تمرير

مشروع أطباء بلا حدود الجديد في جنوب السودان يوفر الرعاية الطبية المتنقلة للمناطق البعيدة براً ونهراً

13 مارس 2018
نشرة صحفية
الدول ذات الصلة
جنوب السودان
شارك
طباعة:

الساعة الآن الثامنة صباحاً، ومجمع أطباء بلا حدود في أكوبو في جنوب السودان يضج بالحركة. أمام خيمة اللوجستيات، يحمِّل الموظفون طاولات وكراسٍ وصناديقَ المهملات الطبية وأدويةٍ وموادَ أخرى في صندوق إحدى المركبات. وغير بعيد عن هنا، نرى منسق المشروع يرتشف جرعات من قهوته بينما يتحدث عبر جهاز لا سلكي موشى بالغبار. كما نرى فريقاً من مسؤولي الرعاية السريرية والممرضين وموظفي الصحة المجتمعية يناقشون خطة العمل اليومية، وستراتهم فوق أكتافهم لمَّا يزرّوا أزرارها بعد.

ولحين ارتفاع الشمس لما فوق مستوى الشجيرات والأشجار في أكوبو، تكون الحركة في المجمع قد هدأت ويكون فريق أطباء بلا حدود الجوال قد انطلق مبحراً عبر نهر بيبور؛ أما وجهتهم فهي قرية بعيدة ليس فيها أية خدمات صحية أخرى.

منذ ديسمبر/كانون الأول 2013، كان هنالك، وما يزال، ملايين النازحين والمهجَّرين بسبب النزاع القائم في جنوب السودان. في كل يوم تقريباً يصل إلى أكوبو أناس هاربين من مناطق النزاع القريبة. ويخبرنا بعض مرضانا كيف ساروا أياماً عديدة على الأقدام، وكيف كانوا يسيرون ليلاً فقط حين تهدأ المعارك ولو مؤقتاً.

يشكل النساء والأطفال غالبية النازحين، وبينما يتمكن البعض من العيش مع بعض أقاربهم أو معارفهم، لا يجد آخرون مكاناً يأوون إليه سوى المدرسة الابتدائية القريبة، والتي لا يتوفر لهم فيها طعام أو ماء. كثيرون منهم يعانون صدمة نفسية بعد أن شهدوا مقتل أزواجهم أو آبائهم أو إخوانهم في خضم حالة الفوضى وانعدام الأمن.

وبسبب النزاع المتواصل والنزوح الناتج عنه، بلغت الاحتياجات الطبية والإنسانية حداً هائلاً. وضمن هذا السياق أطلقت أطباء بلا حدود أحدث مشاريعها في جنوب السودان، حيث تسيِّر المنظمة الآن العيادات الجوالة التي تنتقل عبر القوارب أو السيارات لتقدم الرعاية الصحية الأساسية حيثما اشتدت إليها الحاجة، سواءً للمجتمع المضيف أو للنازحين.

ويقول رافايل فيخت، رئيس بعثة أطباء بلا حدود في جنوب السودان: "إن أكوبو والقرى المجاورة لها شبه مقطوعة عن أية رعاية صحية يمكن الاعتماد عليها. فالمرافق الطبية في المنطقة إما مهجورة أو تُستخدم لأغراض أخرى، وهؤلاء السكان الضعفاء ليس لديهم مكان يقصدونه للحصول على العلاج الأساسي".

وصل الفريق الطبي الذي غادر في الصباح إلى كير، التي تبعد مسافة ساعة بالقارب. وكالعادة، يجلبون معهم معداتهم التي يضعونها في ظل بعض الأشجار ذات الموقع المميز. وفي غضون دقائق يتحول المكان إلى عيادة للرعاية الصحية الأساسية، مع منطقة انتظار وخيام مؤقتة تؤدي دور غرف الاستشارة الخاصة. يصل المرضى ويجلسون بهدوء على البُسُط بينما يستعدون لقياس مؤشراتهم الحيوية، ويقوم مساعدو الممرضين بتجهيز الأدوية الموصوفة من قبل مسؤولي الرعاية السريرية. وبعد مرور ساعتين ونصف الساعة، كان قد زار العيادة وتلقى الاستشارة نحو 30 مريضاً.

وقال توت كوانغ لير، مسؤول الرعاية السريرية في أطباء بلا حدود: "في العادة يراجعنا في اليوم ما بين 50 إلى 60 مريضاً". وأضاف: "اليوم أظهرت نتائج الفحوص إصابة ستة أشخاص بالملاريا، وخمسة أطفال بالإسهال، وحالة واحدة بالعدوى الفطرية".

ومع تسيير العيادات الجوالة لسبعة مواقع مختلفة في أنحاء ما كان يعرف سابقاً بمقاطعتي أكوبو وأولانغ، تعالج فرق أطباء بلا حدود أكثر من ألفي مريض شهرياً. وفي هذه الأثناء بدأت أطباء بلا حدود ببناء مرفقٍ أكثرَ ديمومةً في كير، وهو عبارة عن مرفق رعاية صحية أولية سيكون قادراً على تقديم رعاية أكثر تقدماً. أما في الوقت الراهن فما زالت الفرق جوالة.

عند الساعة الثانية ونصف بعد الظهر، خرج من العيادة آخر المرضى. توقَّف توت كوانغ لير لبرهة وألقى نظرة أخرى على الساحة المجاورة، لينظر هل من واصلين متأخرين. لكن أحداً لم يكن هناك. فقال: "لنحزم أغراضنا ونرجع إلى أكوبو".