تمرير

لكي لا يُفقد المرض الحياة قيمتها

30 أغسطس 2017
آخر
شارك
طباعة:

تجلس ليلى على أريكتها في غرفتها المتواضعة وإلى جانبها طاولة وضع عليها كل ما قد تحتاجه : كأس من الماء، سلّة من الأدوية، آلة التحكّم بالتلفاز، وبقايا الفطور الصباحي. تفضّل أن تبقى هذه الأشياء حولها فهي تعاني من صعوبة في الحركة. تقضي أيّامها في انتظار أن يطرق الباب فيأتيها زائر يسلّيها، أو يعود أحد أبنائها من عمله او من رحلة البحث عن عمل.

منذ أشهر أصبح لديها أصدقاء جدد تترقّب زيارتهم دوريّاً، وتنتظرهم بفارغ الصبر، إنّهم فريق التمريض لمنظّمة أطباء بلا حدود في مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيّين.

bdc2017_dscf9586.jpg

ليلى أرملة فلسطينيّة تبلغ ال56 من العمر، لكن المرض أنهكها وجعلها تبدو أكبر سنّاً. تعاني ليلى من مرض السكّري منذ سنوات، وكانت ترسل أحد أبنائها إلى مركز " وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" للحصول على الدواء، إلّا أنها لم تخضع إلى فحص طبّي من قبل أخصّائي منذ زمن. وهذا ما جعل حالتها الصحيّة تسوء بفعل المضاعفات الخطيرة لمرض السكري على جسمها وخصوصاً على قدميها ونظرها. في كل مرّة كانت تصاب ليلى بوعكة صحيّة كانت تُنقل إلى المستشفى، لكن بين الوعكة والأخرى، لم تكن تحظى أبداً بالرعاية الصحيّة اللازمة.

اليوم، محمود، الممرض من فريق أطباء بلا حدود يتابع حالتها، ويقول :" كانت السيّدة ليلى تعاني من عدم انتظام في مستوى السكر، وقد بدأ ذلك يسبب لها مضاعفات خطيرة. بعد تقييم حالتها، تم تسجيلها في "برنامج الرعاية الطبيّة المنزليّة لذوي الأمراض المزمنة" والذي تنفّذه منظّمة أطباء بلا حدود في مخيّم برج البراجنة، جنوبي بيروت." ويضيف : "في الأسبوع الأوّل، كان الفريق التمريضي يزورها كل يوم تقريباً، وكان الطبيب يرافقنا من وقت لآخر، إلى حين حققنا استقرار في حالة ليلى الصحيّة."

وعن حالتها الصحيّة تقول ليلى : "قبل أن يبدأ فريق أطباء بلا حدود بمتابعة حالتي، كنت آخذ الأدوية التي يحضرها أولادي لي، لكنّني لم أكن أعرف الكثير عن مرضي، وعن الحمية الغذائيّة التي يجب إتباعها. "الله يرضى عليه محمود" علّمني وشرح لي."

bdc2017_dscf9659.jpg

ويستهدف برنامج "الرعاية المنزليّة لذوي الأمراض المزمنة" المرضى الذين يعانون من صعوبة في الحركة تمنعهم من الحصول على المتابعة الطبيّة اللازمة. وقد أطلقت منظّمة أطباء بلا حدود هذا البرنامج في مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيّين، في مايو /أيار من العالم 2016 ويستفيد منه حاليّا حوالي 170 مريضًا من سكّان المخيّم.

وتهدف منظّمة أطباء بلا حدود من خلال برنامج "الرعاية المنزليّة لذوي الأمراض المزمنة" الذي تنفّذه في مخيّم برج البراجنة إلى ضمان الوصول الخدمات الطبيّة إلى الفئات الأكثر حاجة، وخصوصاً في مجال رعاية الأمراض المزمنة، حيث تعتبر أمراض السكري والضغط و أمراض القلب من أبرز أسباب الوفاة في البلدان المنخفضة إلى المتوسطة الدخل كلبنان، ويزيد خطرها على حياة الناس مع التقدّم في السن وغياب الرّعاية الصحيّة اللازمة.

يقوم هذا المشروع على زيارات دورية يجريها الفريق الطبّي إلى منازل المرضى من الكبار السن، لمتابعة وعلاج الأمراض المزمنة التي يعانون منها، كالضغط والسكري والقلب. فبين أشخاص فقدوا ذويهم، عاشوا في مخيمات النزوح، واختبروا البطالة والمرض والعوز والوحدة، بات أفراد الطاقم الطبي بمثابة أسرة لمن خلّفتهم الحياة وحيدين أو شبه وحيدين. ينتظر المرضى مواعيد الزيارات على أحر من الجمر، ومن بينهم آمنة بنات، 84 سنة، التي تبتسم قائلة: "عندما يحضرون إلي، أشعر أني شُفيت".

bdc2017_dscf9635.jpg

وتساهم المتابعة الدوريّة التي يحصل عليها المرضى من قبل الفريق الطبي في تحقيق تحسّن ملحوظ في حالات المرضى الصحيّة، فبالإضافة إلى الفحوصات الطبيّة اللازمة، يقدّم الفريق الطبّي للمرضى إرشادات حول كيفية الاعتناء بأنفسهم، وطريقة تناول الأدوية وأخذ حقن الأنسولين، وحول الحمية الغذائية التي يجب اتباعها للسيطرة على أمراضهم وغيرها من المواضيع المتعلّقة بصحّتهم. وعن هذا المشروع تقول أميرة، 80 عاما، وهي سيّدة لبنانيّة متزوّجة من فلسطيني:"يحضرون لي الدواء، فيخلصوني من عبء إضافي، لم اعد مضطرّة إلى الاستدانة لتأمينه، يأتون مرتين أو ثلاثة أسبوعياً لمتابعة حالتي، يعرفون عني أكثر ما أعرف أنا عن نفسي. أشعر بفرح كبير حين يأتون لزيارتي". باستثناء فريق أطباء بلا حدود، قليلون هم من يطرقون باب أميرة للاطمئنان عليها، هي التي فقدت زوجها منذ سنوات وتعاني من شلل جزئي جعلها طريحة الفراش.

أمّا من ناحية التحديات التي تواجهها طواقم العاملة في هذا المشروع، فيتمثّل أبرزها في بناء الثقة مع المرضى التي قد تستغرق وقتاً طويلاً كما يفيد راشد، وهو ممرض يعمل في المشروع، حيث يقول: "رغم التحدّيات، إلا أن المكافأة الأكبر لنا تتجسد في رؤية البسمة ترتسم على وجوه المرضى عند رؤيتنا، وهذا دليل على شعورهم بالثقة والأمان، وهذا معيار نجاحنا."

وتدير منظمة أطباء بلا حدود في مخيّم برج البراجنة مركزاً صحيّاً يقدّم خدمات الصحّة الإنجابيّة والصحّة النفسيّة للأفراد والمجموعات، كما تتضمن نشاطات المجتمعيّة للمنظّمة جلسات توعية صحيّة ودعم نفسي جماعية يشارك فيها الكبار السن، إلى جانب فئات أخرى من المجتمع المحلّي.


عن منظّمة أطباء بلا حدود:

منظّمة أطباء بلا حدود هي منظمة طبيّة إنسانية دولية مستقلة تُقدّم المساعدات في حالات الطوارئ إلى الأفراد المتضررين من النّزاعات المسلحة والأوبئة والكوارث الطبيعية والحرمان من الرعاية الصحية في 70 بلدًا حول العالم. تقدّم المنظّمة المساعدة إلى الأفراد على أساس الحاجة حصراً، وبغضّ النظر عن العرق والدين والجنس أو الانتماء السياسي. وتتحدث المنظّمة علنًا عندما تشهد فرقها على أعمال عنف خطرة وأزمات مهملة أو أعمال تعيق أنشطتها.

عملت منظّمة أطباء بلا حدود للمرّة الأولى في لبنان عام 1976، وذلك في إطار الاستجابة الطارئة خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة، وكانت تلك المهّمة الأولى لمنظّمة أطباء بلا حدود في منطقة نزاع مسلّح.

للمزيد من المعلومات، الرجاء التواصل مع :

ماريو فواز، منسق التواصل الميداني

منظّمة أطباء بلا حدود في لبنان

هاتف 76 700 457:

بريد : [email protected]