تمرير

الخوف من العنف وظروف العيش المتردية: الحياة داخل أكبر مخيم للنازحين في جنوب السودان

1 يناير 2021
قصة
الدول ذات الصلة
جنوب السودان
شارك
طباعة:

في مسكن مصنوع من أعشاب الثيوم الأرجواني والصفائح البلاستيكية في موقع حماية المدنيين في بنتيو، في شمال جنوب السودان، تُعِدُّ امرأة أرملة الطعام لأولادها. تُحضّر نيامال*، 43 عاماً، طبق ’والوال‘ التقليدي، وهو نوع من العصيدة. ترتدي ثوباً أصفر لامعاً، وتجلس على كرسي منخفض بالقرب من المدخل. يمكنها هكذا رؤية أطفالها وهم يلعبون في الخارج ومراقبة القدر المستقر فوق الجمر على الأرض. وتقول: "قررت أن آتي إلى موقع حماية المدنيين في عام 2014 لأن بيمروك (التابعة لبنتيو) لم تكن آمنة لأطفالي. لم نستطع البقاء في منطقة حرب. وإذا ما حدثت اشتباكات وعلقنا وسطها فقد يُقتل الجميع".

اندلع النزاع المسلح في البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2013. وقد أُجبر الآلاف مثل نيامال على الفرار من قراهم وطلب الحماية في قواعد بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS) في أجزاء مختلفة من البلاد. وفي بنتيو حالياً أكبر موقع لحماية المدنيين وفيه 97,300 شخص يعيشون في ظروف مشابهة لظروف نيامال.

مسكن نيامال أكبر من كثير من مساكن أخرى تزورها أطباء بلا حدود عند القيام بأنشطة توعية المجتمع حيال الوقاية من الأمراض الشائعة في المنطقة وعلاجها، كالإسهال والملاريا. في مسكنها ثلاثة أسرّة في غرفتين لجميع الأسرة. في الوسط يوجد ممر تستخدمه للطبخ وتخزين أغراض المنزل وعلب الماء. لا يوجد مرحاض ولا حمام ولا ضوء.

بالرغم من الأمان النسبي الذي يوفره وجود الأمم المتحدة، قامت مجموعة من المسلحين في عام 2018 باقتحام البيت وتهديد الأسرة وأخذ جميع ممتلكاتهم. وتضيف نيامال: "من حينها وأنا لا أستطيع النوم مطمئنة البال. فدائماً ما أتخيل أن أحداً ما قد يدخل علينا".

ظروف عيش متدنية وأمراض يمكن الوقاية منها

تدير أطباء بلا حدود مستشفى يضم 116 سريراً في موقع حماية المدنيين في بنتيو وفيه قسم للرقود وقسم طوارئ للأطفال والكبار إضافة إلى قاعة للعمليات الجراحية. ومن ضمن مرضى العمليات الجراحية أشخاص من مناطق أخرى من جنوب السودان يُحالون من قبل فرق أطباء بلا حدود في مشاريع بييري ولانكين ويُنقلون بالطائرة وسط الصدامات العنيفة والمعارك المستمرة في ولاية جونقلي.

يقدم المستشفى أيضاً رعاية الأمومة وتشمل حالات الولادة ذات المضاعفات ورعاية الناجين من العنف الجنسي ورعاية الصحة النفسية وعلاج الإيدز والسل وسوء التغذية. في عام 2019 حصل أكثر من 49,000 شخص (من داخل وخارج موقع حماية المدنيين) على الرعاية في المرفق. وعالجت فرق أطباء بلا حدود من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول 2020 أكثر من 80,000 شخص، معظمهم من الملاريا وعداوى المجرى التنفسي. وتدير أطباء بلا حدود أيضاً بئر ماء للمجتمع وتوزع الصابون ومستلزمات النظافة الأخرى.

msb31555high.jpg

في عام 2019 أجرت أطباء بلا حدود مسحاً في موقع حماية المدنيين لتقييم ظروف المعيشة، وأظهرت الدراسة التي اختتمت في مارس/آذار أن أقل من 60 في المئة فقط من الأسر لديهم إبريق ماء خاص بهم لتنظيف أنفسهم بعد قضاء الحاجة. وتشمل المخاطر التي قد تسببها هذه الظروف المتردية على الصحة أمراض الإسهال والتهاب الكبد E والكوليرا وحمى التيفوئيد والتراكوما وإصابات الجلد. ويمكن تفادي العديد منها من خلال تحسين توفر الماء والصرف الصحي – وهو ما دعت إليه أطباء بلا حدود مراراً.

الأطفال دون سن الخامسة هم الأكثر عرضة للتأثر. وقد كان من بين الذين أدخلوا إلى قسم الرقود في مستشفى أطباء بلا حدود هذا العام 562 طفلاً لديهم سوء تغذية حاد شديد، والكثيرين أيضاً لديهم أمراض يمكن الوقاية منها، والعديد قد ولدوا خُدَّجاً لأن أمهاتهم كن مريضات أيضاً.

ويوضح فيليب مانينيو، منسق مستشفى أطباء بلا حدود في بنتيو: "لا تستطيع النساء الاعتناء بأطفالهن طوال الوقت لأنهن يمضين ساعات في جمع الحطب خارج موقع حماية المدنيين أو يقمن بأعمال يدوية أخرى لكسب معيشتهم. فتلك هي الطريقة لكسب المال والإنفاق على الأسرة". ويضيف: "هؤلاء الأولاد لا يجدون في الغالب مكاناً نظيفاً للنوم أو اللعب. فالتعرض لمدة طويلة للأمراض المزمنة، مصحوباً بسوء التغذية، يقلل من مناعتهم ويجعلهم أكثر عرضة لأمراض أخرى. وبالرغم من كل جهودنا فقدنا هذا العام تسعة في المئة من الأطفال المصابين بسوء التغذية في مستشفانا. هو أمر مزعج ومقلق".

مستقبل غير مضمون

جددت اتفاقية السلام الموقعة في عام 2018 الجدل حول عودة النازحين إلى قراهم. في يوليو/تموز 2020 أعلنت بعثة الأمم المتحدة أنها تنوي بدء عملية تسليم المواقع الخمسة لحماية المدنيين في البلد. أي أن المخيمات ستبقى لكن مسؤوليات الإدارة والأمن ستنتقل من الأمم المتحدة إلى الحكومة الوطنية. وقد جلب الإعلان ردود فعل سلبية من الناس في موقعي بور وجوبا لحماية المدنيين، حيث بدأت عملية النقل بالفعل، ويقول الكثيرون أنهم لم يُبلَّغوا بانسحاب جنود الأمم المتحدة ويعيشون الآن خائفين. وقد سمعت فرق أطباء بلا حدود في بنتيو عن مخاوف مشابهة تطرق إليها مرضى وأفراد آخرون من المجتمع، معظمها تتعلق بظروف الأمان والأمن حالما لم تعد الأمم المتحدة توفر الحماية هناك.

نياكوانغ*، تبلغ من العمر 30 عاماً، وقد جاءت بضع مرات إلى جناح رعاية الأمومة لدى أطباء بلا حدود. تعيش في مسكن من غرفة واحدة مساحته 16 متر مربع، تتشاركه مع ثلاث أسر أخرى، مجموع عددهم 8 أفراد. وتحكي لأطباء بلا حدود مخاوفها: "هذه ليست هي الحياة التي أريدها لأولادي ولنفسي. أريد أن أكون في مكان يتيح لي الدراسة ويوفر لأولادي الأمان وفرصة التعلم في المدرسة. فالتعليم هو ما يمكن أن يغير حياتهم".

وتضيف نياكوث*، وهي امرأة في الخمسين من العمر، من روبكونا: "جمعت الأمم المتحدة الناس هنا وأخبرتنا أنها ستغادر هذا الموقع. قلنا لهم أنهم إن غادروا سنتضرر. لم يشرحوا كيف سيفعلون ذلك أو متى. ولا أعلم ما إن كنا سنكون محميين".

وسط غياب اليقين، تُطمئن فرق أطباء بلا حدود المجتمع أن الرعاية الطبية لأهالي بنتيو ستستمر بغض النظر عن وضع حماية الأمم المتحدة.

*تم تغيير الأسماء