تمرير

أفغانستان: استمرار انعدام الأمن للمرضى في خضم عملية سلام

21 ديسمبر 2020
نشرة صحفية
الدول ذات الصلة
أفغانستان
شارك
طباعة:

لقد كانت سنة 2020 سنة تاريخية لأفغانستان، ففي فبراير/شباط من هذا العام وبعد مرور 20 عاماً على الغزو الأمريكي، وقّعت الولايات المتحدة اتفاقاً مع الإمارة الإسلامية – المعروفة باسم طالبان – يمهد الطريق لانسحاب مشروط للقوات الأمريكية. وكانت محادثات أفغانية-أفغانية بين طالبان والحكومة انطلقت في سبتمبر/أيلول في الدوحة.

ويوافق هذا العام مرور أربعين عاماً على بدء أطباء بلا حدود العمل في البلاد، وحسب ما نشاهده فما زال هنالك حاجة إلى تحسينات في توفُّر الرعاية الصحية لمرضانا.

ليس أمامهم من خيار سوى مواصلة قطع رحلات خطيرة للوصول إلى الرعاية الصحية. وتأتي هذه التحديات وسط موجة ثانية من كوفيد-19، إضافة إلى التداعيات (التي سرعان ما سيظهر أثرها) الناجمة عن خفض تمويل المانحين لبلد تتزايد فيه الاحتياجات الإنسانية.

فيما يلي نقدم لكم نظرة على المصاعب التي ما زال مرضانا يواجهونها في الحصول على الرعاية الصحية وما تشهده فرقنا عندما تصل إلى هناك.

مدينة لشكر كاه، إقليم هلمند

كانت صفية حاملاً في شهرها السابع عندما اخترقت رصاصة طائشة جسمها أمام منزلها. وبعد أن قطعت مسافة عدة ساعات لتصل إلى أول مرفق صحي – إذ اضطرت لأخذ طريق أطول لتجنب مناطق المعارك – وصلت إلى مستشفى بوست الإقليمي المدعوم من أطباء بلا حدود في مدينة لشكر كاه، عاصمة إقليم هلمند.

كان مستشفى الإصابات البالغة الذي يضم 100 سرير مليئاً بالجرحى خلال 24 ساعة من المعارك الشديدة، بينما كانت فرقنا تحضّر لتكييف العمل بمقتضى فائض المرضى جاءت صفية. خضعت صفية لعملية قيصرية لإنقاذ حياتها، لكن بالرغم من جميع الجهود، فطفلتها التي انتظرت أربعة أعوام لتحمل بها لم تعش. لقد قتلت الطلقة طفلتها وهي في بطنها.

وتقول ماريانا كورتيسي، منسقة مستشفى أطباء بلا حدود: "جلستُ مع صفية صباح اليوم. كانت مازالت تتحلى بالقوة والشكيمة، لكن حُرقتها في جناح الأمومة مازالت تنهكني. لم تحظَ مولودتها الأولى بالسلام، لا في رحم أمها ولا في القبر".

msf328863_medium.jpg

عملت أطباء بلا حدود في مستشفى بوست الإقليمي منذ عام 2009، ولم تشهد منذ عام 2016 عنفاً كالذي حدث في أكتوبر/تشرين الأول. ففي غضون أسبوع واحد فقط حيث كانت فرقنا تستجيب فقط لفائض الجرحى عالجنا 62 مصاباً بأعيرة نارية أو بشظايا ناجمة عن القصف وإصابات ناجمة عن انفجار قنابل وعبوات ناسفة.

لم يكن مصدر قلقنا الجرحى فقط، ففي كل أسبوع من تلك الفترة كان عدد المرضى الذين يتم فرزهم في قسم الطوارئ ينخفض بمقدار 700 مريض، وانخفض عدد المرضى الذين يدخلون قسم الرقود بنحو 100 مريض. ودلَّ هذا على أن الناس الذين لديهم إصابات أو أمراض مهددة للحياة لكن غير مرتبطة بالنزاع لم يتمكنوا من الوصول إلى المستشفى بسبب انعدام الأمن على الطرقات.

مدينة قندهار، إقليم قندهار

مراد خان، مريض في برنامج السل الذي تديره أطباء بلا حدود في قندهار. وقد أخبرنا أن أحد الطرق التي كان يسلكها لاستلام دواء السل خاصته لم يعد آمناً. وفي الكثير من الأحيان بينما يسافر من إقليم إلى آخر للوصول إلى مركز علاج السل يضطر للانتظار حتى خمس ساعات حتى تهدأ المعارك ثم يواصل رحلته. وكان يسافر مع أربعة من أبنائه المصابين بالسل أيضاً.

وسواء يصاب الناس بالأعيرة النارية أو يُشخَّصون بالسل، فالنتيجة ذاتها بدون وجود مرفق صحي يعالجهم. ولا يستطيع الآخرون الوصول إلى الخدمات القليلة المتوفرة بسبب انعدام الأمن أو تكاليف التنقل أو الوصول إلى مرفق لا يوفر علاجاً لحالتهم. بالنسبة للنساء الأفغانيات يشكل الوصول إلى الرعاية الصحية تحدياً أكبر، إذ ينبغي أن يكون هناك مرافق مستعد لمرافقتهن.

إقليم خوست

شاملة، عمرها 31 عاماً وهي أم لستة أولاد. وصلت إلى مستشفى الأمومة الذي تديره أطباء بلا حدود في مدينة خوست في نوفمبر/تشرين الثاني. وكانت مشاكل أسرية حالت دون ولادة أربعة من أولادها في المستشفى، لكنها تمكنت من إقناع بعض أفراد أسرتها من مرافقتها للمستشفى في ولادة آخر طفلين لها إذ كانت تشعر بالضعف الشديد.

msf210809_medium.jpg

عندما بدأت تشعر بآلام المخاض في حملها الأخير، طلبت أيضاً من أفراد أسرتها الذكور أخذها إلى المستشفى. كان الوقت مساءً ورفضوا أخذها، خشية التعرض لهجوم على الطريق. وقالوا لها أن عليها أن تحتمل الألم حتى الصباح. وفي اليوم التالي عندما كانوا في طريقهم إلى مستشفى الأمومة فقدت شاملة جنينها.

مدينة هرات

تعيش قمر جول في مخيم للنازحين في هرات، في غرب أفغانستان، منذ ثلاث سنوات. جاءت إلى هرات من منطقتها في إقليم فارياب بعد أن هوجمت نقطة التفتيش التي كان يتموضع فيها زوجها. ومن حينها لم تسمع عنه شيئاً ولا تدري إن كان مازال حياً.

في ديسمبر/كانون الأول 2018 أنشأت أطباء بلا حدود ما كان ينبغي أن يكون ’عيادة شتوية‘ فقط، لتقديم الرعاية الصحية للأطفال ضمن الأسر النازحة حديثاً إلى هرات.

ومع ارتفاع عدد الناس وتزايد الاحتياجات الصحية في المخيمات ومغادرة منظمات أخرى، بقيت عيادتنا الوحيدة في المنطقة.

وبالرغم من طول المعاناة التي يكتنفها العيش في مخيم مرتجل يُعدُّ حلاً مؤقتاً فقط، فلا تشعر قمر جول بعد أن الوضع أصبح آمناً للعودة إلى بيتها مع بناتها.

هجمات على الرعاية الصحية

السفر إلى مرافق الرعاية الصحية في أفغانستان أمر خطير، لكن الوصول إلى أحدها لا يضمن سلامة مرضانا أيضاً. لقد مر مرضانا وطواقمنا بهذه التجربة المؤلمة صباح يوم 12 مايو/أيار، عندما اقتحم مسلحون جناح الأمومة الذي تديره أطباء بلا حدود في مستشفى دشت برجي الذي يضم 100 سرير في غرب كابل.

وقد قتل المهاجمون بالرصاص 16 أماً في أسرَّتهن – بينهن خمس كانوا على وشك الولادة – وزميلتنا القابلة مريم، وطفلين كانا هناك لأخذ لقاح دوري وستة أشخاص آخرين.

وقع هذا الهجوم الوحشي بعد خمس سنوات من غارة أمريكية دمرت مركز أطباء بلا حدود لعلاج الإصابات البليغة في قندوز وأودت بحياة 24 مريضاً و14 موظفاً وأربعة مرافقين لمرضى.

msf321993_medium.jpg

ما زالت أفغانستان تشهد هجمات على المرافق الطبية حيث سُجلت 67 حادثة من قبل منظمة الصحة العالمية بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول 2020.

يستمر العنف العشوائي في كونه السبب الرئيسي لإصابات المدنيين، كما أن أنشطة الحياة اليومية كالسفر إلى ومن مرافق الرعاية الصحية تعرّض حياة الناس لخطر الإصابة أو الموت. الطرق في الغالب غير سالكة بسبب المعارك الدائرة أو أنها مزروعة بالعبوات الناسفة.

وإذ يعد الوصول إلى الرعاية الطبية من بين الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً في أفغانستان، فإننا قلقون تجاه مرضانا الذين يعلقون وسط المعارك الدائرة أثناء محاولتهم الوصول إلى المرافق الصحية. كما نلاحظ أيضاً تناقضاً بين الرواية الرسمية حول المكاسب المدعومة دولياً على صعيد نظام الرعاية الصحية العامة وبين الواقع على الأرض.