تأسيس أطباء بلا حدود

MSF7928.jpg
تمرير

"الأمر بسيط حقاً: فما عليك سوى أن تذهب إلى حيث يوجد المرضى. يبدو الأمر واضحاً لكنه كان ثورياً وقتها". مؤسس أطباء بلا حدود بيرنارد كوشنر

وسط الانتفاضة الباريسية التي اندلعت في مايو/أيار 1968، قررت مجموعة من الأطباء الشباب الذهاب لمساعدة ضحايا الحروب والكوارث الكبرى. أدى هذا النوع الجديد من العمل الإنساني إلى إعادة تعريف مفهوم إغاثة الطوارئ، فقد كانوا في طريقهم ليصبحوا أطباء بلا حدود.

شهد الشعب الفرنسي صوراً أخرى مرعبة أكثر حملتها لهم شاشات تلفزيوناتهم البيضاء والسوداء في خضم ثورة مايو/أيار 1968.

فقد بث التلفزيون ولأول مرة مشاهد أطفال يموتون من الجوع في أصقاع نائية من كوكب الأرض.

انفصلت مقاطعة بيافرا الواقعة في جنوب نيجيريا، حيث حاصر الجيش النيجيري تلك المنطقة الصغيرة مما أدى إلى مجاعة أهلكت سكان بيافرا.

وحينها طلب الصليب الأحمر الفرنسي متطوعين.

مسعفون في الطوارئ

عمل ماكس ريكامير وباسكال غريليتي بوسفيل على مدى سنين عدة في مناطق تشهد نزاعات مسلحة بوصفهما طبيبين متطوعين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف.

يقول ماكس ريكامير: "الصليب الأحمر ليس منظمة طبية على الإطلاق بخلاف المعتقدات السائدة. فقد كنت وباسكال الطبيبين الوحيدين المعروفين بسبب بعثتنا السابقة في اليمن ولهذا طلبوا منا إيجاد بعض الأطباء للجنة الدولية للصليب الأحمر".

ويضيف: "كان بيرنارد كوشنر أول من تطوع وقد كان أصغر مني سناً بكثير، إذ كان قد أنهى للتو دراسته ولم يكن قد أتم بعد أطروحة تخرجه، لكنه تطوع للذهاب إلى هناك".

انطلق فريق يضم ستة أعضاء في بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى بيافرا: طبيبان وهما ماكس ريكامير وبيرنارد كوشنر، وطبيبان سريريان وممرضان.

لقد كان القفز داخل نزاع دموي كهذا صدمةً حقيقيةً لهؤلاء الأطباء الأغرار الذين وجدوا أنفسهم مضطرين لإجراء عمليات جراحية حربية في مستشفيات كانت تستهدف بانتظام على يد القوات المسلحة النيجيرية.

شهود عيان

كان ريكامير وكوشنر يعتقدان بأن على العالم أن يعرف بالأحداث التي يشهدانها حيث يُقتل المدنيون ويقضون جوعاً على يد القوات التي تحاصرهم.

وقد انتقداً علناً الحكومة النيجيرية والصليب الأحمر على سلوكهما الذي يبدو متواطئاً.

بدأ أطباء آخرون بالحديث علناً خلال الأعوام الثلاثة التي تلك ذلك. حيث بدأ أولئك الأطباء الذي كانوا يعرفون بمصطلح "البيافريين" بوضع أسس شكل جديد واستقصائي من العمل الإنساني الذي يتجاهل الحدود السياسية أو الدينية ويضع موضع الأولوية مصلحة أولئك الذين يعانون.

"الأمر بسيط حقاً: فما عليك سوى أن تذهب إلى حيث يوجد المرضى. يبدو الأمر واضحاً لكنه كان ثورياً وقتها".

مؤسس أطباء بلا حدود بيرنارد كوشنر

’طب جديد‘

في عام 1971 دعا الصحفيان رايموند بوريل وفيليب بيرنييه اللذين كانا يعملان لصالح مجلة تونوس الطبية إلى تأسيس عصبةٍ من الأطباء بهدف مساعدة الناس الذين يعانون وسط الكوارث الكبرى وفي الفترات التي تعقبها.

وهنا انتهز ’البيافريون‘تلك الفرصة  خاصةً وأنهم كانوا يسعون بذاتهم إلى إنشاء مجموعة استجابة طبية للطوارئ.

ويقول بيرنارد كوشنر: "كنا نعتقد بأننا قد بدأنا هذا بالفعل وكنا نرغب بفعله مرة أخرى".

ويضيف: "كنا نريد أن نضمن تأمين معارف وافية في هذا النمط الجديد من الطب: جراحة الحرب، فرز المرضى، الصحة العامة، التعليم، إلخ".

ويتابع: "الأمر بسيط حقاً: فما عليك سوى أن تذهب إلى حيث يوجد المرضى. يبدو الأمر واضحاً لكنه كان ثورياً وقتها بسبب الحدود التي وقفت في طريقنا. إذ ليس من الصدفة أننا أسمينا أنفسنا أطباء بلا حدود".

الناس أولاً

تأسست أطباء بلا حدود رسمياً في 22 ديسمبر/كانون الأول 1971، وكانت تضم المنظمة وقتها 300 متطوع بين طبيب وممرض وطواقم أخرى بينهم المؤسسين الـ13 من أطباء وصحفيين.

قامت منظمة أطباء بلا حدود على اعتقاد يقول بأن لجميع الناس الحق في الرعاية الطبية بغض النظر عنن جنسهم أو عرقهم أو دينهم أو مذهبهم أو انتمائهم السياسي، وبأن حاجة الناس أهم من احترام حدود الدول.

أول بعثة لأطباء بلا حدود

كانت أول بعثة لأطباء بلا حدود في العاصمة النيكاراغوية ماناغوا التي ضربها سنة 1972 زلزال أدى إلى دمار معظمها ومقتل بين 10,000 إلى 30,000 شخص.

وفي عام 1974 أرسلت المنظمة بعثة إغاثة لمساعدة سكان هندوراس عقب إعصار فيفي الذي أدى إلى فيضانات عارمة ومقتل آلاف الناس.

بعد ذلك وفي عام 1975، بدأت المنظمة أول برنامج طبي واسع النطاق خلال إحدى أزمات اللاجئين حيث وفرت الرعاية الطبية لموجات الكمبوديين الباحثين عن ملاذ آمن هرباً من حكم بول بوت القمعي.

وقد بدأت مواطن ضعف أطباء بلا حدود بوصفها منظمة إنسانية غرّة تتضح خلال بعثاتها الأولى، إذ كان ينقصها الاستعداد كما كان الأطباء يفتقدون إلى الدعم في حين اتسمت سلاسل الإمداد بالتعقيد. هناك وقفت أطباء بلا حدود على مفترق طرق حيث بدأت الحركة تتصدع.

أطباء منظمون أم أطباء فدائيون؟

يقول رئيس أطباء بلا حدود لعامي 1977 و1978 كلاود مالهوريت: "كان ثمة تعارض حقيقي بين أولئك الذين وقفوا ضد تنظيم العمل بحيث رغبوا في أن يبقوا وحدة مغاوير صغيرة من أطباء الطوارئ وأولئك الذين أرادوا أن يكون هناك تنظيم للعمل".

ويتابع: "لم يرغبوا في أن يصبحوا كالصليب الأحمر لكن رغم ذلك أرادوا أن نكون أكثر تنظيماً مما كنا عليه وقتها. ليس مجرد أطباء حاملين بعضة أدوية في أكياس بلاستيكية لا تكفي عملهم".

أخيراً وخلال الجمعية العامة السنوية عام 1979، تفجرت الخلافات الداخلية. وقد تم التصويت على إذا ما كان ينبغي تعزيز تنظيم أطباء بلا حدود أو أنها ستبقى عصبة أطباء فدائية. وحينها صوت ثمانون بالمئة لصالح الخيار الأول.

امتعض بيرنارد كوشنر ونظراؤه ’البيافريون‘ من تلك الخطوة وتركوا أطباء بلا حدود ليؤسسوا منظمة أطباء العالم.

بناء أطباء بلا حدود

اعتباراً من تلك اللحظة، بدأت قيادة أطباء بلا حدود الجديدة ’الواقعية‘ بزعامة كلاود مالهوريت وروني براومان بالإسهام في تحول أطباء بلا حدود إلى المنظمة المهنية التي نعرفها اليوم.

وقد بدأت منذ سنة 1980 بافتتاح مكاتب إذ يوجد لديها اليوم مكاتب في 28 بلداً ويعمل لديها قرابة 37,000 موظف في أنحاء العالم. وقد عالجت فرق المنظمة منذ تأسيسها أكثر من مئة مليون مريض، حيث قدمت 8.6 ملايين استشارة خارجية في عام 2015 وحده.

وقد أثبتت منظمة أطباء بلا حدود منذ فجرها تمايزها عن باقي المنظمات غير الحكومية، إذ أنها صارمةٌ في استقلاليتها عن الحكومات والمؤسسات ولا تنفك تنتقد الوهم الإنساني فالنقد جزء لا يتجزأ من أساس المنظمة.

لقراءة المزيد عن هيكل وأقسام منظمة أطباء بلا حدود، شاهد هذا الفيديو:

The Nobel Peace Prize

جائزة نوبل للسلام

تم تكريم منظمة أطباء بلا حدود بجائزة نوبل للسلام في عام 1999

Left
THE MSF MOVEMENT

حركة أطباء بلا حدود

نحن حركة عالمية يملكها ويديرها أفراد طاقمنا السابقون والحاليون. وهم يعملون معاً لضمان التزام أطباء بلا حدود برسالتها ومبادئها.

Right