوال النظافة الصحية يعمل على زيادة خطر الإصابة بالأمراض، بالإضافة إلى أن الإصابات البليغة تحدث بشكل منتظم وذلك لأن الناس يحاولون إعادة بناء منازلهم في ظروف خطرة.
إن إمكانية الحصول على الرعاية الصحية هو بمثابة صراع يومي نظرًا إلى أن تسعة من أصل 13 مستشفى قد تضررت خلال النزاع. وقد كانت عملية إعادة بناء المرافق الصحية بطيئة للغاية، ولا يزال هنالك خمسة أسرّة فقط لعلاج كل 10 آلاف شخص، وهو أقل بكثير من المعايير الدولية الدنيا لتوفير خدمات الرعاية الصحية.
ونتيجة لذلك، فقد عانى الكثير من الجرحى المتضررين بالحرب في الموصل من شهور من العيش في الألم في انتظار الحصول على المتابعة الطبية. ويتلقون في أغلب الأحيان عمليات جراحية سريعة على خطوط المواجهة أو خلفها تهدف لإنقاذ حياتهم، وهم الآن بحاجة إلى جراحة إضافية، وإلى وقف الألم وعلاج طبيعي لاستعادة القدرة على استخدام الأطراف والعضلات المتضررة في سبيل منع خسارة المزيد أو كل قدرتهم على الحركة. كما يحتاج الكثير من الأشخاص إلى رعاية الصحة النفسية بشكل عاجل تزامنًا مع علاج الصدمة العنيفة التي تعرضوا لها في الماضي ومحاولتهم التغلب على فقدانهم لأحبائهم بسبب الحرب.
في عام 2017، عملت منظمة أطباء بلا حدود في الموصل وما حولها لتوفير الخدمات المنقذة للحياة لأشخاص تمت محاصرتهم نتيجة أعمال العنف. وقد وفّرت المنظمة العديد من نقاط تحقيق الاستقرار لحالات الإصابات البليغة في شرق وغرب الموصل، وأدارت المنظمة أربع مستشفيات لتقديم مجموعة من الخدمات بما في ذلك خدمات الطوارئ والعناية المركزة والجراحة ورعاية الأمومة. بالإضافة إلى ذلك تدير منظمة أطباء بلا حدود مستشفى للولادة في غرب الموصل حالياً، بالإضافة إلى مركز جراحة ورعاية

لا زال جرحى الحرب يعانون من الألم والاكتئاب بعد سنة واحدة من النزاع في الموصل

يبدو الإحباط والألم محفوران على وجه نشوان. كما أن أداة التثبيت الخارجي الموجودة لتثبيت عظامه المكسورة معًا بارزة بشكل غير مريح من ساقه. ففي شهر آذار\مارس من عام 2017، قام قناص بإطلاق النار عليه وأصابه في ظهره وساقه أثناء القتال الذي دار في الموصل بين تنظيم الدولة الإسلامية والقوات العراقية. نشوان من غرب الموصل، وقد كافح منذ أكثر من عام للحصول على الرعاية الصحية لعلاج ساقه. ويتلقى العلاج الآن في مركز رعاية ما بعد الجراحة التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في شرق الموصل. وفيما يلي قصة نشوان:

"اسمي نشوان، ولدت في عام 1976. ولدي ثلاثة أطفال وقد تزوجت منذ 15 عامًا. أنا أحمل درجة الدبلوم في تكنولوجيا المعلومات ولكن بعد التخرج لم أستطع الحصول على عمل في القطاع العام، لذا عملت بالعمل الحر. ومن ثم عملت كسائق تكسي. ولقد كانت لدينا حياة مريحة من قبل.

لا زلنا نعيش في الموصل في نفس المنزل وفي نفس المنطقة. ولم نخرج من هناك حتى في أصعب أوقات النزاع.

msb19279high.jpg

msb19267high.jpg

في 11 آذار\مارس 2017، تمت استعادة الحي الخاص بنا [من تنظيم الدولة الإسلامية]. وبعد يومين من ذلك، خرجنا لشراء الطعام وكنا سعداء. لكن القتال كان مستمرًا في الأحياء المحيطة. وكان هناك مبنى شاهق قريب وكان هناك قناص في أعلى المبنى. بدأ يطاردنا. وثم أطلق النار على جاري وأصيب في رأسه وقُتل. وثم أطلق النار على أخي في ساقه. وأطلق القناص النار علي وأصابني في الظهر والساق.

ساعدنا الناس في الحي وأخذونا إلى القوات العراقية، ومن ثم قام الجنود بالتحقق من وثائقنا وأخذونا إلى المستشفى الموجود في حمّام العلي (30 كلم جنوب الموصل). وفي المستشفى، فحصني الأطباء، ومن ثم أرسلوني إلى مستشفى القيّارة، وهناك قاموا بإزالة الرصاصة من ظهري، ولكن لم تكن لديهم الإمكانيات اللازمة لعلاج ساقي. ولذلك، أرسلوني إلى أربيل.

في أربيل، وضعوا لي تثبيتاً خارجياً على ساقي، وأخبروني بأنني سأكون على ما يرام وبأنني سأحتاج إلى وقت لأتحسن. وبعد خمسة أيام، عدت إلى الجانب الشرقي من الموصل. أنا أعيش في الجانب الغربي من الموصل، ولكن كل الطرق كانت لا تزال مغلقة أو مدمرة [بسبب النزاع المستمر]، لذلك وضعتني عائلتي في عربة ودفعتني إلى المنزل. وانتظرت في منزلي عدة أشهر حتى تتوقف التفجيرات.

وخلال هذه الأشهر السبعة التي قضيتها في المنزل، بدأ الألم يزداد في ساقي ووركي، وفي نهاية المطاف أصبح الألم لا يطاق. لذا في تشرين الأول\أكتوبر من عام 2017، ذهبت إلى المستشفى العام في غرب الموصل. وقد أجروا لي فحص أشعة سينية وتحاليل وقالوا إنني بحاجة لعملية جراحية ضخمة. لكن لم تكن لديهم القدرة على اجراء العملية.

بعد ذلك، ذهبت إلى طبيب خاص. وقال إن العملية التي أحتاجها هي عملية ضخمة وستكلفني مليونيّ دينار عراقي (1664 دولارًا أمريكيًا). وقد كان وضعي الاقتصادي سيئًا في ذلك الوقت ولدينا أطفال صغار. اجتمع جيراني وجمعوا المال من أجل عمليتي. ومن ثم أجريت العملية في مستشفى خاص، ووضعوا لي تثبيتاً داخلياً

وبعد انتهاء العملية ذهبت إلى المنزل وبقيت هناك لمدة ستة أشهر. كان الألم لا يزال موجودًا وكان يزداد. مع الوقت مما دفعني لزيارة الطبيب الذي أجرى لي العملية وأخبرني أن أرتاح وأن أتحلى بالصبر. وقال لي بأن إصابتي كانت خطيرة. كما قال أيضًا إنه لا يزال هناك الكثير من الشظايا في ساقي. فبغض النظر عن كمية الأدوية التي أتناولها كان الألم لا يزال شديدًا جدًا.

وفي نهاية الأمر، كان الألم لا يطاق لدرجة أنني لم أعد أتحمله أكثر من ذلك. ولكن لم أكن أملك أي مال. بدأ الجرح يفتح وبدأت تخرج منه السوائل، لذا قمت بمراجعة المستشفى العام.

msb19277high.jpg

قام المستشفى العام بتحويلي إلى مركز رعاية ما بعد الجراحة التابع لمنظمة أطباء بلا حدود. ووصلت إلى هنا في 11 نيسان\أبريل 2018. وكنت من أوائل المرضى الذين تلقوا العلاج هناك. ومنذ وصلت إلى هنا، تم إجراء ثلاث عمليات جراحية لي. في العملية الأولى، قاموا بفتح الجرح وتنظيفه. وكانوا قلقين جدًا من كمية السوائل التي تخرج من الجرح، لذلك قاموا بإجراء بعض الاختبارات. حيث أخذوا عيّنة من الجرح ووصفوا لي نوعاً معيناً من الأدوية.

أخبروني بأن التثبيت الداخلي كان يسبب الالتهاب وهو ما كان يمنع من التحام عظامي معًا. ولذلك قاموا بإزالة التثبيت الداخلي.

كانت الحياة صعبة للغاية. وكان لجرحي تأثير سلبي على حياتي وعلى عائلتي، وعلى الطريقة التي أتفاعل بها مع أطفالي. إذ لم أكن قادرًا على اللعب معهم، ولم يكن لدينا أي مصدر للدخل. لقد كنت مكتئبًا للغاية ولم أكن قادرًا حتى على التحدث مع الناس. حتى إذا كنت أود الذهاب إلى الحمام، كنت بحاجة إلى أحد لمساعدتي. كما كنت أستخدم العكازات لأذهب إلى أي مكان. كان الأمر صعبًا جدًا بالنسبة لي. ولكن حمدًا لله أنني اجتزت المرحلة الصعبة وأنني الآن هنا."


"كل ما أريده هو أن تجتمع عائلتي معًا مرة أخرى ولا أريد أن يحصل شيء آخر لنا."

الندوب الموجودة على وجه عنود البالغة من العمر 18 عامًا لا تُظهر سوى جزء صغير من الألم الذي تحملته خلال العام الماضي. ففي عام 2017، ضربت إحدى القنابل منزل أسرتها الكائن في الحويجة، وسط العراق. كانت الخسارة والضرر الذي تكبدته الأسرة لا يوصف. انفصلت عائلتها خلال العام الماضي أثناء سعيهم للحصول على الرعاية الطبية اللازمة لعلاج جروحهم. تعكف عنود حاليًا على رعاية شقيقتها البالغة من العمر ثماني سنوات والتي تتلقى العلاج في إحدى وحدات الجراحة ورعاية ما بعد العمليات الجراحية التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في الموصل. وفيما يلي قصة عنود وبشرى:

عنود، 18 عامًا:

كان ذلك في اليوم الخامس من رمضان بالعام الماضي عندما وقع الهجوم. وقد كنّا في منزلنا الواقع في الحويجة. أصاب أحد الصواريخ منزل جارنا وكنا جالسين في حديقة منزلنا، فركضنا لنرى ما إذا كان جيراننا بخير، وأحضرناهم جميعًا إلى منزل والدي، وكانت تلك هي اللحظة التي قُصف فيها منزلنا.

فقدت أخاً وأختاً أثناء هذا الهجوم، وأصيب بقيتنا جميعًا، حيث فقدت أمي ساقها، وأصابتني شظية في عيني اليسرى، وفي يدي وفي قدمي، كما كسرت قدمي أيضًا. وأصيبت أختي الصغرى بجروح بليغة وتضررت يداها بشكل كبير.

أصابت إحدى الشظايا ركبة بشرى مما أدى إلى تهشمها. والآن رضفة ركبتها غير موجودة، كما لا تزال هنالك شظية في رأسها، ولا يرغب الأطباء بتحريكها، لأنهم يقولون إن أي حركة ستكون قاتلة. كما يوجد لديها شظايا في صدرها، ويدها، وعينها. وهي لا تستطيع الرؤية بشكل كامل. وإذا ما كانت تستخدم عينها اليمنى فلا يمكنها النظر إلى الأمام مباشرة، وإنما يتوجب عليها أن تستدير إلى اليسار.

نقلونا إلى مستشفى الحويجة، ولكنهم لم يستطيعوا معالجتنا هناك. لذلك أخذونا إلى الشرقاط. وبقيت أنا وأمي هنا، لكنهم لم يستطيعوا التعامل مع بشرى وأختي الصغيرة الأخرى. ومن ثم أرسلوهم إلى تكريت، لكنهم لم يتمكنوا من علاجهم، لذا تم إحالتهم إلى مستشفى كركوك حيث قدمت لهم أحد المنظمات غير الحكومية المساعدة.

msb19270high.jpg

تم نقل بشرى وشقيقي الصغرى الأخرى إلى السليمانية (شمال شرق العراق) لتلقي العلاج لمدة ستة أشهر، لذلك تم فصلنا عن بعضنا.

أمي موجودة الآن في لبنان مع أختي الصغرى والتي تتلقى العلاج لإصاباتها. إنهم هناك منذ شهرين. تحدثت معهم الليلة الماضية وأكدت والدتي أن أختي فقدت عينها كلياً. كما أجرى الأطباء عملية جراحية ليديها وهما الآن أفضل. ولو ظلت أختي في العراق لكانت يديها قد قطعت. وسوف يعودون خلال ثمانية أيام.

لقد نسيت الكثير مما حدث معنا. إذ كانت أحداث مروّعة حقًا وقضيت الأشهر الستة الأولى نائمة تقريبًا. كان كل ما حدث كما لو كانت أحلام يقظة، واستيقظت عندما رأيت أخواي. والدي فقط هو من يتذكر ما حدث وأخبرني عنه.

يعيش والدي وأحد إخوتي الآن في مخيم الجدعة. أصابت والدي سكتة دماغية، إنه كبير في السن وهو يقضي الكثير من الوقت وحيدًا في المخيم. الحياة صعبة حقًا.

بشرى تسأل عن والدتي طوال الوقت ولكن لا يسعني القيام بأي شيء. فبعد عودة بشرى من السليمانية كانت بخير وكانت تلعب. ولكنها لم تستطع مدّ ساقها أو أن تقوم بأي شيء بسبب قدمها، ثم أصيب الجرح بالالتهاب.

أحالتنا إحدى المنظمات غير الحكومية إلى هذا المرفق التابع لمنظمة أطباء بلا حدود. مرت ثمانية أيام منذ أن وصلنا إلى هنا. والخدمات هنا جيدة حقًا، وتم إجراء عمليتين لبشرى في ركبتها.

لا تزال ساقي تؤلمني عندما أمشي عليها. صباح الأمس، قاموا بعمل صورة أشعة سينية لساقي، وصور أشعة سينية لكافة الشظايا الموجودة في يدي ليروا ما يمكنهم فعله لعلاجها.

كل ما أريده أن تجتمع عائلتي معًا مرة أخرى، ولا أريد أن يحصل شيء آخر لنا.

هذه هي قصتي، وأنا أخبرها لأي شخص يأتي إليّ. حتى عندما يأتي الأطباء أو المنظمات، فإنني أتحدث عنها. أنا أحب أن أتحدث عن قصتي، لأن ذلك يخفف على عقلي وعلى نفسي. لذلك عندما أشعر بالضغط والحزن، هذا ما أفعله."

بشرى، 8 سنوات:

"أنا لا أذهب إلى المدرسة في الوقت الحالي، لم أذهب إلى المدرسة من قبل، ولكنني سأذهب إلى المدرسة عندما أشفى. أريد أن أتعلم وأن أكوّن أصدقاء. أريد أن أتعلم حتى أتمكن من القراءة والكتابة.

أنا ألعب مع أصدقائي في مخيم الجدعة، نحن نلعب ونرسم هنا، أنا أرسم الألعاب والزهور والأسماك والفراشات وأشياء كهذه أيضًا.

msb19268high.jpg

نذهب في المخيم إلى الحضانة. ويحضرون إلينا دفاتر ونحن نرسم ونلوّن ونكتب رسائل هناك.

في الماضي، كنّا نمرح وكان الأمر ممتعًا مع جميع إخواني وأخواتي، كنّا نلعب بالمكعبات ونرسم على اللوح الأبيض.

أنا أحب أختي كثيرًا لأنها تهتم بي وترعاني، أتمنى أن تعود عائلتي معًا مرة أخرى. لنشفى ونتعافى معًا ونعيش سوية مرة أخرى."

[عانى الكثير من الجرحى المتضررين من الحرب في الموصل –وفي مناطق أخرى بعد انتهاء النزاع في العراق مثل كركوك والأنبار وصلاح الدين – من شهور من العيش في الألم وفي انتظار الحصول على الرعاية الصحية. وتًجرى لهم في أغلب الأحيان عمليات جراحية سريعة على خطوط المواجهة أو خلفها بهدف إنقاذ حياتهم، وهم الآن بحاجة إلى جراحة إضافية، وإلى وقف الألم وللعلاج الطبيعي لاستعادة القدرة على استخدام الأطراف والعضلات المتضررة وفي سبيل منع خسارة المزيد أو كل قدرتهم على الحركة. كما يحتاج الكثير من الأشخاص إلى رعاية صحية نفسية عاجلة تزامنًا مع علاج الإصابات البليغة التي تعرضوا لها في الماضي ومحاولتهم التغلب على فقدانهم لأحبائهم نتيجةً للحرب.]

مأساة جرحى الحرب في الموصل: "لقد أجروا حوالي 15 عملية جراحية لرجلي حتى اللحظة."

لا تعلم زينب* كيف أصيبت رجلها. فآخر ما تتذكره هو أنها كانت تركض في شوارع الموصل محاولة الهرب من القتال الذي حصل بين عناصر الدولة الإسلامية والقوات العراقية. وبعد ساعات أفاقت لتجد نفسها في المستشفى بجنوب الموصل. وكانت رجلها مكسورة وخسرت الكثير من الدماء. وخلال السنة الماضية، عانت زينب كثيراً في محاولاتها للحصول على الرعاية الصحية بالموصل لعلاج رجلها. لكن في هذه المدينة التي لا زالت تحاول التعافي من النزاع، فإن المرافق الصحية التي تُعنى بعلاج الجرحى تبقى نادرة. تتلقى زينب الآن العلاج في وحدة الجراحة ورعاية ما بعد العمليات في شرق الموصل. 
هذه هي قصة زينب:

"أنا أعيش في غرب الموصل وأنا أبلغ من العمر 45 عاماً. لدي خمس بنات وولدين. وابنتي الأكبر وكذلك أغلب بناتي وأولادي لا يزالون في المرحلة الثانوية من الدراسة. إلا أن ابني الأكبر لا يذهب إلى المدرسة. قبل قدوم تنظيم الدولة الإسلامية، كان يذهب للدراسة ولكن منذ وصولهم لم يستطع الذهاب فهو لم يعد من ذلك الحين.

عندما جاء تنظيم الدولة اضطررنا للنزوح من منزلنا إلى منزل والدي. فهو يملك منزلاً من طابقين. وكان يعيش والديّ في الطابق الثاني ونحن نعيش في الطابق الأول، كنا ولازلنا نعيش في غرفة تؤوي ثمانية أشخاص منذ أربع سنوات.

تفرقت عائلتنا بعد نزوحنا من منزلنا في 11 نيسان\أبريل 2017. ولقد دست على لغم وفقدت الوعي، حيث أفقت وأنا بمستشفى بمنطقة حمّام العليل (30 كيلومتراً من الموصل). وتوجب على الأطباء أن ينقلوا لي ما مجموعه 19 وحدة دم. كما أصيبت بعض بناتي بشظايا.

تقبّلت وضعي، عندما أفقت في حمّام العليل وعرفت أنني مصابة. ولكني كنت أفكر بعائلتي وما حصل لهم. وعندما جاءتني الأخبار أنهم بخير، شعرت بالراحة كونني المصابة الأخطر بين أفراد عائلتي.

بقيت لشهر وأربعة أيام في مستشفى حمّام العليل حيث وضعولي مثبت خارجي لرجلي. ونقلوني بعدها إلى مستشفى السّلام بشرق الموصل ولكنهم أخبروني أن علاجي غير متوفر هناك، ومن هناك نقلت إلى بيت والدي.

عندما وصلت إلى البيت لم أجد أي نوع من الدواء. ولكن ممرضة كانت تأتي لتنظيف الجرح وتغيير الضمادات. وكان هذا لمدة معينة حتى أصبح الجرح أفضل.

بعدها، ذهبت لطبيب وقال أني بحاجة لعملية جراحية. وأخذ جزءاً من عظم إحدى رجلي ووضعه في رجلي الثانية. وبعد العملية بدأت عظامي تتحلّل وكانت أي حركة تتسبب لي بألم كبير. كما أنني لا زلت أعاني من كسر في رجلي. ولقد زرت طبيباً خاصاً، وكنت أراجع عنده في الفترة ما بين آب\أغسطس وأيلول\سبتمبر 2017. وقال لي أنني بحاجة لعملية أخرى حيث أن العظم كان لايزال مكسوراً وأنه بدأ يصبح نحيلاً.

لقد أزال الطبيب الخاص الصفائح الداخلية التي كانت داخل الجرح مما جعله أفضل ومكنني من المشي على عكازات. ولكن بعد ذلك حصل أمر أدى لكسر العظم. وبعد ذلك، ولمدة شهرين، ذهبنا لرؤية طبيب خاص آخر. وأجرى عملية استبدال للعظام وتثبيت داخلي. لقد استمرت العملية أربع ساعات. وكلّفتنا مليون دينار عراقي (832 دولاراً). وبعد أسبوع من العملية، أصيب الجرح بالالتهاب. وجاءت العدوى من المستشفى الذي كان متسخاً وقذراً. وبعدها وصف لي الطبيب أدوية لكنني لم أتحسن. وأحالني طبيب آخر إلى مرفق منظمة أطباء بلا حدود لرعاية ما بعد العمليات هذا.

وبعد وصولي إلى هنا أجرولي عملية. وقالوا إنّ الالتهاب سببه التثبيت الداخلي. لقد كان جرحي يخرج إفرازات وكان ذلك كلّه بسبب العملية التي أجراها لي الطبيب الخاص. وكذلك العظم الذي تم إدخاله إلى رجلي أصيب بالالتهاب. لقد أزالوا المثبّت الداخلي ونظفوا الجرح وأجروا الفحوصات. وعند ظهور النتائج وصفوا لي دواء.

لقد أجريت على رجلي حوالي 15 عملية. وعندما لجأت للطبيب الخاص اعتقدت أن تلك ستكون آخر عملية، وأن الأمر سينتهي. لكن العملية فشلت وبدأ الجرح بالالتهاب. وبعد ذلك جئت إلى هنا وأجريت لي عمليتان، ولا زال هناك ثلاث عمليات أخرى حتى تصبح رجلي صحيحة.
إن الرعاية الصحية في الموصل سيئة للغاية لأن المستشفيات مدمرة. ومنذ إصابتي لم نتمكن من زيارة أي مستشفى عام، وإنما كانت جميع زياراتي لمستشفيات خاصة.

لقد غيرت الإصابة حياتها كلها، وأرهقتني أنا وعائلتي. فكل مرة أخضع فيها لعملية أتمنى أن تكون الأخيرة."

*تم تغيير الاسم حماية لهوية المصابة