تمرير

معالجة ضحايا التعذيب: "عليك أن تتعامل مع كل حالةٍ من حالات الضحايا بشكلٍ يختلف عن الحالات الأخرى"

19 أغسطس 2018
تدوينة
الدول ذات الصلة
Middle East
شارك
طباعة:

تعمل ناتاليا تورينت في منظمة أطباء بلا حدود في الشرق الأوسط، حيث ساعدت في تأسيس مركزٍ جديد يُعالج فيه الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب. وهي تشرح في هذه المقالة كيف يتلقى المرضى الرعاية من قبل فريقٍ مختص من الأطباء والمعالجين النفسيين وأخصائيي العلاج الفيزيائي لمساعدتهم على التأقلم مع صدمات الماضي وتحديات المستقبل.

المرضى الذين نستقبلهم في المركز كانوا قد هربوا من بلدانهم لأسباب مختلفة. وعلى رأس هذه الأسباب النزاعات.

ولا تقتصر الصدمات التي تلقاها هؤلاء على المعاناة المتعلقة بالعيش في مناطق النزاع أو بكونهم قد اعتقلوا أو حوكموا أو خضعوا لللتعذيب، بل أنهم تعرضوا أيضاً لسوء المعاملة من قبل جهاتٍ أو أشخاص خلال رحلة الهروب.

"بعض جراحهم قد لا تكون باديةً للعيان، ويمكن حتى أن تكون الإصابات الجسدية قد شفيت، ولكن ذلك لا يعني أنهم أقل ضعفاً". ناتاليا تورنيت مديرة أنشطة أطباء بلا حدود

بعض مرضانا كانوا قد اعتُقِلوا في السجون الحكومية وتم الاعتداء عليهم جنسياً. بعضهم تركوا معلقين لعدة أيام في أماكن صغيرة ضيقة. والبعض تم صعقهم بالكهرباء في كافة أجزاء جسدهم.

هناك حالات وقع فيها المرضى أثناء هربهم من بلدانهم في أيدي مهربي البشر الذين استغلوهم بدل أن يساعدوهم.

بعض جراحهم قد لا تكون باديةً للعيان، ويمكن حتى أن تكون الإصابات الجسدية قد شفيت، ولكن ذلك لا يعني أنهم أقل ضعفاً.

كل مريضٍ هو حالة خاصة وله طرقه الخاصة في التأقلم. فالأحداث التي مروا بها أثرت عليهم بشكلٍ مختلف، كلٌ بحسب خلفيته ومحيطه الاجتماعي وثقافته أو حتى الطريقة التي ينظرون بها لأنفسهم.

عليك أن تتعامل مع كل مريضٍ بطريقة تختلف عن تعاملك مع غيره.

الطرق العديدة للتعافي

رحلة التعافي قد تختلف من شخصٍ إلى آخر.

لا نستطيع أن نفترض أنها طريقة واحدة للجميع. بالنسبة لشخصٍ ما يمكن أن يبدأ ذلك بشعوره بالأمان حين تواجده في مكانٍ ما أو ببذل الجهد لاستعادة ثقته بالإنسانية.

يمكن أن تبدأ رحلة التعافي بالنسبة لأحدهم مثلاً باستعادة القدرة على تحريك ذراعه بعد أن كان يعجز عن ذلك، واستعادته بالتالي لدوره التقليدي كمعيلٍ لعائلته.

msf236720-900x600.jpg
عبده (اسم مستعار) كان يدرس الحقوق قبل الحرب في الجامعة في سوريا. تم اعتقاله وتعذيبه أولاً من قبل النظام ثم من قبل تنظيم الدولة، وقد فقد زوجته وطفليه في الأحداث.

بالنسبة لبعضهم، يمكن أن تكون بداية التعافي في اليوم الذي يدخلون فيه المركز.

بالنسبة لآخرين، يمكن أن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً.

وضع المهاجرين

بالإضافة إلى التعامل مع الصدمة بحد ذاتها، يواجه مرضانا العديد من المشاكل الأخرى.

الصعوبات التي يواجهها هؤلاء لا تنحصر في كونهم مهاجرين في بلدانٍ جديدة بل كذلك في الظروف المعيشية الخاصة بكلٍ منهم.

كما هو الحال بالنسبة لأي شخصٍ يبدأ حياةً جديدةً في بلدٍ آخر هناك عقبات كصعوبة العثور على عمل وكيفية تأمين معيشة العائلة وكيفية التعامل مع المجتمع الجديد، وكلها أمورٌ يواجهها هؤلاء.

إلا أن هناك أيضاً أمورٌ تتعلق بالشعور بالعار الذي يمنع هؤلاء الناجين من الإفصاح عن تفاصيل تعرضوا لها في الماضي – سواء في البلد الذي هربوا منه أو أثناء رحلة الهروب.

مثالٌ على ذلك أحد مرضانا، حيث كانت المشكلة الأساسية التي يعاني منها هي عدم قدرته على كسب الرزق لإعالة أسرته. بالنسبة له، فإن عدم قدرته على العمل بسبب إصابته الجسدية شكلت وصمةً بالنسبة له وشكلت عائقاً في طريقه نحو التعافي والشفاء.

مقاربة جديدة

في المركز الجديد نتعلم كيفية إمكانية مساعدة ضحايا التعذيب كمنظمة.

msf236724-900x600.jpg
ساعدت العلاجات النفسية كمجموعة الفنون هذه نساءً كنَّ ضحاياً للتعذيب أو العنف على التعبير عن مشاعرهن والتعامل مع آثار الضرر الذي أثر فيهن.

إن دعم ضحايا التعذيب هو مسعى ليس بالسهل.

فهو يتطلب تعاون عدة أشخاص مختلفين، وليس عمل مختص وحده أو طبيب وحده أو طبيب نفسي وحده. هو جهد جماعي.

الجانب الأهم في هذا الجهد هو إعادة الاستقلالية للمريض وقدرته على التعبير.

التعافي الواقعي

من المعقد جداً تقييم مدى تعافي شخص ما.

فلكل شخص مؤشر مختلف لعملية الشفاء، لذلك نحتاج إلى مقاربة مفصلة ومخصصة.

بالنسبة للبعض، قد يكون الشفاء هو استعادة قدرتهم البدنية على التعامل مع حياتهم. بالنسبة لآخرين، قد تكون المسألة معنوية أكثر وتخص استعادة كرامتهم.

باختصار هي مسألة معقدة، وليست مجرد واحد زائد واحد يساوي اثنين.