تمرير

الفلسطينيون بين نقاط التفتيش والمعاناة النفسية

25 يوليو 2018
قصة
الدول ذات الصلة
الأراضي الفلسطينية المحتلة
شارك
طباعة:

يحبس جمال الضفة الغربية المسافرين على طرقاتها لأول مرة مباشرة. حيث تشاهد مزيجاً من الخضرة المورقة والرمادية الصخرية وجبالاً تتناقض بحدة مع ازرقاق السماء، بينما تقدم بساتين الزيتون غطاءً من الفخر وتعطي المنازل القروية المؤلفة من طابق واحد انطباعاً بالهدوء.

ولكن بعد التمعن في النظر، يبدأ الزائر بالتساؤل. ما سبب وجود العديد من نقاط المراقبة العسكرية على امتداد الطرقات المؤدية للقرى وأسوار الأسلاك الشائكة والجدران غير المنتهية التي ترتفع إلى عدة أمتار؟ لماذا تمتلئ الطرقات بالأحجار وبقايا الإطارات المحروقة؟ وماذا عن اللوحات الطرقية على أطراف البلدات الفلسطينية الكبيرة التي تقول: "وفقاً للقانون الإسرائيلي فإن دخول المواطنين الإسرائيليين إلى هذه البلدة ممنوع وهو يشكل خطراً على حياتهم"؟

أُخفيت الندبات في الضفة الغربية – في المناظر الطبيعية وكذلك في عقول الناس. فقد أحدث الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني والعنف الداخلي الذي استمر للعديد من السنوات تأثيراً عميقاً، بشكل مباشر وغير مباشر، على الصحة البدنية والنفسية للفلسطينيين.

ولكن وكما يشرح المستشار النفسي لدى منظمة أطباء بلا حدود فريديرك دروغول فإنه: "في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، تأتي الصحة النفسية عادة في أسفل قائمة الخدمات الطبية المقدمة للسكان". بناءً على هذه الوضع وسعياً للاستجابة لاحتياجات السكان، تعمل فرق منظمة أطباء بلا حدود مع الفلسطينيين لرفع التوعية حول أهمية هذا الجانب الحيوي، ولكن غير المعروف إلى حد كبير، من الرعاية الطبية. فهي تتواصل مع الأشخاص في قراهم وتقدم لهم العلاج النفسي والرعاية النفسية الطارئة والدعم النفسي التربوي. في عام 2017 قدمت فرقنا في نابلس وقلقيلية والخليل العلاج لستمائة وأربع وأربعين مريضاً.

عنف ذو حدين

هناك العديد من الأشخاص في نابلس، وهي المكان الذي انطلقت منه الانتفاضة الثانية، ممن يعتقدون أن الحياة باتت أهدأ في العديد من بلدات الضفة الغربية الكبيرة منذ انتهاء الاقتتال في عام 2005. ولكن العنف لا يزال حقيقياً بالفعل. يقول أحد أعضاء فريق منظمة أطباء بلا حدود في نابلس: "لم يعد تقييم الوضع في الضفة الغربية يعتمد على عدد نقاط التفتيش أو الاشتباكات فحسب، بل يتطلب تقييم راحة البال للأشخاص وشعورهم بالأمان".

تتلقى ريما (خمسون عاماً) وهبة (ثمان وثلاثون عاماً) واستبرق (سبعة عشر عاماً) العلاج من فرق الاختصاصيين النفسيين لدى منظمة أطباء بلا حدود في نابلس. وهن يمثلن ثلاثة أجيال من النساء اللواتي يعشن وسط العنف الناجم عن قربهن من المستوطنات الإسرائيلية. ويشرحن كيف يتوغل المستوطنون في قراهم، والقذائف التي تُلقى على منازلهم بالإضافة إلى الإهانات والاستفزازات. تقول ريما: "يأتي المستوطنون إلى قريتنا بشكل دوري ويلقون الحجارة والغاز المسيل للدموع على منازلنا. في الأسبوع الماضي، رقصوا في الشوارع إلى أن قال لهم الجنود بأن يذهبوا إلى منازلهم". أما في قرية هبة، فالمدرسة هي الهدف، "أطفالنا خائفون. يركز المدرس على الدرس نصف الوقت فقط لأن عليه أن يراقب النافذة بحثاً عن المستوطنين الذين قد يقتربون منها".

بعد إصابتها بطلق ناري، تُركت استبرق لتلاقي حتفها عند مدخل المستوطنة قرب قريتها. ثم سُجنت لمدة عامين. كان عمرها أربعة عشر عاماً فقط [1]. في عام 2017.

شكّل القاصرون 44% من المرضى الذين يتلقون العلاج النفسي من فرق منظمة أطباء بلا حدود.

يضع جميع الأشخاص قضبان على نوافذهم للحماية. تنظر ريما كل يوم من نافذتها وترى المستوطنة التي قُتل فيها ابنها لاتب في عام 2016، وتقول: "كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. سمعت صوت طلق ناري وانتابني حدس مباشرة بأن ابني هو من قُتل". يستطيع الجميع مشاهدة أسطح المنازل برتقالية اللون في المستوطنات من خلال نوافذهم المحصنة – حيث تشكل ذكرى حاضرة ومؤلمة دائماً لندباتهم.

msf223458_medium.jpg
سميح، طبيب نفسي مع فريق أطباء بلا حدود في نابلس خلال جلسة علاج نفسي مع طفل يعاني بسبب ظروف حياته قرب مستعمرة إسرائيلية

msf230227_medium.jpg
الطبيبة النفسية والمترجمة مع فتاة عمرها ٤ سنوات خلال جلسة العلاج النفسي عن طريق اللعب في عيادة أطباء بلا حدود في نابلس.

من الحواجز المادية إلى الحواجز النفسية

لا يكون العنف دائماً جلياً أو مباشراً أو مادياً، فهو يختبئ بين القيود التي تلقي بظلالها على الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية.

إن الانتقال من مكان لآخر هو عمل آخر بدوام كامل. حيث يُمنع الفلسطينيون من استخدام الطرق التي تمر عبر المستوطنات الإسرائيلية "لأسباب أمنية"، ومع تزايد عدد المستوطنات، بات التنقل أمراً في غاية الصعوبة. كان الذهاب من نابلس إلى قرية كفر قدوم المجاورة يستغرق عشر دقائق، ولكن بعد بناء مستوطنة على امتداد الطريق، تم منع الفلسطينيين من استخدام الطريق. وبات الرحلة تستغرق خمسة وأربعين دقيقة بواسطة السيارة. في كل يوم جمعة، يصبح الطريق مسرحاً للمناوشات بين الجنود الإسرائيليين والقرويين الفلسطينيين.

وبذريعة "الأسباب الأمنية" ذاتها، تتم إحاطة العديد من القرى الفلسطينية – مثل قرية بيتا حيث ترعرعت هبة – بالحواجز والأسلاك الشائكة. حيث يوجد على الطريق المؤدي إلى بيتا حاجز كبير لونه أصفر فاتح لا يملك مفتاحه سوى الإسرائيليون. عندما يُعتبر الوضع مستقراً، يتم فتح الحاجز ويستطيع الناس الدخول والخروج بحرية كما يشاؤون. ولكن في أوقات أخرى، ورداً على رمي الحجارة أو اعتقال شخص ما، يغلق الجيش الإسرائيلي الحاجز وترواح القرية مكانها. يقول أحد أعضاء فريق منظمة أطباء بلا حدود: "نعيش نحن الفلسطينيون في قفص، وإسرائيل هي من تقرر فتح الباب أو إغلاقه".

نقاط التفتيس هي عقبة أخرى ينبغي على الفلسطينيين أن يتعاملوا معها في حياتهم اليومية. فبالإضافة إلى نقاط التفتيش الثابتة التي تفصل ما بين الضفة الغربية وإسرائيل والتي لا يمكن عبورها سوى من خلال ترخيص تصدره إسرائيل، هناك ما يسمى بنقاط التفتيش المؤقتة التي توضع بشكل اعتباطي – وأيضاً بذريعة "الأسباب الأمنية". تقول عائلة استبرق: "لا نعرف ما هو "السبب الأمني". كل ما نعرف هو أنه علينا أن نعود أدراجنا". يتلقى زياد* (30 عاماً) العلاج النفسي من الفرق في نابلس ويقول لنا: "بالطبع لا نستطيع أن نطلب تفسيراً من الإسرائيليين. لذلك عندما أسمع بأنه قد تم وضع نقطة تفتيش مؤقتة، أغادر منزلي في وقت أبكر من المعتاد. يتفهم مديري الأمر عندما أصل متأخراً لأنه يتم وضع نقاط تفتيش مؤقتة على نحو دائم".

msf223464_medium.jpg
شروق، عاملة إجتماعية مع أطباء بلا حدود في زيارة لعائلة من قرية سالم بالقرب من نابلس يعانون بشكل مستمر من هجمات الجنود و إثنان من أولادهم قد تم إحتجازهم في السجن

وهناك مشكلة الأراضي وإدارتها. حيث حددت بنود اتفاقية أوسلو الثانية – الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني المؤقت في عام 1995 – ثلاثة مناطق (A وB وC) في الضفة الغربية، وتقاسمت السلطة الفلسطينية وإسرائيل السيطرة. كان الهدف أن يستمر هذا الأمر لمدة خمس سنوات لينتهي بإنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة. ولكن وبعد ثلاث وعشرين عاماً ما تزال هذه السيطرة سارية المفعول ولم يتم بعد إنشاء الدولة الفلسطينية أو الاعتراف بها. وبالتالي، تجد العديد من القرى نفسها عالقة بين نظامين مختلفين للإدارة والسيطرة. يقول جمال*، مريض عمره ثمان وثلاثين عاماً: "على الرغم من أن هناك مناطق A وB وC، فالاحتلال موجود في كل مكان". ويضيف: "على الرغم من أن الجنود الإسرائيليين ليس من المفترض أن يدخلوا إلى المنطقة A، فإنهم يفعلون ذلك بكل الأحوال لأنهم أقوى مننا. من يتجرأ أن يقول لهم بأنهم لا يستطيعون الدخول؟ السلطة الفلسطينية التي لا وزن لها؟"

لا يقطن سوى الفلسطينيون في قرية ريما، وينقسم سكانها بين المنطقتين B وC. ولأن منزلها وأرضها يقعان في المنطقة C، لا تستطيع ريما أن تبني أي بناء جديد دون الحصول على إذن من السلطات الإسرائيلية. تقول ريما: "سألني جاري إن كان بمقدوره بناء طابق إضافي في منزله. يُسمح لنا بالبناء فوق منازلنا ولكن لا يسمح لنا بأبنية جديدة. استغرق الأمر سنتين ليتم تلبية طلبه".

تمتلك عائلة هبة قطعة من الأرض يزرعون فيها أشجار الزيتون منذ أجيال عديدة. تقول هبة: "تقع قطعة الأرض في قريتنا ولكنها في المنطقة C. لذلك علينا أن نطلب إذناً من الإسرائيليين للذهاب إلى أرضنا. لا يسمح لنا بالذهاب إليها سوى مرتين في العام – في المرة الأولى ليوم واحد لتجهيز التربة وفي المرة الثانية لمدة ثلاثة أيام لقطف الزيتون. هذا لا يكفي! في السنة الفائتة لم نستطع أن نقطف سوى نصف الأشجار". وتضيف هبة: "في كل الأحوال، ما الفائدة؟ في كل مرة نذهب لقطف الزيتون، نجد أن المستوطنين قد وصولوا قبلنا". غالباً ما يتخلل عملية قطف الزيتون الشتائم والصراخ وأحياناً الاعتداءات البدنية.

msf223476_medium.jpg
وسام، طبيبة نفسية مع أطباء بلاحدود، خلال جلسة توعية عن الصحة النفسية في قرية كفر قدّوم

msf223472_medium.jpg
وسام، طبيبة نفسية مع أطباء بلاحدود و شروق عاملة إجتماعية، خلال جلسة توعية عن الصحة النفسية في قرية كفر قدّوم

في مواجهة كل هذه القيود، يتسلل القلق والذعر بسرعة. يشعر الفلسطينيون في الضفة الغربية بأنهم رهن المراقبة من قبل السلطات الإسرائيلة على نحو دائم. ويتفق الجميع على أن حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي موضوعة تحت المراقبة وأن السلطات الإسرائيلية تعرف كل شيء عنهم. يقول محمد (23 عاماً): "قبل القيام بأي شيء، سواء كان نشر شيء ما على الفيسبوك أو اتخاذ خطوة في اتجاه ما، أسأل نفسي دائماً هل يمكن أن يخطئ الإسرائيليون بتفسير الأمر على أنه أمر سياسي؟ إنهم يعرفون كل شيء نقوم به". وتضيف استبرق: "في إحدى المرات على نقطة تفتيش، سأل جندي والدي: هل تتذكر ما تناولته في اليوم الفائت؟ أنا أعرف. إننا نراقبكم جميعاً". هل هذه حقيقة أم مجرد خرافة؟ لا أحد يستطيع معرفة إلى أي حد يتفحص الإسرائيليون حياة الفلسطينيين. ولكن القلق والضغط اللذين يشعرون بهما لمجرد التفكير بهذا الأمر هما حقيقيان لأبعد الحدود.

يقول زياد*: "ولكن العنف لا يأتي فقط من الاحتلال. فهو موجود أيضاً بين الفلسطينيين". ويعلق محمد: "تعمل السلطة الفلسطينية يداً بيد مع إسرائيل. لا يمكنك الوثوق بأحد. في حال حصل لك أمر سيء، فلا يمكن لأحد أن يحميك، ولا حتى السلطة الفلسطينية".

تطورت هذه الحواجز المادية وغير الملموسة وكذلك العنف – المكشوف والغادر – لتصبح حواجز نفسية في عقول الفلسطينيين على امتداد السنين. وبالإضافة إلى تجاربهم الفردية، هناك ما يسمعونه من بعضهم البعض وما يتذكرونه، ليس من قصصهم فحسب بل من قصص الآخرين أيضاً. إنها مصيبة مشتركة تحمل فيها الروح الفلسطينية الجماعية عبء المجتمع برمته. يقول أحد أعضاء فريق منظمة أطباء بلا حدود في نابلس: "يشتكي الناس غالباً من الصداع وألم الظهر والتعب الدائمين. يراجعون الطبيب ويجرون اختبارات ويتم إخبارهم بأن كل شيء طبيعي وبأنهم بصحة جيدة. ولكن هذه الأعراض هي في الواقع تجلٍ للقلق والتوتر الدائمين". ويضيف منسق مشاريع منظمة أطباء بلا حدود في نابلس: "كثيراً ما يُقال بأنه ليس هناك صحة جيدة دون صحة نفسية جيدة، وهو ما نشاهده دائماً في المرضى لدينا. فالعديد من الأعراض ما هي إلا تجليات لردات الفعل تجاه الضغوطات التي يتعرض لها الأشخاص"..

msf223461_medium.jpg
وسام، طبيبة نفسية مع أطباء بلاحدود في لقاء مع مريضة في قسم الحروق في مشفى رفيديا لتقديم الدعم النفسي. منظمة أطباء بلا حدود في شراكة مع المستشفى منذ عام ٢٠١٦

بين القدرية والاستقالة

مع مواجهة الاحتلال والعنف والقيود على مدى العديد من السنوات – وعلى الرغم من الإدانة الدولية، فإن هناك نوعاً من الوهن والقدرية الملموستين لدى سكان الضفة الغربية. تخبرنا هبة بقلب مثقل، وبناءً على الوضع الراهن، بأنها، ومثل الكثير من الأمهات، تهيأ نفسها لاحتمال أن تفقد أحد أولادها، وتقول: "تمر كافة الأمهات بهذه الحالة، فإما أن يُصاب أحد أولادهن أو يذهب إلى السجن أو يُقتل". عندما كانت طفلة صغيرة، كانت تحلم بالوصول إلى نهاية للعنف والاحتلال. وما تزال تحلم الحلم ذاته ولكن هذه المرة من أجل أولادها.

يحد العديد من الأشخاص من تحركاتهم كي لا يعرضوا أنفسهم أو عائلاتهم إلى العنف المحتمل، ومن أجل أن يضمنوا بألا يتم تفسير أعمالهم على أنها تحريض من قبل الإسرائيليين أو السلطة الفلسطينية التي من المفترض بأنها تمثلهم والتي غالباً ما يتم النظر إليها على أنها منظمة فاسدة لصالح إسرائيل. يقول جمال*: "يُعتقل الأشخاص كل يوم. وهذا يجعل الجميع يشعرون بالقلق".

بالطبع، وبالإضافة إلى كل هذه المخاوف التي تسببها الحالة الاستثنائية المتمثلة بالاحتلال، هناك الخوف والقلق الشائعين في كافة المجتمعات، مثل موت أحد الأقارب، وضغوطات العمل، والنجاح الاجتماعي والمرض والتفرقة والتمييز والاستبعاد. وبالطبع، فإن المجتمع الفلسطيني ليس غريباً عن مثل هذه التوترات. فبالنسبة إلى محمد، فإن الضغط الذي يشعره أثناء بحثه عن زوجة هو الذي يأتي به بشكل دوري للحصول على استشارة من فرقنا في نابلس، أما بالنسبة إلى غنا فهي الصدمة التي خلّفها حادث مروع تدمر فيه جزء من منزلها.

msf223480_medium.jpg
وسام، طبيبة نفسية مع أطباء بلاحدود خلال جلسة علاجية في عيادة المنظمة في نابلس، مع ثلاث أخوة يعيشون قرب المستوطنات بعد وفاة والدهم

msf223481_medium.jpg
وسام، طبيبة نفسية مع أطباء بلاحدود خلال جلسة علاجية في عيادة المنظمة في نابلس، مع ثلاث أخوة يعيشون قرب المستوطنات بعد وفاة والدهم

شوق عارم لحياة يملؤها السلام

في الضفة الغربية، هناك جسور بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو على الأقل بين الأفراد. لأسباب تجارية بشكل مبدئي. غالباً ما يعمل الإسرائيليون مع الفلسطينيين في وقت الحصاد أو في قطاع البناء وصناعة الثياب لأنهم أرخص للتوظيف. يعمل جمال* كخياط في نابلس، ويصنع الثياب لشركات إسرائيلية، ويقول: "بالطبع هناك فلسطينيون لهم علاقات جيدة مع الإسرائيليين. وأحياناً نقدم الهدايا أو النقود في الأعراس أو ولادة مولود جديد. ولكن النزاع غير مرتبط بالصداقة. إنه يرتبط بالأرض". ووفقاً لجمال فإن الحمل الإجمالي لما هو على المحك هو العائق أمام السلام.

وبحسب أحد أعضاء فريق منظمة أطباء بلا حدود في نابلس، فإن العائق سياسي بكل بساطة، ويقول: "لدينا جميعاً في الضفة الغربية ذلك الصديق اليهودي أو الإسرائيلي الذي ننسجم معه بشكل جيد. وهناك الكثير من الأماكن في العالم حيث يعيش اليهود والمسلمون بسلام جنباً إلى جنب. ولكن عندما يصبح الأمر سياسياً، فلا يعد بإمكاننا القيام بأي شيء. فالأمر خارج سيطرتنا".

لقد استُنزف الناس تماماً. يحلم الفلسطينيون في الضفة الغربية بالسلام. ويتابع زميلنا القول: "لا يسعنا القيام بأي شيء. الواقع ليس أننا لم نحاول في السنوات الفائتة. هذا الوضع مستمر منذ سبعين عاماً. ليس لدينا سبل القتال وليس لدينا قائد. الآن علينا أن نعيش. علينا أن نفكر بالمستقبل وبأطفالنا وبالسلام".

يلجأ الفلسطينيون إلى أعمال مقاومة على نطاق صغير. حيث يبقون في منازلهم بعد تعرضهم للهجوم من قبل المستوطنين، ويتابعون الذهاب إلى المدرسة، ويشاركون آراءهم بحرية على وسائل التواصل الاجتماعي، ويزرعون حقولهم، ويبتسمون في وجه العدوان. تقول استبرق: "يستمر بعض الفلسطينيين بالابتسام، حتى عندما تدمر منازلهم. هذه هي طريقتنا في المقاومة وفي إخبار الإسرائيليين بأنهم حتى لو دمروا منازلنا، فإنهم لن يتمكنوا أبداً من تدمير الشعب الفلسطيني". وكثيراً ما يسمع المرء بأن الاحتلال قد جعلهم أقوى.

يقول العديدون بأنه وبسبب عدم تمكن الإسرائيليين من تدمير الفلسطينيين أو ثقافتهم أو هويتهم، فإنهم يسعون إلى تحطيمهم نفسياً على نحو بطيء. وفي الضفة الغربية، فإن مهمة فرق منظمة أطباء بلا حدود من العاملين الاجتماعيين والاختصاصيين والأطباء النفسيين هي دعم واستعادة الصحة النفسية لشعب تهشم بفعل سنوات من الاحتلال الاسرائيلي وغير ذلك من الأسباب.


[1] منذ لقائنا الأول، جرى اعتقال استبرق مرة أخرى واحتجازها لفترة من الزمن، ولكن هذه المرة من قبل السلطة الفلسطينية، حيث كانت تحتج على إحدى نقاط التفتيش.
* تم تغيير بعض الأسماء لعدم الكشف عن هوية الأشخاص الذين قابلناهم.