
منذ أبريل/نيسان من هذا العام وعدد الحالات المشتبه في إصابتها بالكوليرا في ولاية الخرطوم يتزايد بشكل كبير رغم كل الجهود التي تبذلها وزارة الصحة والجهات الفاعلة الأخرى للحد من تفشي المرض. فقد سجلت وزارة الصحة حوالي 2000 حالة يشتبه في إصابتها بالكوليرا في الأسابيع الثلاثة المنتهية في 20 مايو/أيار. وفي تصاعد حاد، تم تسجيل ما يقرب من 500 حالة إضافية في يوم واحد بتاريخ 21 مايو/أيار، أي ما يعادل ربع إجمالي الحالات المسجلة في الأسابيع الثلاثة السابقة. وفيما يلي يصف سليمان عمار، المنسق الطبي لمنظمة أطباء بلا حدود في الخرطوم، الوضع على أرض الواقع.
ما مدى قلقك بشأن تفشي الكوليرا الحالي في الخرطوم؟
إنها ليست المرة الأولى التي تتأثر فيها السودان أو الخرطوم بالكوليرا، ولكن من الواضح أن الصراع قد أخلّ بالبنية التحتية الأساسية، وهذا الارتفاع المفاجئ في حالات الكوليرا يعتبر بالتأكيد أحد نتائج الحرب. هناك عدة أسباب لتفشي الكوليرا الحالي ولكن صعوبة تأمين المياه الصالحة للشرب تعتبر دون شكّ أحد هذه الأسباب. فنظراً لهجمات الطائرات المسيرة على محطات الكهرباء في أم درمان، انقطعت الكهرباء عن محطات معالجة المياه ولم يعد بإمكانها توفير المياه النظيفة من النيل. كما أن أهالي أجزاء أخرى من المدينة، مثل جنوب الخرطوم ومحلية جبل أولياء، محرومون من المياه الصالحة للشرب والكهرباء. وقد يفسر ذلك سبب كون هذه المناطق من الأكثر تضرراً.
ثانياً، فقد تعرقلت بشدة سبل الحصول على الرعاية الصحية الأساسية في العديد من مناطق العاصمة، فأصبحت هذه الخدمات إما غير متوفرة أو لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها. كما تضرر بشكلٍ أو بآخر عددٌ كبير من المرافق الصحية في بعض المناطق مثل جنوب الخرطوم، ولم يجد العديد من العاملين الصحيين المتبقين الذين كانوا يخدمون السكان خياراً سوى المغادرة بسبب شدة القتال. وبغياب الرعاية الأساسية وعدم وجود سوى حد أدنى من التدابير الاحترازية التي كانت معتمدة من قبل، فقد انتشر الوباء على نطاق واسع بين السكان المعرضين للخطر.
واليوم، تأتي حالات الإصابة بالكوليرا من كل مكان في الولاية، وقد اكتظت المرافق التي تدعمها منظمة أطباء بلا حدود.
ما هي التحديات الرئيسية؟
يتمحور جزء من عملنا مع السلطات الصحية حول تعزيز نظام ترصد الحالات بهدف تكوين فهم أفضل للمناطق التي يأتي منها معظم المرضى، وماهية المشكلة الرئيسية هناك، وكيف يمكننا تحسين دعمنا. ففي سياق كهذا، وفي ظل وجود عدد قليل جداً من المرافق الصحية العاملة، يتعين علينا تلبية احتياجات المرضى بسرعة للحيلولة دون تطور المرض إلى مرحلة خطيرة. إذ يسهل علاج الكوليرا إن توفرت الرعاية وعولج المرضى في وقت مبكر بما فيه الكفاية، لكن هذا ليس هو الحال في كل مكان. كما أن إعادة تأهيل نظام معالجة المياه سيستغرق وقتاً طويلاً، لذا لا بد من تدعيم كافة الأنشطة المتعلقة بتحسين النظافة الصحية.
ماذا تفعل منظمة أطباء بلا حدود حالياً؟
استأنفنا للتو أنشطتنا في الخرطوم لدعم مستشفى بشائر التعليمي ويشمل دعمنا مركز علاج الكوليرا التابع له، حيث قمنا بزيادة سعة الأسرة من 20 إلى 50 سريراً. تعمل منظمة أطباء بلا حدود بشكل وثيق مع وزارة الصحة لتعزيز جهودها والاستجابة لتفشي المرض. فهناك حالياً ثلاث عشرة وحدة لعلاج الكوليرا تعمل في ولاية الخرطوم، وتدعم المنظّمة سبعاً منها لضمان عملها بكامل طاقتها وإمكانية توسيع قدراتها تبعاً للاحتياجات. إذ تدعم منظمة أطباء بلا حدود مركزين لعلاج الكوليرا في أم درمان للتعامل مع تدفق أعداد كبيرة من المرضى، حيث قدّم المركزان العلاج لأكثر من 570 مريضاً في الفترة الممتدة من 17 إلى 21 مايو/أيار.
وإضافة إلى علاج المرضى، نقوم بتنفيذ مجموعة متنوعة من الأنشطة الوقائية على مستوى المجتمع تشمل إنشاء مراكز لمعالجة الجفاف وتحسين مرافق المياه والصرف الصحي. وتُعتبر العيادات المتنقلة التي تسمح لنا بالوصول إلى الناس من بين الإستراتيجيات التي نتبعها للتصدي للكوليرا. إذ تسمح لنا هذه العيادات بتعزيز ترصد الحالات في المناطق السكنية، كما تسمح لنا بتحديد وتشخيص وعلاج المشاكل الصحية الأخرى، مثل حمى الضنك أو الملاريا.
وتقوم الفرق الطبية أثناء جولات عياداتها المتنقلة اليومية بتقديم الرعاية الصحية الأولية وإحالة المرضى الذين يعانون من الإسهال الحاد إلى مراكز العلاج المخصصة. وقد كان للصراع تأثير سلبي بشكل خاص على الأطفال الذين يعتبرون من بين الأكثر ضعفاً وتضرراً من بين أولئك الذين يتلقون العلاج، علماً أن بعضهم يعاني من سوء التغذية. كما أننا نشهد العديد من حالات الإصابة بأمراض ينقلها البعوض، والتي يمكن أن تكون قاتلة ما لم يتوفر الدواء، وذلك بسبب غياب تدابير الحماية الوقائية (قلة الناموسيات المتوفرة وعدم إجراء رش مبيدات الحشرات داخل المنازل). ونبحث باستمرار عن طرق لتوسيع نطاق دعمنا وتحسين فرص حصول سكان الخرطوم على الرعاية الصحية.
تناشد منظمة أطباء بلا حدود الجهات المانحة والأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية للارتقاء بجهود تعزيز المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في الخرطوم على وجه السرعة للحد من تفشي المرض. ففي ظل انقطاع الكهرباء في المدينة، يعتبر الوقود عاملاً بالغ الأهمية لتشغيل المولدات الكهربائية لمحطات المياه والمستشفيات، وتدعو منظمة أطباء بلا حدود الوزارات المعنية في السودان إلى تسريع جهودها المتواصلة لاستعادة الكهرباء والمياه في المناطق المتضررة.