تمرير

إثيوبيا: سكان ريف تيغراي يعانون من آثار الأزمة والإهمال في المجال الإنساني

10 مايو 2021
نشرة صحفية
الدول ذات الصلة
إثيوبيا
شارك
طباعة:

يعيش العديد من سكان تيغراي الذين لا يتجاوز عددهم ستة ملايين نسمة في مناطق جبلية وريفيّة بعيدًا عن أعين العالم الخارجي. رغم عمل عدد من فرق المساعدة الإنسانيّة في المدن الرئيسة الواقعة في هذه المنطقة الشماليّة الإثيوبية خلال الأشهر الأخيرة، فشلت المساعدات في الوصول إلى غيرها من المجتمعات النائية التي تأثّرت بشدة من جراء النزاع. ولم يتمكن الكثير من الناس من الحصول على الرعاية الصحيّة والخدمات الأساسيّة الأخرى خلال الأشهر الستة الماضية وما زالوا حتى الآن يعيشون في حالة من الخوف.

عندما وصل فريق متنقل صغير تابع لمنظمة أطباء بلا حدود إلى أديفتاو لأوّل مرّة في منتصف مارس/آذار، اكتشف تعرض المركز الصحي في المنطقة للنهب والتدمير الجزئي. رُمِيَت الملفات الطبيّة والمعدات المحطّمة وعبوات الأدوية الممزقة بشكل عشوائي على أرضيات الغرف كافة، كما كانت الأسرّة خالية من المراتب ومن أي طاقم طبي عامل في المركز.

تقع قرية أديفتاو في قلب النزاع الإثيوبي القائم حاليًا في إقليم تيغراي، وتبعد ثلاث ساعات من شمال أكسوم على طول الطرق الوحلية الجبلية.

ما شهده الفريق لم يكن بالأمر الجديد بل عكس التجارب التي واجهتهم في معظم زياراتهم السابقة إلى أيّ مكان جديد في كافة أنحاء تيغراي، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب[1].

في الأشهر التي انقضت منذ نوفمبر/تشرين الثاني، لم يتمكّن 10 آلاف شخص يعيشون داخل قريّة أديفتاو أو بجوارها من رؤية الطبيب أو الحصول على طلب إحالة إلى المستشفى للحصول على رعاية متخصصة. وبعد فترة وجيزة من قيام فريق منظمة أطباء بلا حدود بتنظيف المركز الصحيّ وفتح عيادة متنقّلة مؤقّتة، حضر العشرات من الأشخاص الذين وصلوا من جميع أرجاء المنطقة.

بالرغم من أنّ الأغلبية كنّ أمهات يحملن أطفالًا صغارًا على ظهورهن، أتى آخرون على غرار رجل مسن يجلس على كرسي خشبي مثبت على نقالة مرتجلة يحمله شابان، وبدا أنّه مصاب بالملاريا؛ كما وصلت العديد من النساء المسنات اللواتي يعانين من الأمراض المزمنة. ومع ذلك، لم يحصل الجميع على المساعدة حيث ركّز الطاقم الطبيّ على الأطفال والحوامل والأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية طارئة.

وبعد حوالي ساعة من بدء عمليّة فرز المرضى، اضطر طاقم منظّمة أطباء بلا حدود إلى الإعلان عن توقف استقبال المرضى في ذلك اليوم، لأنّ الأطباء ببساطة لم يعودوا قادرين على رؤية أيّ شخص آخر في غضون الساعات الثلاث المخصصة لإجراء الاستشارات[2].

تأثير كبير للعنف

إلى جانب احتياجات الناس الصحيّة، أخبرنا شيوخ المجتمع في المنطقة أنّ العنف أثّر على الناس بشدة. وكان الجنود لا يزالون يحتلون بعض المزارع، ومطحنة القرية غير صالحة للعمل، وشبكة المياه معطّلة بعد أن أُطلق النار عمدًا على مضخات الآبار. ونتيجة لذلك، اضطر القرويون إلى المشي لساعات لإحضار المياه من نهر الذي يُعدّ، حسب قولهم، مصدرًا للأمراض كالإسهال.

خلال فترة زيارة فريق منظمة أطباء بلا حدود، كان أكثر من 100 منزل قد تعرض للحرق أو تضرر نتيجة القصف وغيره من أعمال العنف. وبحسب المصادر، لقي العشرات من السكان مصرعهم أو فقدوا، ويُعتقد أنّ بعضهم ما زال يختبئ في الجبال. وعاد بعض القرويين في الأسابيع الأخيرة ليجدوا أنّه لم يعد لديهم سقف يأويهم لأنّ منازلهم متضررة، فضلًا عن انتقال ناس من مدن أخرى مثل هوميرا وشيراو في غرب المنطقة، للعيش فيها بعد أن أجبروا على الفرار من منازلهم.

قال منسق الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود توماسو سانتو، "عندما وصلنا إلى تيغراي في أواخر العام 2020، وجدنا أنّ النظام الصحي قد انهار بالكامل تقريبًا". وأضاف، "بمجرد أن قدّمنا الدعم لمستشفيات المدن الكبيرة مثل أدبغرات وأكسوم وشاير، بدا ملحًا الوصول إلى المناطق الأكثر عزلةً حيث ترتفع احتياجات الناس الصحيّة".

على مدى الأشهر الأخيرة، وسّعت فرق الطوارئ التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود نطاق أنشطتها تدريجيًا لتشمل المناطق النائية في تيغراي، كما تسيّر حاليًا عيادات متنقلة بشكل منتظم في نحو 50 موقعًا مختلفًا.

وأشار سانتو، "في كلّ مرة نتمكن من الوصول إلى موقع جديد، نرسل فريقًا صغيرًا قادرًا على توفير الحد الأدنى من مجموعة الخدمات الطبيّة". وتابع، "نصادف أشخاصًا غير قادرين على الحصول إلّا على قدر قليل من مياه الشرب والحصص الغذائيّة، كما يعجزون عن شراء ما يحتاجونه بسبب إغلاق بعض الأسواق. ولهذا، لا يزال الكثير من الناس يعيشون وسط حالة من الخوف وانعدام الأمن".

ترى فرق منظمة أطباء بلا حدود أعدادًا كبيرًة من النساء الحوامل اللواتي يتعرضن لمضاعفات طبيّة، ومنهنّ من يعاني من سوء التغذية، مما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض والوفاة أثناء الحمل والولادة. وفي حين أنّ مستوى سوء التغذية لدى الأطفال يختلف من مكان إلى آخر، ارتفعت وفقًا لِسانتو معدلات سوء التغذية الحاد متوسط الدرجة بشكل عام في تيغراي في الأشهر الماضية، بسبب انخفاض جودة الطعام المتاح وكميته بشكل كبير، مع تناول العديد من الأسر وجبةً واحدةً فقط وتكون في أغلب الأحيان عبارةً عن خبز.

في الواقع، فاقت بالفعل معدلات سوء التغذية الحاد شديد الدرجة عتبة الطوارئ في بعض المناطق في ضواحي مدينة شاير وداخل مدينة شيرارو. ومع اقتراب موسم الأمطار، لا تبشّر توقعات الطقس للأشهر المقبلة بالخير، حيث غالبًا ما يتعذر على المزارعين الوصول إلى الحقول بسبب النزاع أو عدم توفّر الوسائل لزراعة المحاصيل.

العيادات الريفيّة في حالة خراب

قبل اندلاع النزاع، تمتعت تيغراي بنظام صحيّ عرف بآداءه وتجهيزه الجيّد حيث كان من بين أفضل الأنظمة الصحيّة في إثيوبيا. لبّت المراكز الصحيّة والنقاط الصحيّة في المناطق الريفيّة احتياجات الناس الأساسيّة وعملت على نقل المرضى الذين يحتاجون إلى علاج متخصص في سيارات الإسعاف إلى المستشفيات الرئيسة.

تقع إحدى هذه المراكز الصحيّة الريفيّة في بلدة سيبيا القريبة أيضًا من الحدود الإريترية. وبدا مجمع المباني الذي وفّر الرعاية لِحوالي 17،600 شخصًا، مثيرًا للإعجاب من الخارج، بمبانيه الخرسانية الصلبة والمتباعدة وبأقسامه المرسومة بإتقان.

تقول فاطمة*، "قدّمت خدمات جيّدة هنا في السابق"، وهي امرأة تبلغ من العمر 27 عامًا من سيبيا. وتردف، "أنجبت أطفالي الأربعة هنا. وفي حال تعذر على العاملين الصحيين المساعدة، تتم إحالة المريض إلى أديغرات. لم أكن يومًا بحاجة إلى الذهاب إلى هناك، ولكن يُنقل المرضى الآخرون في سيارة الإسعاف الخاصة بالمركز الصحي ".

ولكن سرعان ما شعرت بالإحباط، فسيارة الإسعاف مفقودة حاليًا وفاطمة، الحامل في شهرها السابع، لن تتمكن من إنجاب طفلها الخامس في هذا المركز الصحي. وبينما تنتظر الحصول على استشارة طبيّة لمرحلة ما قبل للولادة في عيادة منظّمة أطباء بلا حدود، عمّ الخراب في غرفة الولادة الخاصة بالمركز الصحي الذي يبعد عنها بضعة أمتار وحيث أنجبت 40 إلى 50 امرأة مولودها كل شهر سابقًا.

في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، سقط عدد من الصواريخ على غرفة الولادة ومبنى إداري في المجمّع أثناء النزاع، ما غطى سريري الولادة وجهاز تدفئة مشع لحديثي الولادة بالغبار والجص وشظايا الخشب، بينما فُرشت الأرض بالأوراق ومقاييس الضغط التالفة والأواني المكسورة والملابس المتسخة. وأمسى الضوء الساطع الذي يأتي مع موسم الجفاف يدخل الغرفة من خلال ثقب كبير في الحائط وعدّة ثقوب أصغر حجمًا في السقف.

ويقول العامل في المجال الصحي سليمان *، "في هذه الأيام، تلد النساء في المنزل". وأضاف، "حتى لو تمّت عملية الولادة على خير، يواجه الأطفال حديثي الولادة خطر الموت. كما يعاني الأشخاص المصابون بأمراض مزمنة كمرض فيروس نقص المناعة البشريّ أو السل أو مرض السكري من انقطاع الأدويّة. أمّا الأطفال فيتوفون بسبب الالتهاب الرئوي وسوء التغذية ".

خوف وفقدان لسبل العيش

يشكّل الاستئناف الجزئي لتقديم الخدمات الطبيّة من خلال العيادة المتنقلة خطوةً إيجابيةً لسكان سيبيا، ولكنها مجرد قطرة في محيط حيث فقد معظم الناس هنا سبل عيشهم وعانوا شهورًا من الظروف القاسية، أو تعرضوا حتى للعنف بصورة مباشرة.

تقول مريم * وهي تنتظر الفحص الطبي في مرحلة ما قبل الولادة "عملت تاجرةً قبل الأزمة". كنتُ أملكُ متجرًا لبيع القهوة والسكر ومواد التنظيف، ولكنّه مغلق الآن. تعرّض المتجر للنهب بعد أن فررنا من المدينة بحثًا عن ملجأ في قرية أهل زوجي. اختبئتُ فيها لمدة أربعة أشهر ولم أعد حتّى الآن إلى هنا بشكل دائم ".

وتضيف، "تمتّعت بحياة جيّدة وكان شاغلي الوحيد هو تحسين آداء المتجر". لم نعتقد يومًا بأنّنا سنشهد هذا النزاع. ولم أفكر أبدًا في أنني سأجد نفسي بدون طعام وبحاجة إلى الإختباء في الأجمة".

قدّمت فرق العيادة المتنقلة التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود نحو 300 استشارة طبيّة في سيبيا وأدفتاو في تلك الأيام. وبصرف النظر عن مشاكل الصحة الجنسيّة والإنجابيّة، شملت الحالات الأكثر شيوعًا، ولا سيما بين الأطفال، سوء التغذية والالتهاب الرئوي والإسهال والأمراض الجلديّة المرتبطة بسوء الأحوال المعيشيّة وصعوبة تأمين مياه شرب نظيفة.

المساعدات غير كافية خارج البلدات والمدن

يقول سانتو، "نحاول إعطاء الأولويّة للمناطق التي تحتاج إلى الاستجابة الطبية، ونحاول زيادة مجموعة الخدمات المقدّمة لتشمل: تنظيم الأسرة، أو استشارات لمرحلة ما قبل الولادة، أو التطعيمات أو غيرها من الخدمات، التي لم يكن أيّ منها متاحًا منذ شهور. "

وتتضّح حاجة المناطق الريفيّة إلى خدمات علاج الناجيات من العنف الجنسيّ ورعايتهن، فأمسى هذا النوع من العنف شائعًا خلال للنزاع، حيث استقبلت المستشفيات التي تدعمها منظمة أطباء بلا حدود في المدن، خلال الأشهر الأخيرة، أعدادًا متزايدةً من النساء اللواتي يطلبن المساعدة للتعامل مع التجارب المؤلمة وإنهاء الحمل غير المرغوب فيه.

ما زالت الجهود التي تسعى إلى توسيع نطاق وصول الناس إلى خدمات الدعم الأساسية في أول طريقها. وعلى الرغم من إرسال المزيد من المنظّمات الإنسانيّة فرقًا إلى تيغراي، خاصةً منذ فبراير/شباط، إلّا أنّ الاستجابة على الأرض لا تزال محدودةً للغاية فهي نادرًا ما تمتد خارج المدن الكبيرة.

ويشير سانتو، "نادرًا ما تُقدّم المساعدات للمناطق الريفيّة. واشتدّت في الأسابيع الأخيرة القيود على وصول المنظمات الإنسانيّة إلى أجزاء مختلفة من تيغراي. الحاجة ملحة إلى زيادة المساعدة الإنسانيّة وتوسيع نطاق وصولها".

تدير منظمة أطباء بلا حدود حاليًا مشاريع طبيّة في مدن وبلدات في إقليم تيغراي مثل أديغرات وأكسوم وعدوة وأبي عدي وشير وشيرارو وحميرة ودانشا. ووسّعت فرق أطباء بلا حدود المتنقلة والمتمركزة في هذه المواقع نطاق خدماتها تدريجيًا منذ بداية العام 2021، لتشمل المدن الريفيّة والمناطق الجبليّة والقرى التي لا يعتبر فيها النظام الصحي فعّالًا.

زارت فرق منظّمة أطباء بلا حدود المتنقلة خلال الأشهر الأخيرة أكثر من 100 موقع مختلف، إمّا لتشغيل عيادات متنقلة مؤقتة أو لتزويد المراكز الصحيّة التي تعرضت للنهب بما تحتاج إليه ولتدريب العاملين الصحيين.

لا تزال منظمة أطباء بلا حدود والمنظمات الأخرى عاجزةً عن الوصول إلى بعض المناطق الريفية في تيغراي، فلا يسع منظمة أطباء بلا حدود إلا افتراض أن الأشخاص الذين يقطنون هذه المناطق لا يحصلون على الرعاية الصحية.

* تمّ تغيير الأسماء للحفاظ على السرية

[1] https://www.msf.org/health-facilities-targeted-tigray-region-ethiopia

[2] تختلف ساعات العمل في العيادة المتنقلة. في هذه الحالة كانت قصيرة بسبب مسافة السفر الطويلة إلى المكان وحظر التجول في تيغراي.