"غادرنا مدني وأمضينا 13 يومًا بالانتقال من قرية إلى قرية حتى وصلنا إلى كسلا": شهادات من القضارف وكسلا

 Mobile Clinics in Wad Madani, Sudan, June 2023
تمرير
25 يناير 2024
قصة
الدول ذات الصلة
السودان
شارك
طباعة:

شهادات سكان نزحوا من ود مدني بعد بدء القتال العنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 ديسمبر/كانون الأول. بحث هؤلاء النازحون عن ملاذ آمن لهم في نقاط التجمّع في القضارف وكسلا. وقابلهم عاملون من أطباء بلا حدود في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني 2024. شوركت جميع هذه الشهادات من دون الكشف عن هوية النازحين لأسباب تتعلق بالحماية.

 

الشهادة الأولى (TTY 7-SUD) – موقع تجمع النازحين في منطقة المفازة في القضارف: أم، أب، طفل مصاب، رضيع.

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 نحن في الأصل من دارفور. ولكن في ظل الاشتباكات العنيفة والأزمة في المنطقة، نزحنا إلى  الخرطوم. ولمّا تبعتنا الحرب إلى الخرطوم، توجهنا إلى مدني، وهكذا دواليك".

انتقل رجل وزوجته وابنهما من ود مدني إلى منطقة المفازة في القضارف بعد أسبوعين من بدء القتال في المدينة. سبق أن نزحت هذه الأسرة عدة مرات من قبل، كان آخرها من الخرطوم حيث بدأت حياةً جديدة بعد فرارها من دارفور قبل ثلاث سنوات.

هرب أفراد الأسرة من الخرطوم قبل ثمانية أشهر بعدما استُهدِف منزلهم وأصيب أحد أبنائهم بجروح خطيرة. يستذكر الرجل ما قاساه وعائلته من معاناة خلال الأشهر السابقة جرّاء العنف والنزوح وتعذّر الوصول إلى الرعاية الطارئة التي يحتاجها طفلهم.

"نحن في الأصل من دارفور. ولكن في ظل الاشتباكات العنيفة والأزمة في المنطقة، نزحنا إلى الخرطوم حيث انضممنا إلى صفوف النازحين. ولمّا تبعتنا الحرب إلى الخرطوم، توجهنا إلى [ود] مدني، وهكذا دواليك".

كنا نعيش في الخرطوم عندما تعرّض منزلنا للقصف في منتصف الليل. كان في المنزل ستة أشخاص، وزوجتي في الشهر التاسع من الحمل. تدمرّ منزلنا. وتعرّضت لإصابة في يدي، لكن جروح ابني في رأسه كانت أسوأ بكثير. تمكّنا من نقله إلى مستشفى في الخرطوم حيث خضع لجراحة عاجلة لإنقاذ حياته. وبمجرّد خروجنا من المستشفى، كان علينا مغادرة الخرطوم حيث لم يبقَ أي مكان آمن. وصلنا إلى مخيم النازحين في ود مدني وأنجبت زوجتي هناك".

كانت الرحلة من الخرطوم إلى ود مدني طويلة وشاقة. سار الرجل مع عائلته لبعض الوقت ممسكًا يد زوجته الحامل في الشهر التاسع، بينما حمل هو ابنهما المصاب بجروح خطيرة. تمكنت العائلة من استقلال وسائل النقل العام في ما بعد باستعمال بعض النقود التي ادّخرها ابنهم الأكبر. وبمجرّد وصولهم إلى ود مدني، كان عليهم دخول المستشفى بسبب الآلام الشديدة التي ألمّت بابنهم. بعد ذلك، انتقلوا إلى مخيم النازحين في المدينة حيث تتجمّع غالبية الأشخاص الذين نزحوا من الخرطوم. أمضوا ثمانية أشهر في المخيم حيث عاشوا ظروفًا مروّعة. وفي ما يلي، يشاركنا الرجل تجربتهم:

"كان الوضع في مخيمات النازحين غايةً في الصعوبة، إذ كانت شديدة الاكتظاظ من دون مياه أو حتى كهرباء في بعض الأحيان. ويشتد الوضع صعوبة مع امرأة حامل وطفل مصاب بجروح خطيرة ويحتاج إلى عناية. في تلك الفترة، كان طفلي عاجزًا عن السير بمفرده. وكان أزيز الرصاص يخيفه بشدة. ولم يكن بإمكاني تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرتي آنذاك. (...) عندما أنجبت زوجتي، عانت من نزيف حاد بعد الولادة وخسرت كمية كبيرة من الدم تكفي لملء دلو كامل. لقد انهارت. من حسن الحظ أنها تلقت المساعدة من منظمة طبية تعمل في ود مدني خلال الولادة وبعدها".

 

في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2023، اندلعت معارك عنيفة بين القوات السودانية المسلحة وقوات الدعم السريع في ود مدني، انتهت بسيطرة قوات الدعم السريع على المدينة. وعلى غرار أكثر من نصف مليون شخص، خاض أفراد العائلة رحل جديدة بحثًا عن مكان آمن يلوذون إليه. ويقول الوالد في هذا الصدد، "بدأت المعارك وبدأنا نسمع صوت إطلاق النار والنزاع بين الرجال المسلحين. قررنا المغادرة على الفور. وبدأت بالتفكير في ما ستكون عليه وجهتنا التالية. لم يبقَ أي مكان آمن في البلد. قررنا المجيء إلى هنا، إذ أخبرني صديق أن أطرافًا توفر الخدمات الطبية. كل ما يشغل بالي كان تلقي طفلي لرعاية طبية متكاملة. فقبل اندلاع الحرب في ود مدني، كان عليه الخضوع لعملية جراحية أخرى لكنه لم يتمكن من ذلك. نحن هنا لهذا السبب".

 

الشهادة الثانية (TTY 8- IDP/SUD) – مستشفى الطنيدبة: أب مع طفله المصاب بسوء التغذية

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

المدنيون هم الوحيدون الذين يعانون"

كان نظام الرعاية الصحية في السودان مثقلًا بالأعباء من قبل النزاع وقد بات اليوم يواجه ضغوطات هائلة. في العام الماضي، انهار نظام التأمين الصحي، وباتت كامل تكاليف الأدوية تقع على عاتق السكان، علمًا أن سعرها يزداد يوميًا مع تفاقم التضخّم ومحدودية الإمدادات. هذا وأدى انعدام الأمان الآخذ بالتفاقم وتزايد النزوح إلى تقويض وصول السكان إلى الدعم الطبي الضروري، ما يزيد بدوره التحديات الضخمة التي تواجه نظام الرعاية الصحية.

ما زالت الطنيدبة تشهد ارتفاعًا تدريجيًا في عدد سكانها مع استمرار نزوح السكان والعائلات إليها بحثًا عن ملاذ آمن، لا سيما أنها من المواقع القليلة في الولاية حيث تتوفر الرعاية الصحية الأساسية بشكل مجاني. في ما يلي، يروي رجل تجربته بعدما أحضر طفله لتلقي الرعاية الصحية الطارئة في مستشفى الطنيدبة.

عندما بدأ النزاع في الخرطوم العام الماضي، انتقلت عائلته إلى مسقط رأسه في القضارف وبقي هو في الخرطوم لحماية ممتلكاتهم. كان الوضع مشحونًا بالتوتر وغير آمن على الإطلاق مع استمرار القصف وتزايد عمليات النهب والسرقة. أمست فرص العمل منعدمة ولم يكن الحصول على الطعام مهمة سهلة. فقرّر العودة إلى القضارف حيث يملك مزرعة يمكنه أن يعيل عائلته منها.

"كان الوضع مشحونًا بالتوتر. كل المحلات أغلقت أبوابها وكانت قلة من الأفراد تسير في الشوارع. في بعض الأحيان، كان إيجاد الطعام في غاية الصعوبة، ومن هنا تأتي ضرورة تخزين الطعام بقدر ما هو ممكن. لم يكن انعدام الأمان المشكلة الأساسية بل انعدام فرص العمل. فإذا أردت أن تبقى بأمان، عليك أن تلزم منزلك وألّا تغادره أبدًا. هذا التحدي الأساسي الذي واجهته. كنت أعي خطورة البقاء في الخرطوم، لكنني اتخذت هذا القرار لحماية منزلي. عمليات النهب في هذه المناطق تحدث من دون هوادة، فبقيت لأحمي منزلي وممتلكاتي. كنت مدركًا أنني لن أتمكن من حماية نفسي أو ممتلكاتي إذا حدث مكروه ما أو داهم أشخاص المنزل. ومع ذلك اتخذت هذا القرار لأفعل كل ما في وسعي لحماية منزلي. (..) في كاراري، أغلب القصف يطال المدنيين الأبرياء. المدنيون هم الوحيدون الذين يعانون.

"منذ أسبوعين، أصيب ابني بالإسهال والتقيؤ. وبعد ثلاثة أيام من المرض، أخذته إلى إحدى العيادات في القرية 36، حيث يعيش نحو أربعة آلاف شخص. زوّدوه بالأدوية لكن حالته لم تتحسن. نصحني بعض السكان بالتوجه إلى الطنيدبة حيث يعمل أطباء ماهرون. جميع من يذهب إلى الطنيدبة تتحسن حالته.

في قريتي، لا تتوفر إلا الرعاية الصحية الأساسية، وقد أمسى الحصول عليها في غاية الصعوبة. كان إذا شعر أحد  بمضاعفات، يُنقَل إلى مستشفى الفاو في ود مدني، ولكن لم يبقَ أي مكان يمكن التوجه إليه في الوقت الحالي. هذا وباتت بعض الخدمات الطبية في الفاو غير متوفرة منذ بدء القتال".

 

 

الشهادة الثالثة (TTY 9 IDP) – نقطة تجمّع في مدرسة، كسلا: امرأة مع أطفالها

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 بقينا لشهرين في أم درمان. وعندما خرجنا من المنزل رأينا جثثًا في الشوارع، كان ذلك في غاية الصعوبة".

"وصلت إلى كسلا مع أخي وأطفالي الثلاثة. عندما بدأ النزاع، كنت في أم درمان. وكان القصف شديدًا يستمر لساعات في بعض الأحيان، مجبرًا إيّانا على الاختباء تحت الأسرّة لحماية أنفسنا. أمسى الوضع لا يطاق، فقرّرنا المغادرة مع أخي، على أن يجد زوجي طريقه إلينا في ما بعد. بقينا في أم درمان لشهرين. وعندما غادرنا المنزل رأينا جثثًا في الشوارع. كان ذلك في غاية الصعوبة.

في منزلنا في أم درمان، لم يكن لدينا كهرباء وكانت المياه تنقطع باستمرار. كانت مغادرة المنزل وشراء المستلزمات مهمّةً صعبة. فقد أُغلقت جميع المحلات التجارية، ونفد كل الطعام، ولم تسمح لنا قوات الدعم السريع مغادرة المنزل.

تمكنّا من مغادرة المنزل مرة واحدة منذ بدء النزاع بعدما أُعلن عن وقف لإطلاق النار. في البداية، كانت قوات الدعم السريع أفضل حالًا وتتعامل مع السكان بشكل أفضل، ولكن مع الوقت، بدأوا بالتحقيق مع الأشخاص وضرب الكثيرين. لم نكن نتمكن من تشغيل سياراتنا للتنقل، فاضطررنا إلى السير لنحو ثماني ساعات حتى نصل إلى قرية على مقربة من جبل أولياء.

بعد ذلك، غادرنا إلى ود مدني. كلّفتنا الرحلة 40 ألف جنيه سوداني لكل شخص [حوالي 30 دولارًا]. كنا سبعة أشخاص. ولم يكن بحوزتنا هذا المبلغ. تمكنا من التفاوض على السعر ودفعنا كل أموالنا لنصل إلى ود مدني. لم تواجهنا أي مشاكل على الطريق إلا مرة واحدة، إذ هددنا رجال يحملون سكينًا كبيرًا وطالبونا بدفع النقود لكي يفتحوا الطريق. لم يكن بحوزتنا أية نقود. لكن كل من في السيارة كان من النساء والأطفال، ولا أظن أننا بهذه الأهمية بالنسبة إليهم. بمجرد أن وصلنا إلى ود مدني، استقرينا في أحد مواقع التجمع  على مقربة من جسر حنتوب، وبقينا فيه لشهر واحد.

ما زال زوجي في أم درمان، ولا يستطيع أحد الوصول إليه. يعاني الأطفال من لدغات البعوض ونقص الطعام والنوم على الأرض. أصيب اثنان من أطفالي بالمرض. وما من مراكز للرعاية الصحية على مقربة مني. أما ما توفر منها فلا يقدم استشارات أو أدوية مجانية بفعل الموارد المحدودة، وأنا لا أستطيع تحمّل تكاليفها.

 

الشهادة الرابعة (TTY 10 IDP) - نقطة تجمّع في مدرسة: امرأة مع ابنتها.

 غادرنا مدني وأمضينا 13 يومًا بالانتقال من قرية إلى قرية حتى وصلنا إلى كسلا".

في ولاية كسلا شرق السودان، أُنشئ أكثر من 68 موقعًا لتجمّع النازحين منذ نشوب النزاع في ود مدني. وفي هذه المواقع، تشتد حاجة السكان إلى المواد غير غذائية كالصابون والبطانيات والمأوى، والأدوية أيضًا، لا سيما للمصابين بأمراض غير معدية.

وجدت الطبيبة الشابة "سلمى" ووالدتها "نور" نفسيهما في نقطة تجمّع للنازحين في مدرسة في كسلا، شرق السودان/ بعدما نزحا عدة مرات. ويرويان في ما يلي قصتهما منذ الخروج من الخرطوم ووصولهما إلى ود مدني والظروف المعيشية الصعبة التي واجهاها في نقاط التجمّع.

"اندلع النزاع على حين غرّة، ولم نكن نتوقّعه على الإطلاق. ظننا أننا في أمان في منزلنا قبل أن يبدأ القصف فجأة. تركنا الخرطوم خاليا الوفاض، ولم نتمكن من إحضار ممتلكاتنا، لم نحمل إلا بعض الملابس وغادرنا من دون طعام أو مياه".

استغرقتنا الرحلة إلى ود مدني يومًا ونصف اليوم بسبب نقاط التفتيش العديدة على الطريق. وعند وصولنا إلى ود مدني، عشنا في بيت مع ثلاث عائلات أخرى لمدة أربعة أشهر. بعد ذلك، طُلب منا المغادرة لأن عائلة أخرى كانت ستأخذ مكاننا. عانينا للعثور على مكان جديد في ود مدني فقررنا العودة إلى الخرطوم.

سمعنا شائعات عن هجوم طال المنطقة وقررنا العودة إلى ود مدني والمكوث في إحدى نقاط التجمّع في الجنوب. عندما وقع الهجوم، كان جزء من القتال يدور على مقربة منا وكان علينا المغادرة. خسرنا كل شيء من جديد ولم نتمكن من أخذ أي من مقتنياتنا معنا.

غادرنا مدني، وأمضينا 13 يومًا بالانتقال من قرية إلى قرية حتى وصلنا إلى كسلا. وكنا لا نلبث على مغادرة قرية حتى تقتحمها قوات الدعم السريع. كنا نغادر القرية ثم نبدأ بسماع الهجمات وراءنا.

عندما أتينا إلى الخرطوم، مكثنا في منطقة شرق النيل، وكانت قوات الدعم السريع تبحث عن أطباء. عندما حاولنا المغادرة. اعترضت هذه القوات طريقنا وطلبت مني أن آتي معهم لأعمل في المستشفى وأعالج جنودهم. وإذا رفضت، سيطلقون النار على رأسي. توسلت أمي إلى الجندي ليدعنا نغادر، وسمح لنا في النهاية.

ذات يوم، وأنا لست متواجدة في مركز الرعاية الصحية الأساسية، اندلعت معارك عنيفة. جاءوا إلى القرية وأخذوا 17 فتاة من المنطقة، ثم توجهوا إلى مركز الرعاية الصحية الأساسية واختطفوا طبيبتين كنت أعمل معهما. لا أعرف ماذا حصل لهما. أخذوهما بالقوة. بقيت صديقة لي في الخرطوم وعرفت أنها قُتلت بثلاث رصاصات في جسدها.

في كسلا، يتمثل التحدي الأكبر في نقص الطعام. يوفّر المجتمع وجبتين خلال اليوم ولكن هذه الكمية لا تكفي لجميع العائلات هنا. ولا يتم تكييف الطعام مع احتياجات الأطفال الصغار. هذا وتكثر الحالات الصحية في مواقع التجمّع في حين لا يستطيع السكان الحصول عل الرعاية التي يحتاجون إليها.