تمرير

سوريا: أفخاخ وألغام أرضية- الظروف التي تنتظر السكان العائدين إلى الرقة

29 نوفمبر 2017
نشرة صحفية
الدول ذات الصلة
الجمهورية العربية السورية
شارك
طباعة:

"قد تكون عمليات القتال قد توقفت، لكن الناس لا زالوا يتعرضون للإصابات"
كريغ كينزي، أطباء بلا حدود

أمستردام/سوريا، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 - بعد ستة أسابيع على انحسار عمليات القتال في مدينة الرقة والقرى المجاورة لها، يعود السكان إلى مدينتهم ليجدوا بيوتهم تحت الأنقاض والشوارع والحقول مليئة بمخلفات الحرب غير المنفجرة ومنها الأفخاخ المتفجرة والألغام الأرضية والذخائر والصواريخ.

في غضون عشرة أيام فقط، ما بين 19 و28 نوفمبر/تشرين الثاني، وصل 49 مريضاً يعانون من إصابات ناجمة عن التفجيرات إلى العيادة التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود الطبية الدولية في أحد الأحياء في شرق مدينة الرقة.

وفي هذا السياق أفاد رئيس فريق الاستجابة الطارئة لأحداث الرقة كريغ كينزي إنه:

"حين زرنا حي المشلب للمرة الأولى، كان شبه خال، لكن خلال زيارتنا الأخيرة، لاحظنا أن الناس يعودون شيئاً فشيء إلى منازلهم. بعضهم وجدوا منزلهم سويّت أرضاً، والبعض الآخر وجد الجثث والمتفجرات في منازلهم وحدائقهم وشوارعهم. الجميع يخاف من الأفخاخ المنفجرة حين يدخلون إلى المباني أو يدوسون على شيء قد ينفجر."

وتجدر الإشارة إلى أن المرضى المتعرضين لإصابات حادة وخطيرة يواجهون صعوبات هائلة لتحقيق استقرار حالاتهم بالشكل الملائم وفي الحصول على رعاية الإصابات البالغة. وجراء تضرر العديد من الطرقات أو قطعها، يمكن أن يستغرق الوصول إلى أقرب مستشفى بمقومات جراحية ساعة أو ساعتين في سيارة الإسعاف. بالنتيجة يواجه الأشخاص الذين يعانون إصابات بليغة خطر الموت قبل الرحلة وخلالها.

ومنذ توقف عمليات القتال في الرقة في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول، عالجت طواقم منظمة أطباء بلا حدود في مستشفى تل أبيض- وهو أقرب مستشفى بمقومات جراحية في مدينة الرقة- أكثر من 85 مريضاً يعانون جروحاً ناجمة عن التفجيرات. وفي الفترة نفسها، عالجت منظمة أطباء بلا حدود في مستشفى كوباني المجاور 23 مريضاً يعانون من إصابات ناجمة عن الانفجارات.

وأضاف كينزي إن:

"الأشخاص الذين التقيت بهم في المشلب أخبرونا أنهم فروا من هذا الحي منذ عدة أشهر، علماً بأن الغارات الجوية ازدادت والحصار ارتفعت حدّته. والبعض أُجبروا على الفرار من منازلهم حين تم استعمال هذه الأخيرة كمواقع قتال."

وفي هذا الإطار أفادت امرأة تبلغ من العمر 45 عاماً:

"عدت إلى هنا منذ يومين اثنين لأجد أن منزلي تعرّض للدمار الهائل. حاولت على الأقل إزالة الركام قبل إحضار باقي أفراد أسرتي إلى منزلهم. ما زال علينا إعادة بناء منزلنا لكن أن تعيش في منزلك المدمر أفضل من العيش في خيمة، حتى حين تصل درجة الحرارة إلى ما دون الصفر وحين لا تملك سقفاً فوق رأسك."

ومن جهته أفاد رجل يبلغ من العمر 28 عاماً:

"قُصف منزلنا بغارتين جويتين. وستستغرق عملية بنائه عدة أشهر. لدينا أطفال في العائلة ولا يمكننا أن ندعهم يعيشون في هذه الظروف."

وأفاد أيضاً رجل في الثالثة والثلاثين من العمر:

"سمعت أن منزلي تعرض للقصف، لكن لم أعلم أنه دُمِّر بالكامل. عدت بالأمس لأجده تحت الركام. لا يمكنني تحمّل تكاليف إعادة بنائه، لذلك سأتحمّل العيش في خيمة إلى أن أجد طريقة ما لإعادة بناء منزلي من جديد."

وأضاف كينزي إنّ:

"العديد من المنازل التي لا تزال صامدة في حيّ المشلب تبدو على معالمها ندوب الحرب، من ثقوب الرصاص والنوافذ المحطّمة إلى فجواتٍ ناجمة عن التفجيرات. وتمتلئ الشوارع بالقمامة وممتلكات السكّان الشخصية. لقد نُهب عددٌ كبير من المحلات التجارية، وتعترض طرق المدينة حواجز عديدة من سياراتٍ محترقة.
إن كل ما نراه يشير إلى حدّة عمليات القتال التي وقعت في هذه المنطقة. يوجد هنا كافة أنواع الأجهزة المتفجّرة في أوساط الركام. قد تكون عمليات القتال قد توقفت، لكن الناس لا زالوا يتعرضون للإصابات. من الصعب جداً أن ترى أن الناس، الذين اختبروا عمليات القتال وانعدام الأمن والنزوح والذين قد فقدوا الكثير، ما زالوا يواجهون خطر التعرض للإصابة أو القتل. إن طواقمنا الطبية مستعدة للاستجابة إلى الاحتياجات الجراحية البارزة لدى الأشخاص الذين يعانون من إصابات هائلة ومهددة للحياة.
من الطبيعي أن يرغب الأشخاص الذين أجبرتهم عمليات القتال على النزوح بالعودة إلى منازلهم وإيجاد سبل للمضي قدماً في حياتهم. فهم أمام خيار شبه مستحيل: إما البقاء في الملاجئ المؤقتة التي يسودها القلق والتي غالباً ما يتشاركونها مع عدد من العائلات الأخرى، أو العودة إلى منازلهم في الرقة. وعلى الأشخاص العائدين تقبّل المخاطر والتحديات التي تفرضها الحياة في مكان كان يشكّل ساحة معركة منذ وقت قصير ومليء بالأجهزة المتفجرة. ومن شأن توعية الناس حول الألغام أن تساهم في إدراكهم المخاطر ومساعدتهم في تقييم خطورة هذا الخيار الصعب."

وأفاد أيضاً كينزي إنه:

"على الرغم من الدمار، يحاول السكان العائدون ما بوسعهم كي يجعلوا حي المشلب صالحاً للسكن. وكل يوم نرى أشخاصاً وعائلات يساعدون بعضهم البعض ويبدأون عملية إزالة الركام المضنية وإزالة السواتر الترابية التي خلّفها القتال في الشوارع من أمام أبوابهم".

إنّ حيّ المشلب هو حيٌّ واحد فقط من بين أحياء عديدة في الرقّة يجب أن تصبح آمنة ويُعاد إعمارها كي يتمكّن الناس من العودة إلى منازلهم دون المجازفة بحياتهم. قد تكون عمليات القتال في هذا الجزء من سوريا قد انتهت، لكنه من المرجح أن تستمر التداعيات الصحية والإنسانية الناجمة عنها لسنوات عديدة.