تمرير

اليمن: "لا يزال الناس متفائلين بمستقبل أفضل في تعز".

30 يوليو 2018
قصة
الدول ذات الصلة
اليمن
شارك
طباعة:

msf210518high.jpg
أرون جيغان، منسق المشروع

أرون جيغان هو منسق مشروع أسترالي الجنسية وقد عاد مؤخرًا من مهمته الميدانية الثانية في تعز – اليمن.

عنف بلا معنى، وانعدام القانون، وأشخاص شجعان أنهكهم الصراع، وأمة في حالة من الفوضى: هذه كانت انطباعاتي عن اليمن قبل وصولي إليها. لقد كان هذا شعورًا داخليًا. ومن ثم ذهبت إلى مدينة تعز؛ المحطة الأخيرة للأمل من أجل السلام. سمعت العديد من المواطنين يرددون نفس الأمر:

"إذا سقطت تعز، فإن المستقبل سيسقط كذلك"

تعز، وهي ثالث أكبر مدينة في اليمن، يفصلها خط جبهة القتال. ويتعرض السكان المحليون للعنف بشكل يومي وأصبح صوت القصف المتواصل وإطلاق النار المتصاعد خلال الأيام والمدوي خلال الليالي أمرًا اعتياديًا. إذ أنني أتذكر في أحد المرات في كانون الثاني\يناير من هذا العام، عندما كنا نسمع خمسة انفجارات كل دقيقة لمدة أسبوعين.

واليوم، لا زالت القضية الرئيسية للناس في تعز هي انعدام الأمن. يومًا بعد يوم، يتملك الناس الخوف من التعرض للقتل بنيران طائشة أو قصف في المدينة. كما أنه هنالك خوف من ألا يعود أفراد العائلة إلى بيوتهم من العمل في يوم ما. كما إن حرية الحركة أكثر تقييدًا بكثير مما كانت عليه قبل الحرب، حيث تنتشر نقاط التفتيش في كل مكان، مما يصعّب على الناس الاستمرار في حياتهم كالمعتاد. فيمكنك أن تتخيل صعوبة العيش في هذه الظروف بالنسبة للسكان المحليين، ونتيجة لذلك، أعتقد أنه سيكون هناك أثر نفسي مدمر يستمر لفترة طويلة بعد انتهاء هذه الحرب.

وعلى نطاق واسع جدًا، شهدنا انهيار أنظمة الرعاية الصحية المتخصصة وأنظمة الرعاية الصحية من الدرجة الثالثة في اليمن. وقد تحدثت منظمة أطباء بلا حدود بوضوح عن هذا الأمر، مرات ومراتٍ عدة. وخلال العامين الماضيين، تراوح دفع رواتب الموظفين في المستشفيات العامة بين القليل وبين عدم دفع الرواتب، ومن دون دعم قائم على الحوافز، لا يمكن لنظام الصحة العامة أن يعمل.

تدعم منظمة أطباء بلا حدود ثلاثة مستشفيات في تعز

تقدم منظمة أطباء بلا حدود الدعم لثلاثة مستشفيات في مدينة تعز منذ عامين تقريباً، مع التركيز على أولويات حالات الطوارئ الرئيسية بما في ذلك الرعاية الطبية لمصابي الحرب والرعاية الصحية للأطفال والأمهات. وبالطبع تشكل الجراحة جزءًا هائلاً من عملنا، في حالات الحرب، ولكن الحقيقة هي أن هناك حاجة حقيقية أيضًا إلى خدمات ذات جودة عالية للأطفال والنساء الحوامل.

كما قدمنا ما معدله 2,000 استشارة حول صحة الأمهات شهريًا في مدينة تعز – وشمل ذلك حالات النساء اللواتي لم يكن بإمكانهن الحصول على الرعاية من جهة أخرى. كانت تمر على موظفينا حالات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، والأطفال الذين يعانون من عدوى متقدمة في الجهاز التنفسي. وعالجت طواقمنا الأطفال من الأمراض الشائعة التي تضخمت بسبب الافتقار إلى المخصصات المتاحة.

ولسوء الحظ، لا توجد بنية تحتية تدعم إدارة النفايات في تعز. والوضع خطير للغاية من حيث إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي. وفي العام الماضي، ساهم هذا الأمر في انتشار الكوليرا وهناك خوف من احتمال حدوث حالات تفشي في المستقبل مع تغير الفصول.

واحدة من العواقب الأقل شهرة وذات الأمد الطويل للحرب في اليمن هي مقاومة مضادات الميكروبات. ففي المرافق الصحية في اليمن، يعتبر الإفراط في وصف المضادات الحيوية ممارسة شائعة من قبل الأطباء، وبالتالي يطلب المرضى المضادات الحيوية المتوفرة بسهولة. وعليه فإن مقاومة مضادات الميكروبات مرتفعة في المجتمع لأنواع معينة من المضادات الحيوية فالوصف الذاتي أمر شائع. وفي تعز، تعمل منظمة أطباء بلا حدود مع العاملين المحليين في المجال الصحي لتقليل وصف المضادات الحيوية بشكل مفرط.

msf161110high.jpg
طبيبة طوارئ من فريق أطباء بلاحدود تفحص طفلاً لديه مشاكل في التنفس، مستشفى الأم والطفل، تعز اليمن

"كل شخص لديه قصة في اليمن."

كان الأمر الذي لفت انتباهي بشكل كبير هو رؤية موظفينا يتفاعلون مع المرضى. فنظرًا للانهيار في البنية التحتية العامة، يعمل المحترفون في مجالات مختلفة. مثل المدرسين، على سبيل المثال، لم يعد لديهم وظائف لأن نظام التعليم لم يعد له أي وجود. وقد جاء البعض للعمل مع منظمة أطباء بلا حدود في مناصب إدارية ولوجستية مختلفة.

أتذكر أنني كنت في أحد الجولات في إحدى المستشفيات مع مدرس سابق، وهو الآن موظف للدعم اللوجستي في منظمة أطباء بلا حدود. وبينما كنا نسير في جناح الطوارئ، تعرف على بعض المرضى والذين كانوا طلاباً سابقين لديه. صُدم بشدة عند رؤيتهم في حالة غير مستقرة. وتذكر بأنهم كانوا يتمتعون بصحة جيدة وكان قلقًا بشأن وضعهم الصحي حينها.

وتعرّف الطلاب على معلّمهم وتحدثوا لبعض الوقت عن الأيام السابقة. وتحدثوا عن مستقبل مظلم؛ حيث كانوا لا يرتادون المدرسة منذ حين، وأنهم اشتاقوا للأيام التي كانت فيه المدرسة هي مصدر قلقهم الوحيد – حتى ولو كان مدرسهم صارمًا للغاية، كما ذكر أحد الأولاد أن أمه وأباه كافحا في سبيل تأمين الطعام للأسرة. وأعرب عن امتنانه لتمكنه من الحصول على الرعاية الصحية المجانية ولكنه كان قلقاً من تراجع حالته، موضحاً أن الاحتياجات الأساسية الأخرى للحياة لا يمكن تلبيتها.

كل شخص لديه قصة في اليمن. كل شخص لديه ما يقوله عن كيف تغيرت حياتهم بسبب الحرب. ففي معظم الحالات، وفي معظم المجتمعات، تتوقع أن ترى أشخاصًا مكسورين. وسنة، بعد سنة من النسيان، وعدم القدرة على الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وعدم القدرة على تحمل تكاليف الطعام، ستشعر بأنك كُسرت. ولكن هذا ليس هو الحال بالنسبة لأهالي تعز.

يواصل الناس بذل قصارى جهدهم للقيام بما يمكّنهم الخروج من هذا الوضع، وعلى الرغم من أن الحرب والخوف من الموت هو حقيقة يومية بالنسبة لهم؛ لكن لا يزال السكان المحليون يأملون في مستقبل أقوى، وجنبًا إلى جنب مع المجتمع الدولي، يتمثل دورنا في مساعدتهم على تحقيق ذلك.

أرون جيغان