تمرير

الرفض والصدمة: أوضاع القاصرين الوحيدين الذين يصلون إلى فرنسا

29 سبتمبر 2019
قصة
الدول ذات الصلة
فرنسا
شارك
طباعة:

يكون القاصرون الذين يصلون إلى فرنسا قد عانوا من ويلات عنف شديد أثناء الرحلة، تزداد خطورتها بفعل السياسات الرامية إلى منع الناس من الهجرة بأيّ ثمن. وتتفاقم محنة الفتيان الصغار الذين ينجحون في البقاء على قيد الحياة ويصلون إلى فرنسا نتيجة الإساءة والرفض المؤسساتي الممنهج الذي يلاقونه عند وصولهم.

القاصرون الوحيدون حسب التعريف الإداري هم الأطفال الوافدون من بلدان أجنبية ولا يتجاوز عمرهم 18 عاماً، ويصلون إلى فرنسا دون عائلاتهم. يغادر عددٌ من هؤلاء القاصرين بلدانهم طوعاً بينما تكون الأغلبية مجبرة على ذلك. ولا تقوم السلطات الفرنسية ببذل الجهد المطلوب لتوفير المأوى والرعاية المناسبين للقاصرين رغم أنّ القوانين والاتفاقيات الدولية توجب عليها ذلك. وما يزيد الوضع سوءاً هو أنّ السلطات الفرنسية تتعمّد فرض إجراءات إدارية معقدة تهدف إلى رفض هؤلاء القاصرين على أساس دراسة قضاياهم، وهو نظام يضع هؤلاء القاصرين في وضعٍ متزعزع ومحفوف بالمخاطر، ويعفي السلطات بالمقابل من أيّ مسؤولية.

وصل 40,000 قاصر إلى فرنسا عام 2018 ولم يحصل سوى 17,000 منهم على الاعتراف الرسمي كقاصرين وحيدين من قبل سلطات الأقاليم الفرنسية لتشملهم خدمات حماية الأطفال .

المصدر: وزارة العدل – قسم القاصرين الوحيدين

رحلة صادمة إلى المنفى

يقطع القاصرون الوحيدون في طريقهم إلى فرنسا رحلة طويلة ومنهكة، وغالباً ما تكون صادمة وتتّسم بالعنف على امتدادها. ولا يكتفي هؤلاء القاصرون بما لاقوه من وحشية أجبرتهم على مغادرة بلدانهم، بل يواجهون العنف الذي يكون شديداً في بعض الأحيان على طول الطريق إلى المنفى، وبالأخصّ عندما يعبرون من ليبيا (حيث يتعرّضون للأسر، والعنف الجنسي، والاعتداء الجسدي وغيرها).

قال 87% من القاصرين الذين خضعوا للفحص الطبي في مركز أطباء بلا حدود في بانتين عام 2018 أنّهم تعرّضوا للعنف، والتعذيب أو الإساءة خلال رحلتهم .

ولا تنتهي معاناة القاصرين عند الوصول إلى فرنسا، حيث يُتركون ليتدبروا أمورهم في مكانٍ مجهول دون أيّ نقود وفي وضعٍ غير آمن، وعليهم أن يتعاملوا بسرعة مع الإجراءات الإدارية الفرنسية المعقّدة لكي يحصلوا على مكانٍ في نظام الحماية ويتخلّصوا من النوم في العراء.

نظام معقّد

تُعدّ الإجراءات الروتينية المطلوبة ليحصل القاصرون الوحيدون على المساعدة أمراً مرهقاً من المنظور الإداري، حيث تتضمّن الخطوة الأولى تقييم وضع القاصر الوحيد من قبل الإدارة، وتشمل عملية التقييم مقابلة لا تزيد مدتها أحياناً عن بضع دقائق ويتمّ في نهايتها اتخاذ القرار فيما إذا كان الفتى قاصراً ووحيداً ليستطيع بذلك الحصول على خدمات حماية الأطفال.

ويقضي القانون الفرنسي بأنّ تقدّم خدمات حماية الأطفال الإقامة والرعاية الصحية والتعليم لجميع الفتيان دون سنّ 18 عاماً دون والدين أو حماية وصيّ شرعي بغضّ النظر عن جنسيتهم.

النوم في العراء

يوجب القانون على سلطات الأقاليم توفير الإقامة الفورية، والملائمة وغير المشروطة لمدّة 5 أيام على الأقل لأيّ قاصر يبدأ عملية تقييم الوضع، ولكن يقول مئات اللاجئين الفتيان أنّهم لم يحصلوا على خدمة الإقامة المؤقّتة خلال عملية تقييم الوضع واضطروا للنوم في الشوارع بانتظار اعتراف السلطات بهم كقاصرين.

وينتمي الأطفال الذين ساعدتهم منظمة أطباء بلا حدود في مركز بانتين إلى الفئة التي اعتبرت غير مُقنعة بما يكفي خلال مقابلات تقييم الوضع، وصدر الحكم النهائي المتعلّق بهم بعدم اعتبارهم قاصرين على الرغم من مطالبتهم بذلك، ليُحرموا بذلك من تلقّي المساعدة في مجال الإقامة، والطعام والرعاية الطبية والتعليم الذي سيمكّنهم من العيش بكرامة ويسهّل اندماجهم بالمجتمع. وكان أكثر من نصف الفتيان الذين زاروا المركز في عام 2018 ينامون في العراء في ذلك الوقت.

"كنت أريد النوم في محطة قطارات غار دو نورد، ولكن الوضع مخيف بسبب وجود الكثير من الأشخاص الذين يشربون الكحول ويتعاطون المخدرات، لذلك أنام قرب القناة في ساحة الجمهورية"

لا يملك القاصرون الوحيدون حلاً سوى تقديم استئناف أمام المحاكم لمحاولة الحصول على الحماية، ولكنها عملية بطيئة ومرهقة أيضاً. ويعتمد العديد من القاصرين على المنظمات الأهلية ودعم منظمات المجتمع المدني للبقاء على قيد الحياة حيث تتنصّل السلطات من مسؤوليتها في ضمان حماية الأطفال رغم أنّ القانون يفرض اعتبار جميع الفتيان قاصرين حتّى استنفاد جميع الخيارات القانونية.

ولكن ينجح العديد من الفتيان في الدخول ضمن فئة القاصرين بعد تقديم الاستئناف إلى المحاكم، وهو ما يدلّ على التقصير الذي يعتري عمليات التقييم التي تقوم بها سلطات الأقاليم، والتي غالباً ما تكون تعسفيّة وسطحية.

ساعدت منظمة أطباء بلا حدود 431 قاصراً وحيداً في مركز بانتين عام 2018، حيث نجحوا في رفع دعاوى استئناف لإعادة النظر في طلب الحصول على الحماية، وحصل 57.5% على الاعتراف بهم كقاصرين ووُضعوا ضمن برنامج خدمات حماية الأطفال .

صراعٌ مرير لتوفير الرعاية الصحية

يخوض القاصرون الوحيدون الأجانب صراعاً مريراً للحصول على الرعاية الصحية، ولا يحصل القاصرون أو البالغون على الرعاية التي غالباً ما تكون متقطّعة وغير ملائمة. وتحول الإجراءات الإدارية المتزمّتة دون حصولهم على الحماية الاجتماعية رغم أنّ القانون الفرنسي يلزم توفير الحماية والرعاية الصحية لجميع القاصرين الموجودين على الأراضي الفرنسية، ولكن الدولة لا تأخذ بعين الاعتبار الوضع الخاصّ لهؤلاء الفتيان. ولا تقتصر حاجة هؤلاء القاصرين على الرعاية الطبية فهم بحاجةٍ أيضاً إلى الدعم النفسي نظراً إلى الظروف المروّعة والتعذيب المحتمل الذي لاقوه أثناء رحلتهم إلى جانب ظروف العيش في الشوارع في فرنسا.

يعاني 34% من الفتيان الذين فحصهم المختصون النفسيون في مركز أطباء بلا حدود في بانتين من اضطرابات توتّر ما بعد الصدمة التي تحتاج إلى علاج فوري قبل أن تصبح مزمنة. ويشكّل علاج المرضى الأجانب القاصرين والوحيدين تحدياً كبيراً لأنّه يتطلب الأخذ بعين الاعتبار انعدام الاستقرار المفرط في حياتهم، ويصبح هذا الأمر شبه مستحيل خارج برنامج خدمات حماية الأطفال.

وواقع الأمر هو أنّ الرعاية المقدمة للقاصرين الوحيدين لا تتيح لهم التخلّص من انعدام الأمن الذي يطغى على ظروفهم المعيشية، ناهيك عن توفير الرعاية الصحية. والأسوأ من ذلك كلّه هو أنه يبدو وكأنّه مصمَّمٌ بطريقة لثنيهم عن المطالبة بالمساعدة التي يستحقّون الحصول عليها.

في صور... تعرف على رحلة علي الطويلة في باريس

version_1_1.jpg