شمال غرب سوريا: أشعر أن الكارثة لم تنته بعد

Earthquake Syria
تمرير
14 فبراير 2023
قصة
شارك
طباعة:

"أنا سمر من الغوطة الشرقية، وأنا مشرفة التثقيف الصحي لدى أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا.

عند حدوث أول زلزال كنت في بيتي في أعزاز، برفقة زوجي وابني وابنتي، ونحن نسكن في الطابق الثاني. كنا نائمين عند حدوث الزلزال، وأحس به زوجي وأيقظني. عندها حملت ابنتي وحمل زوجي ابني، وخرجنا فورًا بثياب النوم ونحن حفاة ونشعر بالرعب. شعرنا كأننا في يوم القيامة حيث الناس في حشر يركضون. لم نعد نشعر بأي شيء بين الخوف والرعب والارتعاش والمطر، وولداي يرجفان أمامي، دون أن أعرف ما علينا أن نقوم به، هل نبتعد عن البنايات؟ هل نتجه نحو الأراضي؟ كان علينا أن نتأكد أن معارفنا سالمون، لكن بنايتنا كانت آيلة إلى السقوط وتهتز أمامنا – كانت مشاعر مختلطة.

عندما وصلنا إلى الشارع، كان الناس جميعًا يغادرون منازلهم ويركبون السيارات ليبتعدوا عن البنايات، متجهين نحو الساحة الخالية من الأبنية. لم تسقط البنايات أمامنا، لكنها كانت تتحرك، وكانت الشرفات تسقط فوق السيارات فتدمرها. كان مشهدًا مروعًا فيما الناس جميعًا يركضون ليبتعدوا عن البنايات وهم يحملون أولادهم.

بعدها، غادرنا المنزل دون أن نحمل أي شيء. لم أرتد سوى ملابس الصلاة بعد مغادرة البيت، إذ لم أتمكن من ارتدائها في المنزل. ثم تذكرنا سيارتنا، فذهب زوجي وأحضرها بعدما هدأت الهزة كي نجلس فيها ونختبئ من المطر، ثم أحضر معاطف لنا وللأولاد. ثم جلسنا ننتظر في مكان بعيد. بقينا نسمع بحدوث هزات أخرى حتى طلوع الفجر، عندها اتصلت عائلي من دمشق يسألون إذا أصابنا شيء، أما عائلة عمّي فقد توفوا. تخيلي أن عائلتي في مكان بعيد عن الزلزال وقد عرفوا قبلنا بوفاة عائلة عمّي.

أنا لم أكن أعرف، إذ انقطع الاتصال بالإنترنت وانقطع التيار الكهربائي. بالكاد تمكنا من استخدام شبكات الاتصال للاطمئنان على معارفنا. لم نتأكد من ذلك إلا قرابة التاسعة صباحًا. فأخبرت زوجي بأننا علينا أن نذهب إلى جنديرس، وهي أكثر منطقة متضررة مع نواحي الأتارب ومشارف إدلب. مات الكثير من الناس هناك. كل أهل بلدي هناك. جهزنا أنفسنا وغادرنا خلال ربع ساعة ولم نستغرق وقتًا أطول لأننا لم نعرف ما قد يحصل. كان علينا أن نغير ثيابنا التي لطخها الطين بسبب المطر والتراب. ثم ذهبنا إلى جنديرس، وهناك المشاهد مرعبة، حيث كل البنايات منهارة من مشارف المدينة، لم نر بناية على حالها. كل الناس تحت الركام. الكل موتى.

يستحيل أن يرى الإنسان المشهد ويعتقد أن أحدًا سيخرج حيًا من هذه البنايات. ذهبنا إلى حيث منزل عائلة زوجتي، وبالكاد استطعنا الوصول بفعل الركام. توفيت ابنة إبن عمي وأختها وزوجات إخوته وأقاربهم وجميع أقاربنا هناك توفوا. أما الأحياء منهم فمصدومون ولم يستوعبوا ما حصل. كنا نحن في نقطة أبعد عنهم ولم تتضرر منطقتنا مثل منطقتهم لكننا شعرنا بالكثير من الخوف، فما بالك بمن عاش الدمار والردم وسقوط البنايات؟ الأم التي خسرت ابنتها فقدت السيطرة على مشاعرها. بعد ذلك شعرنا بهزة أخرى، رأيت البناية التي قبالتنا تهتز آيلة للسقوط، فتوسلت لهم بأن نخرج بعيدًا عن المباني. ركبنا جميعًا في السيارة وذهبنا إلى مكان بعيد فيه خيم وناس نعرفهم، فجلسنا في خيمة وسط الأمطار الشديدة والطين، لكن كان علينا أن نكون نحن وأولادنا في أمان.

أناس كثر كانوا يدفنون أولادهم وناس آخرون كانوا تحت الأنقاض. لم تنج أي عائلة من الموت، فكل عائلة فقدت أحد أفرادها أو أكثر. خرج الناس شيئًا فشيئًا، والآليات قليلة جدًا، والجهود الفاعلة على الأرض جهود شخصية، حتى أن زوجي ذهب لمساعدة الدفاع المدني هناك لإخراج الناس من تحت الأنقاض، وهو يذهب إلى هناك كل يوم. حتى أصدقاؤنا يساعدون، إضافة للفريق الصحي الذي أشرف عليه، في منظمة أطباء بلا حدود. جميعهم يذهبون إلى جنديرس للمساعدة، فالجميع لديهم أقارب هناك. حتى الذين لا أقارب لديهم يذهبون للمساعدة، لكن لا أحد آخر يساعد في رفع الأنقاض. فالآليات الموجودة هنا في الشمال غير كافية ، فإذا غطت منطقة جندريس، تُترك حلب والأتارب وحارم وترمانين. حسبي الله ونعم الوكيل.

عند الساعة الثانية عدنا من جنديرس إلى عفرين، حيث نقيم في منزل أرضي لأقاربنا، فيما يذهب زوجي يوميًا إلى جنديرس. نخطط للعودة إلى أعزاز اليوم.

في الساعات الأولى بعد الزلزال، نسق أعضاء فريقنا مع اللوجستيين، ووزعوا الخيم والملابس ومجموعات المواد الأساسية وساعدوا السكان في جنديرس لساعات طويلة. حتى الآن لم أستطع المشاركة بأنشطتهم لأنني أبقى في المنزل مع الأطفال وزجي يخرج للمساعدة كل يوم. ولم أعد حتى الآن إلى منزلي.

لا زلت مصدومة ورافضة لتقبل ما حصل وأشعر أن الكارثة لم تنته بعد، كما لم أجرؤ على العودة إلى بيتي لأنه ليس في الطابق الأرضي. يحاول زوجي إقناعي بالعودة على غرار الكثير من الناس، لكني لا امتلك الجرأة بعد.

كنا في المستشفى البارحة، عائلة صديق زوجي توفيت بأكملها ما عدا طفلة واحدة. زرناها في المستشفى. أخبرتنا كيف تجمعوا في مكان واحد. توجهت مع أخيها إلى الباب، تبعتهم أختهم الصغرى. أخبرتني كيف وقع السقف على أبيها فتوفى. قالت لي إن أباها تشهّد ومات. "عندما وقع الردم علينا، كانت أختي تحتي. لقد اختنقت بسببي". كانت تبكي وتقول إن أختها تالا اختنقت بسبها. "كانت تصرخ لنبتعد عنها لكنني لم أتمكن من ذلك، إذ كان الردم فوقي". أخوها وقع الردم على رجله فبُترت. وهي كُسرت ساقاها. كان عليّ أن أستجمع قواي لأرى معاناة الناس.

سمر: الاحتياجات هائلة. كل ما يشغل بال الناس الآن هو إنقاذ الناس من تحت الأنقاض. تبرز حاجة شديدة إلى بلدوزرات وآليات ثقيلة لانتشال الناس، وإلا لن يتمكنوا من إنقاذ أحد. البرد قارس والمطر شديد. فقد الناس ملابسهم وأموالهم ولا يستطيعون أن يشتروا ثيابًا أو يؤمنوا تدفئة أو يجدوا مأوى. دُمرت البيوت والعائلات انتقلت إلى الجامع أو المدارس أو مراكز إيواء. تعمل المنظمات على الأرض لكن الاحتياجات هائلة. في حال لم يحصل أي تدخل، لا يمكن سد الاحتياجات.

سمر: تعمل منظمة محلية على تأمين المأوى والخيم. يجمع فاعلو الخير والسكان مواد غذائية وأفرشة وبطانيات ووسائل تدفئة ويرسلونها. أغلب الجهود التي تبذل محلية وفردية. لم أرَ إلا أطباء بلا حدود توزع مجموعات لوازم وشفق تؤمن المأوى. لا أعرف إذا ما كانت منظمات دولية أخرى تعمل في المنطقة أيضًا. باقي الدعم يوفره أفراد بجهودهم الشخصية. الناس يساعدون بعضهم البعض. يجمع البعض تبرعات من الخارج. إنها مبادرات فردية لا مساهمة للدول فيها. يجمع الناس التبرعات من معارفهم في الخارج.

بعد أن هدمت بيوتهم، بعض الناس قصدوا أقرباءهم. ومن لا يملك أقارب، لجئوا إلى الخيام أو استقبلهم ناس آخرون. في اليوم الأول، استقبلونا وقدموا لنا الطعام. يتم استقبال الناس في خيام في مناطق بعيدة عن الأبنية، أو في أبنية من طابق واحد فقط.

آمل أن تُكثّف الاستجابة ويُنقذ الناس من تحت الأنقاض ليُدفنوا. يجب أن يُتخذ أي إجراء، إذ إن المنطقة مهدمة بالكامل.