تمرير

سوريا: أصوات من قبو المستشفى في الغوطة الشرقية

17 مارس 2018
قصة
الدول ذات الصلة
الجمهورية العربية السورية
شارك
طباعة:

يعيش معظم سكان الغوطة الشرقية تحت الأرض. أما الرعاية الطبية فأصبحت تُقدَّم في الملاجئ على نحو متزايد. فما يحصل هناك لا يحتمل وَضَحَ النهار.

تحدثت مؤخراً مع إحدى مديرات مستشفى تدعمه أطباء بلا حدود منذ عام 2013 في الغوطة الشرقية. وازداد شعوري بالاستياء من كوني أجلس في مكان آمن في مكتب في بروكسل بينما كانت تصف بالتفصيل المعاناة والصعوبات التي تواجهها هي وباقي زملائها.

شرحت لي هذه الطبيبة الشابة الواثقة أن السنوات الخمس الماضية من الحصار والقصف الذي لم يكن يتوقف إلا ليعود، كانت غاية في الصعوبة. ومع ذلك فلم تكن السنوات الماضية بصعوبة الشهر الأخير. وأردفت أنها تكاد لا تجد كلمات لوصف الوضع. المستشفى الذي تديره هو بالأصل مبنى من خمسة طوابق لكنهم لا يستطيعون سوى استعمال القبو، الذي يمكن أن يوفر لهم بعض الحماية إذا ما تعرضوا لقصف أو غارة جوية

جهَّزوا في ذلك القبو عدة غرف للعمليات، لكن أقرب وحدة عناية مركزة تبعد عنهم عدة كيلومترات والطريق خطرة للغاية. حكت لي الطبيبة عن غارة في اليوم السابق بالقرب من المستشفى: قُتل فيها سبعة أشخاص، بينهم ثلاثة أطفال، وأصيب فيها 30 شخصاً أُسعفوا إلى المستشفى.

عندما تحدثنا بدا عليها الإرهاق، فقد كانت هي وزملاؤها قد قاموا بـ 17 عملية جراحية كبرى خلال الأربعة وعشرين ساعة الماضية – بينها جراحات عامة وعظمية ووريدية – وبأجهزة ومواد محدودة. سألتها عن وضع المرضى فأخبرتني أن واحداً منهم لفظ أنفاسه، والستة عشر الآخرين في وضع مستقر.

أخبرتني أن من أكبر المشاكل التي يواجهونها هي نقل الدم. فبنك الدم المركزي يبعد عنهم سبعة كيلومترات، لكن بوجود القصف والغارات المكثفة فقد تصبح المسافة 70 كيلومتراً؛ إذاً لا يمكنهم الوصول إليه. في هذا المستشفى لا تستطيع هذه الطبيبة سوى القيام بالفحوص الأساسية قبل نقل الدم، كما أن أكياس الدم بدأت تنفد.

معظم السكان بدأوا بالعيش تحت الأرض في الأقبية أو في مخابئ مؤقتة؛ وهي أماكن مغلقة وغير صحية على الإطلاق. لكن الطبيبة قالت أنها مضطرة إلى خفض تقديم الاستشارات الطبية إلى الحد الأدنى، لترك المجال للحالات الحرجة.

إن سلوك هذه المعركة وأثرها أمران غير عاديان. فخلال الأسبوعين الأولين من العملية، كانت المستشفيات المدعومة من قبل أطباء بلا حدود تشهد يومياً أكثر من 300 جريح و70 قتيلاً. وتعرض أكثر من 15 مرفق طبي تدعمها أطباء بلا حدود في المنطقة لقصف جوي أو مدفعي. وقُتل أربعة من أفراد الطاقم الطبي الذين ندعمهم وأصيب منهم 20 آخرون حتى الآن.

وبينما يبدو واقع الحرب الشاملة واضحاً، إلا أن هنالك بعض التفاصيل أقل وضوحاً. وتشير تلك التفاصيل إلى النزاع ليس بكونه شاملاً فقط بل بكونه قذراً للغاية. ومع أنه لا يمكننا التأكد من تفاصيل صعوبات التنفس والأعراض التي على المرضى الذي أُحضِروا للعلاج إلى أحد المرافق التي ندعمها والتي قد تكون متوافقة مع أعراض التعرُّض لعوامل كيماوية. ولا يمكننا التأكد من قصص جرحى عولجوا من قبل الطواقم الطبية التي ندعمها، يقولون أنهم استهدفوا من قبل قناصة داخل المنطقة التابعة للمعارضة.

ما يمكننا فعله هو مواصلة السعي لضمان أفضلِ استخدامٍ ممكن للمواد الطبية المتبقية لأطباء بلا حدود، التي تم تخزينها مسبقاً، في المنطقة المحاصرة، مع أن هذه المواد أيضاً تتناقص يوماً بعد آخر. ويمكننا أن نكرر نداءاتنا للأطراف المتحاربة وداعميهم بأن المدنيين العالقين في الغوطة ليسوا أهدافاً مشروعة أو أشياء مستهلَكة في طريق الحسم العسكري. فلا يجب أن يُستَخدموا كرهائن من قبل فصائل المعارضة، أو مبرراً للحملة العسكرية التي يشنها التحالف السوري.

وبينما كانت الطبيبة تستعد للعودة إلى جرحاها، لخَّصت لي الوضع بأنه حرج للغاية؛ فريقها الطبي مرهق ولا يقدرون على النوم إما بسبب القتال أو بسبب تدفق الضحايا. وجميعهم خسروا وزناً بسبب قلة الطعام أو انعدامه. وأضافت: ’يجب أن ينتهي هذا الوضع. لا يمكننا أن نواصل مشاهدة الأطفال وهم يُقتَلون‘.

بلغ الجهد بهؤلاء الأطباء والممرضين مبلغه، لكنهم ما زالوا يقومون بعملهم بكل ما استطاعوا. أمامهم نقف جميعنا خاشعين. لا تسعفني الكلمات لقول المزيد، ولم يبق لدي إلا أن أنقل الرسالة الواضحة التي سمعتها من ظُلمةِ وخوفِ قبو المستشفى: يجب أن ينتهي هذا الوضع.