تمرير

إطعام بلال الصغير: علاج سوء التغذية في باكستان

6 يونيو 2017
آخر
الدول ذات الصلة
باكستان
شارك
طباعة:

أطباء بلا حدود 3 يونيو 2016 - بقلم أيسلينج سيمبل، طبيبة أطفال في مستشفى أطباء بلا حدود في باكستان.

امتلأت أجنحة علاج سوء التغذية في مستشفى كويتا للأطفال خلال هذه الأيام. حيث بدأ السكان المتنقلين الذين غادروا خلال أشهر الشتاء الباردة بالعودة. وتدير أطباء بلا حدود عيادات علاج سوء التغذية الوحيدة في المنطقة التي تستقبل المرضى الداخليين.

قابلت بلال أول مرة خلال الجولة الصباحية على الأجنحة، قبل بضعة أسابيع من الآن. وأخبرني الطبيب المشرف على الجناح أن جدته أحضرته في الليلة الماضية وقد جاؤوا من أفغانستان. خلال السنتين الماضيتين من عمره لم يتغذى سوى على حليب الأطفال المخفف وحليب الماعز. لم تعرف أسرته أن بحاجة لأن يتغذى أيضاً على الطعام العادي.

تجمعنا حول سريره وكان واضحاً أنه مصاب بالكواشيوركور (وهو نوع حاد من سوء التغذية الشديد). يؤثر سوء التغذية على الأطفال بطرق مختلفة: معظمهم تصبح أجسادهم نحيلة وهزيلة، لكن بعضهم عندما يجوعون يصيبهم انتفاخ بسوائل زائدة. كانت حالة بلال حادة جداً، فلم تكن ذراعاه وساقاه مشدودة ومتورمة بل كان وجهه مشوهاً أيضاً وعيناه منتفختان بالكاد يستطيع فتحهما.

aisling2.jpg

أخبرني الطبيب أن لديه طفح حفاظي شديد. فأشرت إلى أمه بأنني أود أن أرى ذلك. وبرفق أزالت الأم الوشاح المطرز الذي كانت لفَّته حوله. فبدأ يتذمر، وعندما بدأت بفحصه بلطف راح يصرخ. كان الجلد الذي على فخذيه متدهور تماماً إذ أصبح لونه أحمر دون طبقة خارجية وبدا لي أنه ملتهب بشدة. كان بلال يستخدم ما تبقى لديه من طاقة في محاولة دفعي بعيداً عنه. قمت باستبدال الوشح برفق وهمست له معتذرة. خفت صوت بكائه وتلاشى وأغلق عينيه المنتفختين. حضرنا شيئاً له لتسكين الألم ووصفنا له مضاداً حيوياً لعلاج الالتهاب. أخبرتنا الممرضات أنه يرفض أن يشرب الحليب العلاجي لأند فقد شهيته. وسيتوجب علينا أن نستخدم أنبوب تغذية على أمل أن تتحسن قوته خلال الأيام القادمة.

أوضحنا لجدته أنه مريض جداً وضعيف. وسنفعل كل ما بوسعنا لمساعدته لكنه الآن في وضع هش للغاية وقد لا يتحسن وضعه. وإن تحسن فلن يكون ذلك في وقت قصير. فأومأت برأسها وعيناها مسبلتان، وأخبرتنا أن حفيداً آخر لها مات قبل بضعة أشهر وكان في حالة مشابهة.

”أخبرتنا جدة بلال أنها كانت قد أخذته إلى عدة مستشفيات قبل مجيئها إلينا لكن أياً منها لم يعرف علاجاً له.“

وكما توقعنا فقد كان تحسُّن بلال بطيئاً، وقد بدأ الانتفاخ يتناقص ببطء أيضاً. كنا نراقب ذلك بحذر لأنه قلبه كان ضعيفاً، فأي تحول مفاجئ في السوائل قد يهدد حياته. كانت جدته شديدة الانتباه والعناية ولا تغادر جانب سريره أبداً وكانت تنام بجانبه على السرير. وكانت تضع له بلطف معجوناً مرطباً ثخيناً لعلاج الطفح. كان وضعه مازال سيئاً. كان الأطفال الآخرين في الجناح ينظرون عبر قضبان أسرَّتهم وعيونهم الكبيرة المكحَّلة تراقب بفضول. لكن بلال وبالرغم من محاولاتنا اليومية للتواصل معه لم يكن يستجيب ولا يبتسم.

وبحكم انشغالي في مهام أخرى غبت عن أجنحة سوء التغذية ومر أسبوعان قبل أن أرى بلال مجدداً. في صباح أحد الأيام وجدتُ جدته جالسة في الخارج على السطح وفي حضنها طفل صغير وسيم. وعندما رأتني وقفت بحماس وهي مبتسمة وتشير إلى الطفل الصغير الذي بين ذراعيها. مضت بضعة لحظات حتى أدركت أنها جدة بلال وأن الطفل الذي معها هو بلال، لقد تغير كلياً. اختفى الانتفاخ وشفي الطفح الذي كان على جلده. وكان يلعب ببالون صنعه له أحد ما من قفاز في المستشفى، وكان يحركه بحدة ويضحك.

”لم أستوعب الموقف في بداية الأمر. لقد تغير بلال كلياً.“

صار لي هنا عدة أشهر وقد قابلت عدة أطفال مرضى مثل بلال، لكن رؤية تعافي بلال بتلك الطريقة جعلني أشعر بعاطفة غامرة. كانت جدته تقول كلاماً بلغة لا أفهمها فتبسمت لها وضحكت معها ولم أستطع أن أزيح نظري عن بلال الصغير. كان يمسك في يده قطعة نصف مأكولة من زبدة الفول السوداني "بلامبينات" التي تستخدم لعلاج سوء التغذية. ولأول مرة كان ينظر إليَّ بعينيه مباشرة وترتسم على وجهه الرغبة في المشاغبة.

بعد قليل انضمت إلينا ممرضة تعمل كمترجمة. أخبرتنا جدة بلال أنها كانت قد أخذته إلى عدة مستشفيات قبل مجيئها إلينا لكن أياً منها لم يعرف علاجاً له. كانت شبه متيقنة بأنه سيموت. وقالت أننا أنقذنا حياته، وأضافت الممرضة بأنها تشكرنا.

خلال المدة التي قضتها الجدة معنا شرحنا لها بعض الشيء عن إطعام الرضع والأطفال وفطامهم، وقد أصبحت الآن على اطلاع بتلك المعلومات ويمكنها تثقيف أسرتها ومجتمعها – لوقاية أطفال آخرين من أن ينتهي بهم الأمر ويصبحوا كبلال.

قلت لها أن بلال كان محظوظاً لأن لديه جدة تعتني به بشكل جيد، فضحكت ونظر بلال إليها وشاركها في الضحك.

شارف وقتي هنا في كويتا على الانتهاء. لقد الوضع مفجعاً أكثر مما يمكنني أن أتصور. لكن لحظات كتلك، تقف فيها في ضوء الشمس تضحك مع جدة وحفيدها هي ما أحتفظ به كلحظات لا تنسى أبداً. ذلك هو سبب وجودنا هنا وذاك هو الفارق الذي نصنع.