تمرير

علاج مرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة مريضًا تلو الآخر

3 أكتوبر 2021
نشرة صحفية
الدول ذات الصلة
العراق
شارك
طباعة:

في مدينة الصدر، إحدى مناطق العاصمة العراقية بغداد، يجلس إحسان علي مع أطفاله الأربعة في البيت، حيث يستمتع الأب البالغ من العمر 44 سنة بصحبة أسرته بعد أسابيعٍ اضطر أثناءها أن يلجأ للعزلة عنهم. أصيب إحسان بالسل (التدرن) مرتين من قبل، لكن الأطباء شخَّصوا إصابته مؤخراً على أنها من النوع المقاوم للأدوية المتعددة.

عادة ما يعاني مرضى السل من أعراض خطيرة تؤثر على حياتهم بالغ التأثير وتشمل السعال وألم الصدر والوهن الشديد والفقدان المفاجئ للوزن والحمى. إن السل الذي لا ترافقه مضاعفات مرضٌ يمكن الشفاء منه، لكن على المرضى تحمل أشهر من العلاج بأدوية شديدة وقاسية. وقد تتفاقم عدوى السل لتصبح مقاومةً للأدوية وبهذا يتحول المرض إلى ما يعرف بالسل المقاوم للأدوية المتعددة.

تحدث مقاومة الأدوية عندما لا تستخدم أدوية السل بالشكل الصحيح وذلك حين يرتكب مقدمو الرعاية الصحية أخطاءً في وصفها و/أو حين تكون الأدوية رديئة النوعية و/أو حين لا يمتثل المرضى لتناول العلاجات الموصوفة لهم بحسب نصائح الأطباء. وإلى وقت قريب، كان علاج السل المقاوم للأدوية المتعددة يعتمد على عقارات قوية تؤخذ فمويًا وحقنًا، بحيث يمكن أن يستغرق البرنامج العلاجي مدة تصل إلى سنتين وقد تؤدي تلك العلاجات إلى تأثر المرضى بآثار جانبية خطيرة كالصمم وضرر الكِلى ومشاكل نفسية شديدة.

علاج أفضل لمرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة

تدعم فرق أطباء بلا حدود العاملة في العراق المعهد الوطني لمكافحة السل في التحري عن السل وتشخيص المرضى المصابين بالسل العادي والسل المقاوم للأدوية المتعددة.

كما قدّمت منظمة أطباء بلا حدود برنامجًا مبتكرًا لعلاج مرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة يعتمد على عقارين جديدين ألا وهما البيداكويلين والديلامينيد. ويقوم هذا البرنامج الجديد الذي توصي به منظمة الصحة العالمية على أدوية فموية بالكامل، مما يغني المرضى عن الحقن المؤلمة التي كانوا يضطرون لأخذها. كما أظهرت هذه الأدوية الجديدة تحسنًا في معدلات امتثال المرضى للبرامج العلاجية وحققت نجاحًا أكبر في علاج السل المقاوم للأدوية في فترة أقصر وبآثار جانبية أقل.

تقول حميدة، وهي جدة تبلغ من العمر 65 عاماً كانت مصابة بالسل المقاوم للأدوية المتعددة، "كنت أتعالج من إصابتي السابقة بحقن يومية كانت تسبب لي الكثير من الآثار الجانبية. فقد كنت أعاني من حكة شديدة ومن كدمات على الجلد. لكنني أشعر بالتحسن منذ أن بدأت بتناول الأقراص الدوائية الفموية فهي أفضل بكثير. الأقراص تسبب لي بعض آلام المعدة، لكن آثارها الجانبية أقل بكثير مقارنةً بالحقن". وتعدّ حميدة من بين أوائل المرضى العراقيين الذين حققوا شفاءً كاملاً من المرض بعد إتمامهم البرنامج العلاجي الجديد.

ويقول المستشار الطبي لمشروع أطباء بلا حدود في بغداد، هيمانت بانغتي، الذي يشرف على مجموعة مرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة، "إننا سعداء جدًا بإتمام ستة مرضى عراقيين مصابين بالسل المقاوم للأدوية البرنامج الجديد بالكامل وبشفائهم، علماً أن هناك اليوم في أغسطس/آب 2021 ما مجموعه 93 مريضاً لا زالوا يتلقون العلاج الفموي".

وقد بدأت منظمة أطباء بلا حدود في عام 2020 بتطبيق البرنامج الجديد لعلاج مرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة في العراق بالتعاون مع المعهد الوطني لمكافحة السل، حيث اعتُمِد البرنامج الجديد في وقت لاحق من ذلك العام رسميًا لعلاج جميع مرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة في البلاد. ويخضع جميع المرضى الذين تُشخَّص إصابتهم بهذا الشكل من السل لبرنامج علاجي بأدوية فموية بالكامل ما عدا استثناءات قليلة تكون نتيجةً لمتطلبات طبية معينة.

ويقول إحسان، "حين أعلموني بأنني مصاب بالسل المقاوم للأدوية المتعددة، أخبرني الأطباء في المعهد الوطني لمكافحة السل عن البرنامج العلاجي الجديد الذي يعتمد على أدوية فموية. وقد وافقت على الفور إذ لم أكن أريد أخذ الحقن المؤلمة مجددًا كل يوم. وها أنا اليوم أخضع للعلاج منذ حوالي 10 أشهر وأبلي بلاءً حسنًا. فهذه الحبوب التي أتناولها نعمة مقارنةً بالحقن".

تخفيف المعاناة اليومية

يواجه مرضى السل بمختلف أشكاله العديد من التحديات في حياتهم اليومية نظرًا لوضعهم الصحي. كما أنهم ينقلون العدوى في المرحلة المبكرة للإصابة بالمرض ويتوجّب عليهم عزل أنفسهم تجنبًا لإصابة الآخرين، ما يؤثر عادةً على صحتهم النفسية ومصدر رزقهم.

وفي هذا الصدد، يقول إبراهيم محمد، وهو أب لثمانية أطفال يعيش في مدينة الصدر، "كنت حمالاً قبل أن أصاب بالمرض، لكنني لم أعد أقدر على العمل بسبب مرضي. ولا يمكننا تحمل تكاليف الكثير من الأمور". يعاني إبراهيم من السل المقاوم للأدوية المتعددة وهو حاليًا في المرحلة المعدية. ويتابع قائلاً، "في معظم الأوقات، طعامنا هو الشيء الوحيد الذي نستطيع أن نتحمل تكاليفه وهذا بفضل مدخول ابني الذي يعمل حمالاً هو الآخر".

وتؤمن منظمة أطباء بلا حدود الدعم لمرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة تخفيفًا للأعباء المادية التي يفرضها عليهم العلاج وتشجيعًا لهم على حضور جلسات المتابعة التي يوصيهم بها مقدمو الرعاية الصحية. ويتضمن هذا الدعم بدل مواصلات للتنقل بين منازلهم والمعهد الوطني لمكافحة السل، إلى جانب السلل الغذائية للأشخاص الذين لا يقدرون على العمل خلال فترة المرض كما هو حال إبراهيم.

وتهدف فرقنا إلى تحقيق خطوة أبعد في مجال علاج مرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة في العراق. وفي هذا الشأن، يقول بانغتي، "يتلخص هدفنا القائم حاليًا في إلغاء مركزية العلاج بحيث لا يضطر الناس للسفر إلى بغداد للاستفادة من هذه الخدمات. فقد كان على جميع المرضى من مختلف أرجاء العراق حتى الآن المجيء إلى هنا للحصول على أدويتهم ومتابعة حالتهم".

ويضيف، "لكننا نريد أن يتغير هذا الواقع. فالتغلب على السل في حد ذاته صعب ومؤلم بما فيه الكفاية. كما أن علاج الشكل المقاوم للأدوية المتعددة أصعب حتى. ولهذا نريد تسهيل إجراءات العلاج على المرضى بكل ما نستطيع إليه سبيلاً، وقد اتخذنا بالتعاون مع المعهد الوطني لمكافحة السل خطوات كبيرة في هذا الاتجاه".

يشار إلى أن منظمة أطباء بلا حدود تتعاون منذ يونيو/حزيران 2021 مع البرنامج الوطني لمكافحة السل والمنظمة الدولية للهجرة لتدريب طواقم الرعاية الصحية في محافظات عديدة في العراق من أجل تحسين قدراتها على التحري المبكر عن السل المقاوم للأدوية المتعددة وتأمين العلاج والمتابعة للمرضى.

ويختتم بانغتي حديثه قائلاً، "سيساعد إلغاء المركزية المرضى على توفير الوقت والمال إذ سيمكنهم من الحصول على خدمات رعاية عالية الجودة قريبة من بيوتهم. ونأمل أن تساعد كل هذه الخطوات على تخفيف معاناتهم وتسهم إيجابيًا في علاجهم وفي حياتهم اليومية".