سوريا: عقبات الحصول على رعاية الأمومة تبدد آمال النساء بحمل آمن

Syria: Obstacles to Maternity Care Shatter Women’s Hopes for a Safe Pregnancy
تمرير
31 أكتوبر 2024
مستجدات المشروع
الدول ذات الصلة
الجمهورية العربية السورية
شارك
طباعة:

تبلغ مريم ضاهر من العمر 33 عامًا وتتلقى العلاج في مستشفى تدعمه أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا بعدما خسرت جنينها. فقطعت مسافة 20 كيلومترًا مع ابنها البالغ من العمر 18 عامًا على دراجة نارية للوصول إلى المستشفى. وتقول، " لم تتوفر أي سيارة إسعاف بالقرب من منزلي. كنت مرهقة عندما وصلت، وأتساءل كيف سأخوض هذه الرحلة للعودة إلى المنزل بعد العملية".

في ظل الحرب التي تعصف بسوريا منذ 13 عامًا، والزلازل التي ضربت البلاد في فبراير/شباط 2023، ونقص الدعم الدولي لتشييد البنى التحتية الصحية، تُحرم النساء الحوامل والأمهات الجدد من حقهن الأساسي في الحصول على رعاية مناسبة وكريمة، لا سيما خلال فترتي الحمل والولادة. وقد أمسى هذا الحق الأساسي بعيد المنال بالنسبة إليهنّ في شمال غرب سوريا.

 

مستشفيات كثيرة وخدمات أقل

تاريخيًا، كان يتوفّر للنساء في شمال غرب سوريا الكثير من المستشفيات والعيادات التي تقدّم رعاية الأمومة، إلا أن الكثير منها قد دمّر نتيجة القصف وأعمال العنف. والآن، باتت قلّة من الأماكن تستقبل النساء الحوامل والأمهات الجدد لتلقي رعاية توليدية أكثر سلامة أو رعاية ما قبل الولادة وما بعدها.

فتعوّل النساء على عدد محدود من المرافق المستمرة في العمل، والتي تفصلهن عنها مسافات طويلة، ويضطررن إلى خوض رحلة  غير مضمونة على الطرقات المتضررة وفي ظل الأخطار الأمنية.

توضح عائشة منصور التي تبلغ من العمر 61 عامًا هذا المسار قائلة، "عندما حان موعد ولادة زوجة ابني هرعنا إلى المستشفى الأقرب إلى منزلنا لنجده مغلقًا بسبب نقص التمويل بحسب ما قال الحارس أمام المستشفى. فتوجّهنا إلى المدينة المجاورة، لكننا مُنعنا  من دخولها بسبب القتال".

وفقًا لتقارير المجموعة الصحية للأمم المتحدة في شمال غرب سوريا، كان هناك 160 مرفقًا صحيًا مهدد بالإغلاق الكامل أو الجزئي حتى يونيو/حزيران 2024، ومن بينها تسعة مرافق مخصصة للرعاية الصحية المتخصصة. هذا ويفيد تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنّ 50 في المئة من جميع المرافق الصحية العاملة ستعلّق أنشطتها كليًا أو جزئيًا بحلول ديسمبر/كانون الأول 2024 نتيجة خفض التمويل.

وعلى الرغم من استمرار بعض المرافق الصحية في العمل، تبقى الخدمات المتوفّرة للنساء محدودة بسبب نقص الأطباء المتخصصين، كأطباء أمراض النساء والتوليد، ونقص المعدات الطبية والأدوية والمواد الأخرى. وعندما تحتاج النساء إلى دخول المستشفى، غالبًا ما لا يتم استقبالهنّ.

وتوضح كيارا مارتينوتا، المرجع الطبي لأطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا، "الأطباء المتخصصون إما نزحوا أو هاجروا إلى البلدان المجاورة أو البعيدة بحثًا عن فرص أفضل. أدى ذلك إلى نقص في أطباء أمراض النساء والتوليد الذين يوّفرون رعاية الأمومة المتقدمة، مما يزيد العبء على المرافق الصحية المتبقية والمثقلة أساسًا باحتياجات المرضى". 

Syria: Obstacles to Maternity Care Shatter Women’s Hopes for a Safe Pregnancy
Abdulrahman Sadeq/MSF©

 

القيود الاجتماعية وتأمين الرعاية الصحية

تقول مشرفة القبالة القانونية مع أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا، فاطمة النعسان، "استقبلنا امرأة وقد فارقت الحياة بسبب نزيف حاد، وعندما عاينتها القابلة وجدت الإصابات الشديدة واضحة عليها. أخبرتنا والدتها  أن الزوج أصر على التوجّه إلى قابلة تقليدية على الرّغم من وجود مرفق صحي قريب من منزلهم".

علاوة على ذلك، كثيرًا ما تضطر النساء الحوامل لاصطحاب أحد أقاربها الذكور لتلقي الخدمات الصحية، ويُطلب منهن الحصول على موافقتهم قبل التفكير في طلب الرعاية من الأساس. فيتسبب ذلك في تأخير حصولهنّ على الرعاية ويؤثر على قدرتها على التنقل للوصول إلى المستشفى أو العيادة في الوقت المناسب، خاصةً إذا كان العثور على المرافق مهمةً صعبة.

هذا ويمسي إعطاء المرأة الأولوية لصحتها أمرًا صعبًا في ظل المسؤوليات التي تقع على عاتقها كرعاية الأطفال وإدارة المهام المنزلية، كما يمكن أن تواجه النساء  وصمة اجتماعية وخوفًا من الأحكام المسبَقة، مما يثبّطهنّ عن التماس الرعاية الطبية أثناء الحمل أو يؤخّر ذلك.

تقول كوثر علي، وهي أم نازحة من حلب تبلغ من العمر 23 عامًا، "كثيرة هي النساء اللواتي يعتريهن الندم عندما تعرف بحملها، إذ يواجهن انتقادات لاذعة من المجتمع بسبب ظروفهن المعيشية السيئة والحياة العصيبة في المخيمات. ويعتقد البعض أن إنجاب مزيد من الأطفال سيزيد من التحديات".

يُشار إلى أنّ توفير الغرسة أو اللولب الرحمي لا يمكن أن يتم بدون توقيع الأزواج على موافقة مسبقة في المرافق التي تدعمها أطباء بلا حدود، ويعود ذلك إلى الأعراف الثقافية السائدة في المنطقة. هذا ويعدّ الحمل المبكر من التحديات الملحة التي ترتبط بالأعراف الاجتماعية. يُشار إلى أنّنا استقبلنا خلال عام 2024 امرأة تبلغ من العمر 19 عامًا أو أقل من بين كل أربع نساء قصدوا مستشفيات الأمومة التي ندعمها.

 

تداعيات الصعوبات الاقتصادية

 يقول خالد يوسف، وهو أحد النازحين الذين يعيشون في منطقة جنديرس وأب لسبعة أطفال، "اضطررت إلى شراء الدواء من صيدلية خاصة لعدم توفّره في المستشفى. ظروفنا المعيشية سيئة، ولا أقدر على شراء الأدوية".

تفاقم التضخم بشدة في سوريا وزادت تكلفة كل السلع. وباتت العائلات غير قادرة على تحمّل تكاليف الاستشارات الخاصة أو العمليات الجراحية. ينتشر الفقر على نطاق واسع في المنطقة، وتعاني الكثير من النساء الحوامل من فقر الدم أو سوء التغذية الحاد. وفي أغسطس/آب 2023، رجّحت مجموعة التغذية التابعة للوكالة الإنسانية في شمال غرب سوريا إصابة 7 إلى 15 في المئة من النساء الحوامل والمرضعات في محافظتي إدلب وحلب بسوء التغذية.

يُشار كذلك إلى أنه لا يوجد ذكر بالغ في كل عائلة من بين خمس عائلات في كثير من مخيمات النزوح التي تعمل فيها أطباء بلا حدود.

ونظرًا لخسارة المعيلين الذكور وارتفاع تكاليف المعيشة، لم يعد أمام النساء الحوامل من خيار إلا أن يشاركوا في العمل الزراعي، مما يزيد من المخاطر على صحتهن وسلامة أطفالهن الذين لم يولدوا بعد.

يزداد الوضع سوءًا للنازحين الذين يعيشون في خيام بالية على أراضٍ خاصة. فهم مجبرون على تحمّل الظروف العصيبة خلال الشتاء القاسي والصيف الحارق. ومما يزيد الطين بلة، أن بعضهم مهدد بالطرد من قبل ملاك الأراضي الذين يطالبون باستعادة أراضيهم.

وقد تأكد هذا الاتجاه المقلق في تقديرات عام 2024 المتأتية من بعض المخيمات في حلب وإدلب شمال غرب سوريا حيث تعمل أطباء بلا حدود. ومع توقع خفض إضافي في التمويل، يمكن أن تتراجع إمكانيات الحصول على الخدمات التغذوية الأساسية، مما يعرّض النساء والرضع لخطر أكبر.

 

ما بين العقبة والأخرى

تواجه النساء الحوامل والأمهات الجدد القريبات من الخطوط الأمامية مخاطر مستمرة، تشمل التعرض للنيران أو الوقوع ضحايا للعنف أو الاعتقال.

هذا وتُفرَض قيود كثيرة على التنقل بسبب نقاط التفتيش وحظر التجول والعمليات العسكرية. فتضطر النساء والأمهات الجدد إلى تقييم هذه المخاطر والحواجز بعناية قبل مغادرة منازلهن لتلقي رعاية الأمومة. وقد يتسبب ذلك في تأخيرهن أو تثبيطهن عن طلب الرعاية مباشرة.

 

رعاية من دون انقطاع

منذ عام 2023، ساعدت فرق أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا في أكثر من 25,500 ولادة، وأجرت أكثر من 5,500 عملية قيصرية، كما وفرت أكثر من 111,000 استشارة طبية للأمهات. ومع ذلك، فالحاجة المتزايدة لرعاية الأمومة تفوق القدرة على الاستجابة بأشواط، لا سيما مع الخفض الإضافي في التمويل المخصص للرعاية الصحية.

يبدأ الحمل الصحي بتلقي رعاية ما قبل الولادة. فمن خلال حضور الفحوصات المنتظمة، يمكن للمرأة أن تتلقى الإرشادات وأن تكتشف المخاطر المحتملة بصورة مبكرة، وتكون أكثر اطلاعًا على وضعها لاتّخاذ القرارات المناسبة. ويمكن لزيادة الدعم المقدم لرعاية الأمومة طوال فترة الحمل وحتى خلال فترة ما بعد الولادة أن يشجع النساء على إعطاء الأولوية لصحتهن وضمان سلامة أطفالهن.

 

Syria: Obstacles to Maternity Care Shatter Women’s Hopes for a Safe Pregnancy
Abdulrahman Sadeq/MSF©

وفي هذا الصدد، وفي سبيل تعزيز هذا الدعم،  تعمل  أطباء بلا حدود على بناء مستشفى جديد للولادة في منطقة جنديرس للمساعدة في معالجة النقص الحاد في مرافق الأمومة. سيتمكّن هذا المستشفى من توفير خدمات شاملة كرعاية ما قبل الولادة وما بعدها وخدمات الولادة الآمنة ورعاية التوليد في حالات الطوارئ. علاوة على ذلك، يعمل فريقنا على توسيع نطاق خدمات الأمومة في مستشفى الشهباء في مدينة مارع، حيث يقدم خدمات الولادة القيصرية والجراحة والرعاية للأطفال حديثي الولادة، كما يستقبل الإحالات من مرافق صحية أخرى في شمال غرب سوريا.

 تقول رئيسة بعثة أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا، سهام حجاج، "لا يمكن تجاهل الحاجة الملحة إلى تذليل العقبات التي تؤخّر النساء الحوامل أو تمنعهنّ من تلقي الرعاية في شمال غرب سوريا. وفي ظل خفض التمويل، سيزداد هذا الوضع سوءًا. تناشد أطباء بلا حدود الجهات المانحة الدولية للالتفات إلى الاحتياجات الهائلة في مجال الأمومة وزيادة الدعم على المستويين الأساسي والمتخصص، وتخصيص موارد كافية للنساء والأطفال المعرضين للخطر".