تمرير

أطباء بلا حدود تدير عيادات جوالة في شوارع باريس لتوفر للذين ينامون في العراء خدمات طبية

15 ديسمبر 2020
COVID-19
الدول ذات الصلة
فرنسا
شارك
طباعة:

السماء غائمة صباح اليوم ودرجة الحرارة تحوم حول الصفر في بورت دو سانت وان. غير بعيد عن طريق باريس الدائري، وفي مكان محاطٍ بالمباني قرب ملعب كرة القدم، يسلّم متطوعون بستراتٍ عاكسةٍ براقةٍ القهوةَ ووجبات الفطور لعشرات الأشخاص الذين تبدو عليهم علامات الإرهاق. العديد منهم يعيشون في الشارع منذ سنوات، بعضهم افتقر في الأزمة الأخيرة، وآخرون هم مهاجرون ليس لديهم وصول للملاجئ الطارئة، لكن تداعيات جائحة كوفيد-19 هي التي فاقمت كل ذلك.

التشرد والجوع والوحدة والمعاناة المستمرة والبرد جميعها تسهم في إضعاف صحة الناس الجسدية وأحياناً النفسية. لكن الذين ينامون في العراء والذين يعيشون حياة غير مستقرة ومحفوفة بالمخاطر يتوقفون في الغالب عن طلب العلاج الطبي بالكليّة.

تشغّل أطباء بلا حدود عيادات جوالة خمسة أيام في الأسبوع كي تصل للذين ينامون في العراء. ويتم اختيار الموقع بعناية. ويقول منسق المشروع جان-فرانسوا فيران: "يتيح لنا الوجود قرب مطابخ الحساء أن نلتقي الأشخاص الذين يعانون أشد المحن. يأتون إلى هنا ليتناولوا الطعام ثم يروننا بالقرب منهم".

يذهب العامل الاجتماعي نيكولاس للتحدث مع الأشخاص الجالسين على المقاعد وهم يأكلون. يسمعهم ويشير عليهم ويوجههم إلى الملاجئ المخصصة للنساء وإلى جمعية تساعد متعاطي المخدرات، وأخرى تساعد طالبي اللجوء في طلبات لجوئهم. ولكل من يحتاج رؤية طبيب فالعيادة الجوالة على بعد خطوات.

ينتظر المرضى المحتمَلون في طابور كي يقوم كل من ماثيو وأكرم بتسجيل أسمائهم ويسألانهم عن سبب قدومهم ويقدمان لهم المزيد من القهوة. في بعض الأيام يكون هناك مترجم لتسهيل الاستشارات التي يقدمها الفريق. الرعاية الطبية متاحة للجميع وبالمجان، ولا يتطلب الأمر تأميناً صحياً. وبالنسبة للذين يفضلون عدم ذكر اسمهم، لا يتطلب الأمر وثائق تعريف. لقد زادت جائحة كوفيد-19 وأعادت تشكيل الفئة المتنوعة من الأشخاص الذين ينامون في العراء. الكثيرون منهم فقدوا أعمالهم ولم يأتوا في حياتهم إلى مطبخ حساء من قبل، وآخرون لم يتمكنوا أو لا يعرفون كيفية تجديد حقهم في التأمين الصحي. جميعهم تقريباً في حيرة وارتباك إذ أن المرافق الصحية التي اعتادوا الذهاب إليها والجمعيات التي تدعمهم إما مغلقة أو أن ساعات عملها أصبحت محددة. ومن الواضح وجود نقص في المعلومات، فلا يعرف الناس إلى أين يتجهون.

تتقاسم كريستين، التي ترتدي سترة وردية مبطنة وكمامة، مقعداً مع بلال، وهو طالب لجوء أفغاني عمره 31 عاماً. تبدو كريستين مشوشة، وتقول أنها هربت من عيادة كانت سترسلها إلى دار للمسنين، ويشرح بلال أنه تم إجلاؤه من مخيم في سانت دنيس، ثم من مخيم آخر في بلاس دو لا ريبابلك. ويقول وهو يجلس القرفصاء: "في حدائق سانت دنيس، ولا شابيل، وبورت دو لا فيليت. في أي مكان، لكن أياً منها لا يوفر لي سقفاً فوق رأسي".

نحو 400 مهاجر يعيشون في ظروف مشابهة. متناثرون في باريس وضواحيها، وهم ضحايا لسياسة تضييق وهدم تمنعهم من إقامة مخيم في أي مكان آخر – حتى لو لم يكن هناك ملجأ بديل. يبذلون ما في وسعهم للبقاء متوارين عن الأنظار. ويتابع جان فرانسوا فيران: "إن تبعات هذه الأساليب التي تُستخدم منذ سنوات عديدة وقد تصاعدت في الأشهر الأخيرة، تصبح أكثر حدة في زمن الجائحة. الناس الذين يحتاجون دعماً ورعاية طبية باتوا أكثر خفاءً وأكثر خوفاً كما أننا نفقد الوصول إليهم. يصل كثيرون إلى عيادتنا وهم مرهقون ومحرومون من النوم".

جاء دور كريستين وبلال، ويقوم ممرضا أطباء بلا حدود ساندرين وسنان بفحص كل منهما على حدة في خيام صغيرة مجهزة بالمدافئ الكهربائية التي تغذيها بالكهرباء مولدات صاخبة. يفحص الممرضون، وقبعاتهم على رؤوسهم، العلامات الحيوية لمرضاهم (ضغط الدم والنبض ودرجة الحرارة) ويقدمون العلاج – الضمادات ويصرفون الدواء بدون وصفة، وفحوص المستضدات للذين تظهر عليهم أعراض كوفيد-19، إلخ – الذي لا يتطلب تدخل طبيب.

تنتهي زيارات بعض الأشخاص إلى العيادة في شاحنة حُوِّلت إلى غرفة استشارات، حيث يستقبل أليكس، الطبيب العامل مع أطباء بلا حدود، المرضى الذين بحاجة لوصفة أو لفحص طبي أكثر شمولاً. أحدهم بلال، لأن لديه مشاكل في المعدة منذ 10 سنوات. يتحدث بفرنسية مترددة لكن دقيقة بعد ثلاثة أشهر فقط في فرنسا، يكرر زيارته عدة مرات خلال الصباح حيث يترجم مساعداً أبناء بلده.

معظم الاعتلالات التي تراها الفرق الطبية هي نتيجة العيش في الشارع - أوجاع وآلام ومشاكل جلدية وهضمية وتقرحات شديدة والتهابات – ولدى بعض المرضى مشاكل صحة نفسية وشعور حاد بالخذلان والعزلة. ولا شك أن النوم في العراء يزيد من خطر هذه الأنواع من المشاكل، ضمن حلقة مفرغة.

تساعد عيادات أطباء بلا حدود الجوالة على ضمان أن يستمر هؤلاء الناس الضعفاء في الوصول إلى الخدمات الطبية لكوفيد-19 أو غيره. كما تمكننا هذه العيادات من الحفاظ على اتصال قريب ومراقبة الصحة الجسدية والنفسية للذين ينامون في العراء كي نتمكن من تكييف استجابة ملائمة وتقديمها لاحتياجاتهم.

بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني بدأت أطباء تسيير عيادات جوالة قرب مطابخ الحساء لمساعدة الناس الذين يعيشون في الشوارع في باريس. تفتح العيادات أبوابها خمسة أيام في الأسبوع، ويقدم طبيب العيادة والممرضون والمختص اللوجستي والعامل الاجتماعي الرعاية الصحية الأولية والمعلومات وفحوص كوفيد-19. أُطلقت هذه الخدمة في البداية كعملية أسبوعية (يوم في الأسبوع) في عام 2017 ثم زِيدت إلى خمسة أيام في الأسبوع من مارس/آذار حتى يونيو/حزيران خلال الموجة الأولى من الجائحة للاستجابة لاحتياجات الناس الملحة.

في نهاية الأسابيع الثلاثة الأولى، حصل 250 مريضاً على فحوص طبية في العيادة الجوالة وأحيل 50 إلى مرافق مختلفة من قبل العاملين الاجتماعيين.