تمرير

الوصمة والرعاية المتقطعة: مواجهة كوفيد-19 في بنغلاديش

20 يوليو 2020
COVID-19
الدول ذات الصلة
بنغلاديش
شارك
طباعة:

خدمات متقطعة

تسحب نور هبة، وهي أم شابة من بنغلاديش، غطاء رأسها لتعدله حول وجهها بإحدى يديها، بينما تمرر يدها الأخرى على ظهر ابنتها، شهارة، ذات السبعة أعوام المستلقية على سرير المستشفى شبه واعية. تتلقى شهارة علاج التلاسيميا، وهو مرضي وراثي يصيب الدم.

وتقول نور هبة: " أنا خائفة طوال الوقت، وقلقة على ابنتي وأسرتي. أدعو الله أن يتحسنوا وأن يصبح هذا الوضع أفضل.

ارتفعت أعداد المصابين بكوفيد-19 في بنغلاديش بشكل مُطَّرد منذ شهر مارس. وحتى وقت كتابة هذه الكلمات ( في 2 يوليو) ، يوجد 149,000 حالة – لكن كما هو الحال في كل الدول تُظهر هذه الأرقام جزءاً صغيراً فقط من الواقع. وتترك هذه الجائحة آثاراً كارثية على جميع جوانب حياة الناس، من ازدياد البطالة إلى الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية.

وقد يكون أثر هذه الجائحة أكثر تبدياً هنا في جناح طب الأطفال في مستشفى غويالمارا للأم والطفل الذي تديره أطباء بلا حدود في منطقة كوكس بازار ببنغلاديش.

تُدخل الممرضة التي تعمل مع أطباء بلا حدود الإبرة في ذراع شهارة وتسحب الدم داخل المحقن (السيرينج). تبكي الصغيرة وتتلوى على السرير وتهدئها أمها.

وتشرح الممرضة: "أخذنا عينة الدم لنجد دماً ملائماً".

ساقا شهارة وذراعاها نحيلان جداً؛ وبطنها ممتدة بسبب تضخم الطحال الناجم عن وضعها والذي زاده سوء التغذية. تسبب التلاسيميا انخفاض مستويات خضاب الدم وقد تودي بحياة الشخص إذا لم تعالج بنقل الدم للمريض بشكل منتظم.

شهارة هي الطفل الثاني الذي يعاني من التلاسيميا من أطفال نور هبة الخمسة. وعلى الأم أن تحضر كليهما إلى المستشفى كل شهرين لنقل الدم. وحيث أنه لا يوجد بنك للدم، فهي تعتمد على الناس الذين يأتون للمستشفى ليتبرعوا لها تطوعاً – وهي عادةً مسألة بسيطة. لكن بسبب الجائحة، مرت ثلاثة أيام الآن وهم ينتظرون إيجاد متبرع بالدم.

وتقول نور هبة: "نبحث في كل مكان. في العادة نستطيع أن نجد أحداً بسهولة، لكن هذه المرة، لم أستطع أن أجد متبرعاً بسبب وضع كوفيد-19. لا يرغب أحد بالمجيء إلى المستشفى لأنهم يشعرون بالخوف".

يخشى الكثيرون القدوم إلى مرفق طبي خوفاً من التقاط الفيروس، كما صعبت إجراءات الحظر العام السفر، وتضاعفت أسعار النقل العام ثلاثة أضعاف.

msf324977high.jpg

تواجه نور هبة وأسرتها معضلة مؤرِّقة. لم يعد زوج نور هبة يجد عملاً، إذ كان يعمل باليومية، بسبب القيود التي فرضت في ظل كوفيد-19. وللحفاظ على حياة ابنتيها عليها أن تواظب على أخذهما للمستشفى الذي يبعد مسافة ساعة ونصف، رغم أن الأسرة بالكاد تجد ثمن الطعام. وقد استدانت هذه المرة مبلغ 300 تاكا [2 يورو] لدفع أجرة الحافلة.

"الأمر بالغ الصعوبة. ولا أملك المال للعودة إلى المنزل. لدينا خمسة أطفال، ولا أعرف كيف سنطعمهم".

قبل وصول كوفيد-19 إلى بنغلاديش، كانت أطباء بلا حدود قد أكملت ترتيبات لإرسال مرضى التلاسيميا إلى مرفق جراحي قريب لاستئصال الطحال، ما يقلل من حاجتهم لنقل الدم المستمر ويحسن من جودة حياتهم – كما يسهل ذلك أيضاً من أعباء الأسر التي تمر بضوائق مالية كأسرة نور هبة.

لكن وبسبب جائحة كوفيد-19، لا يستطيع المرفق الآن أن يقدم هذه الخدمة.

وبسبب نقص الكوادر وفي المواد الطبية الأساسية والمعدات الوقائية كالكمامات، اضطرت الكثير من المرافق الصحية، بينها تلك التي تديرها أطباء بلا حدود إلى اتخاذ القرار الصعب بتقليص الخدمات أو إغلاقها. وقد خفضت أطباء بلا حدود خدماتها الطبية في منطقة كوكس بازار وفي دكا من أجل التركيز على الأنشطة المنقذة للحياة فقط. هذا وإن قسم العيادات الخارجية في مستشفى غويالمارا مغلق حالياً.

ويقول فيرديولي بورسل، مختص طب الأطفال في أطباء بلا حدود: "بالنسبة لي الأمر الأكثر إشكالاً هو أن الموت سيحصد حياة الناس لا من كوفيد-19 بل من أمراض أخرى – أمراض عادية يمكننا علاجها".

msf324976high.jpg
محمد، من الروهينغا، وهو أب يعيش في أحد مخميات اللاجئين في منطقة كوكس بازار، تم تشخيصه بكوفيد-19 وأُخذ إلى مستشفى كوتوبالونغ حيث تم عزله وعلاجه هناك.

الوصمة

الكثير من الناس الذين يعانون من أعراض كوفيد-19 يواجهون التحدي المزدوج المتمثل في التعامل مع الفيروس إضافة إلى العواقب الاجتماعية لإصابة الشخص به.

محمد، من الروهينغا، وهو أب يعيش في أحد مخميات اللاجئين في منطقة كوكس بازار، تم تشخيصه بكوفيد-19 وأُخذ إلى مستشفى كوتوبالونغ الميداني التابع لأطباء بلا حدود، حيث تم عزله وعلاجه هناك.

بالرغم من أن الإرشادات الصحية العالمية تنص على أن المخالطين القريبين لمريض كوفيد-19 يمكن أن يعزلوا أنفسهم بأمان في البيت، فقد تعرضت أسرة محمد لضغوط من قبل المجتمع لمغادرة بيتهم والانعزال في مكان بعيد. شعر محمد بالذعر من أن تؤخذ أسرته من منزلها خلاف إرادتهم.

"كان الناس يهددون أسرتي ويقولون أنهم سيحرقون البيت إذا لم تغادر أسرتي إلى مكان للعزل. كان الأمر مهيناً ومخيفاً لأسرتي".

وحيث أن أطباء بلا حدود شاهدت تفشيات أمراض معدية حول العالم من الإيبولا إلى الدفتيريا، فإن الثقة تعتبر أساسية في استجابة الصحة العامة. يحتاج الناس أن يثقوا بأن أي علاج طبي يتلقونه سيكون محترماً وإنسانياً، وأن أسرهم ستكون آمنة إذا ما طلبت الرعاية الطبية.

وقد أخبر مرضى بكوفيد-19 طاقم أطباء بلا حدود عن أسر أُخذت إلى مراكز عزل خلاف إرادتهم؛ وأسر هددت بالإجلاء من بيوتهم؛ وأسر تعرضت لكلام عدواني وتهديدي.

مثل تلك التجارب تمنع الناس الذين عليهم أعراض المرض من طلب الفحص أو العلاج، ما يزيد من تفاقم انتشار الفيروس.

وكما يشرح محمد: "التجارب التي كهذه تثني الناس عن القدوم إلى المراكز الصحية إذا كان لديهم أعراض كوفيد-19".

آمال للمستقبل

مع ذلك، ووسط الجائحة، تستمر الحياة. تواصل الأمهات الولادة، وتواصل الأسر التخطيط للمستقبل. وتستمر أطباء بلا حدود في تقديم خدمات الصحة الإنجابية في جميع مرافقها ببنغلاديش، حيث تدعم النساء والأطفال المحتاجين. لكن جائحة كوفيد-19 مع ذلك قد أثرت في هذه الخدمات أيضاً.

سيدة، هي أم جديدة وقد أُدخلت حديثاً إلى جناح العزل في مستشفى غويالمارا.

كي تتحدث معها، يجب بداية أن ترتدي معدات وقائية كاملة – عباءة تغطي كامل الجسم من الرأس إلى القدمين، كمامة للوجه وقناع بلاستيكي للوجه. ترتدي سيدة كمامة جراحية؛ تبدو عيناها خائفتين أعلى الكمامة. ووليدها الذي يبلغ من العمر أياماً يتنفس بمساعدة أنبوب بلاستيكي موصول بعبوة أوكسجين.

"أنا خائفة جداً على ابني وعلى نفسي، وأتطلع إلى اليوم الذي سنذهب فيه إلى البيت".

مرَّت سيدة بتجربة رهيبة لا تتمنى أي أم المرور بها. فبعد أن انهارت أثناء المخاض، تم إسعافها إلى عيادة لإجراء عملية قيصرية طارئة. ثم تم تشخيصها هي ووليدها بكوفيد-19، وتمت إحالتهما إلى مستشفى غويالمارا، حيث يتلقيان الآن العلاج.

"هذا طفلي الأول. لكنني في الوقت الحالي لا أستطيع أن أفكر في مستقبلنا أبداً. وحالما يتعافى ولدي عندها يمكنني التفكير في ذلك".

لحسن الحظ، فإن أعراضهما معتدلة. وتقول سيدة: "طفلي الآن يتلقى الأوكسجين وهو في تحسن، أفضل من قبل".

على بعد عدة كيلومترات، وفي عيادة جمتولي التابعة لأطباء بلا حدود، تجلس شوكوتارا، وهي أم من اللاجئين الروهينغا، بجوار ابنها الذي ولد قبل بضعة ساعات. وتقول وعلى وجهها ابتسامة كبيرة، غير قادرة على حبس فرحتها: "أنا سعيدة جداً".

لكن طيف كوفيد يخيم على عائلتها أيضاً.

وتقول شوكوتارا: "أنا قلقة بخصوص وباء كوفيد-19 لأننا نعرف عن الفيروس. يقول لنا الناس أن نحافظ على مسافة بيننا وبين الآخرين، لكن ذلك غير ممكن عندما نعيش قريبين جداً من بعضنا البعض الآخر. لكننا نحاول وسعنا".

لكن شوكوتارا مازالت تحافظ على آمالها للمستقبل.

وتقول أيضاً: "عندما كنا في ميانمار كنا نواجه الكثير من الصعاب وكنا خائفين. كانوا يعذبوننا. لذلك أنا سعيدة هنا. آمل أن يحظى ابني وابنتي بالتعليم كي يكون لهما مستقبل جيد".

تم تغيير الأسماء لعدم الكشف عن هوية المرضى.

وإقرأ المزيد على موقعنا الدولي: