قصص من ’قرية الحاويات‘ في ليكوني، كينيا

msf240132_medium.jpg
تمرير
10 سبتمبر 2018
قصة
الدول ذات الصلة
كينيا
شارك
طباعة:

عبر باب أبيض مكتوب عليه عبارة "غرفة الولادة"، يُسمَع صوت امرأة تصرخ، بينما تُسمع أصوات تشجيع خافتة من القابلة. ولم يمض وقت طويل حتى انطلقت صرخة طفل دوّت في الغرفة داخل المركز الصحي المؤقت الذي تديره أطباء بلا حدود في ليكوني، الواقعة جنوب غرب جزيرة مومباسا.

تعج منطقة الانتظار الواقعة أمام الغرفة مباشرة بالحركة والنشاط: أمهات ينتظرن الولادة يسترحن على مقعد في انتظار الحصول على الاستشارة بينما تدخل أخريات إلى المركز. ترى أخريات يغادرن أجنحة المخاض ليمشين قليلاً في أرجاء المكان، وقابلات وممرضات يتنقلن من غرفة إلى أخرى. السقف مرتفع والمكان مضاء بشكل جيد من خلال النوافذ السقفية.

 

msf240075_medium.jpg
بهو الاستقبال والانتظار في مرفق حاويات الشحن المعدلة في ليكوني.

شامير راما، ذات التسعة عشر عاماً، وضعت للتو مولودها الأول، وكان والداها هما من أحضراها إلى هنا. وتقول شامير: "كان العديد من المستشفيات الحكومية خارج العمل ولم أعرف أين يمكنني أن ألد، وأنا مسرورة بدخولي هذا المستشفى". نحن في شهر يوليو 2017، وقد دخل إضراب الممرضين الذي عمَّ أنحاء كينيا شهره الثاني. أكثر من 10,000 أم ولدن في مرفق حاويات الشحن هذا الشهر – وهو رقم قياسي جديد. واليوم ولد أكثر من 35 طفلاً هنا.

قبل أن تبدأ أطباء بلا حدود أنشطتها الطبية في ليكوني، لم تكن هنالك مرافق رعاية توليدية طارئة أو مرافق لرعاية حديثي الولادة في منطقة ليكوني. وكانت النساء اللاتي على وشك الولادة يضطررن لركوب عبارة لقطع القناة والوصول إلى المرافق التي تقدم خدمات الأمومة في جزيرة مومباسا. وإذا كانت الحالة طارئة فقد يشكل الوقت اللازم لقطع القناة خطراً على حياة الأمهات وأطفالهن على حد سواء. لذلك قررت أطباء بلا حدود إعادة تأهيل مركز مريما الصحي القديم في ليكوني وتوسعته.

 

msf240076_medium.jpg
أحد أجنحة الأمومة داخل مرفق حاويات الشحن المعدلة في ليكوني

في يناير 2016 بدأت أعمال إعادة التأهيل. ولضمان عدم انقطاع الخدمات الطبية لحين عودة المرفق الجديد للعمل أنشأت أطباء بلا حدود مرفقاً مؤقتاً هو عبارة عن حاويات شحن تم رصها بجانب بعضها البعض الآخر لتكوِّن مستشفىً كاملاً يضم غرفة عمليات. وقد أصبحت ’قرية الحاويات‘ هذه كما بات الكثيرون يسمونها، ملاذاً يمكن للكثير من النساء الولادة فيه بأمان، حتى في حالات الحمول ذات المضاعفات.

في البداية، كانت أطباء بلا حدود تساعد في 300 ولادة شهرياً، لكن بعد أن أضرب الأطباء في البلاد لمدة 100 يوم وتبع ذلك إضراب للممرضين في يونيو 2017، بات الكثير من سكان كينيا بدون رعاية طبية. وشكل ذلك ضغطاً على ’قرية الحاويات‘ للتعامل مع الزيادة الكبيرة في عدد المرضى أثناء تلك الفترة. في عام 2017 ساعدت طواقم أطباء بلا حدود في 7,873 ولادة في المركز الصحي، منها 1,656 ولادة قيصرية، أي أكثر من خمسة أضعاف عدد الولادات في العام السابق. وقد شهد مرفق حاويات الشحن هذا على مدى العامين والأربعة أشهر الماضية 11,578 حالة ولادة.

 

msf240102_medium.jpg
باراكا، المولِّد، يجري الفحوص الحيوية لطفلين وليدين في مرفق أطباء بلا حدود في ليكوني

وقد كانت النساء الحوامل، أثناء إضراب عمال قطاع الصحة العام، تأتين إلى ’قرية الحاويات‘ ليس فقط من ليكوني، بل أيضاً من أطراف أخرى في المنطقة الساحلية. وتشرح كارول موغون، مشرفة الأمومة في أطباء بلا حدود في ليكوني حينها، قائلة: "وصل إلى عيادتنا عدة مرضى كانوا على حافة الموت وهم قادمين من مكان بعيد. ولحسن الحظ تمكنا من مساعدتهم جميعاً في الوقت المناسب".

أُحضرت فطومة* ذات التسعة وعشرين عاماً إلى المستشفى ليلة الجمعة، وقد تمت إحالتها من عيادة في مسامبويني ولديها مضاعفات، وتبعد تلك العيادة عن المستشفى مسافة ساعتين. مرت ثلاثة أيام على دخولها المستشفى ومازالت فطومة لا تتذكر بوضوح ماذا حصل معها. وتقول كارول: "كانت مصدومة ومقطوعة النفس وقد نزفت الكثير من الدم حين أحيلت إلى هنا". وقد فقدت جنينها.

برغم الألم المصاحب لفقد طفلك وعدم إمكانية الحمل مجدداً، كانت فطومة وزوجها مرتاحين. "أنا سعيدة لأني على قيد الحياة ولأني ما زلت قادرة على الاعتناء بأطفالي الآخرين". لدى فطومة ثلاثة أولاد آخرين أكبرهم عمره تسعة أعوام. ويقول زوجها سلوم*: "لم أكن قد سمعت بهذا المستشفى حتى ذلك اليوم"، مشيراً إلى ’قرية الحاويات‘ التابعة لأطباء بلا حدود، "لكنني ممتن للأبد للأطباء ولن أنسى هذا المكان أبداً".

الكثير من الناس بمن فيهم الطواقم الطبية لم يجربوا من قبل مستشفى مصنوعاً من حاويات شحن، كما أن منظر المكان من الخارج بدا غريباً بعض الشيء. وتقول كارول: "في البداية ظننا أنه سيكون حاراً جداً وغير ملائم للإقامة، لكن لحسن الحظ لم يكن كذلك. كانت تلك أول مرة أعمل فيها في مستشفى مصنوع من الحاويات، لكنه كان أمراً ممتعاً، ولدي فيه الكثير من الذكريات الأثيرة، كما لدى الكثير من المرضى الذي تلقوا الرعاية فيه".

وتروي امرأة كانت قد وضعت مولودها في ’قرية الحاويات‘: "أحالوني إلى هنا من مستشفى منطقة ليكوني. وعندما دخلت المكان فوجئت به لأني لم أتوقع أن يكون هذا منظره من الداخل، فقد كان مجهزاً بشكل جيد ونظيفاً، كما أن الأطباء والممرضين لطفاء ومحترفين".

 

msf240093_medium.jpg
مشرفة جناح الأمومة التابع لأطباء بلا حدود في ليكوني، كارول موغون، تساعد الأم، ندوسيا بيتر، في تعديل حملها لوليدها. وقد ولدت ولادة طبيعية في مرفق حاويات الشحن المعدلة في ليكوني.

في شهر مايو من هذا العام وبعد عامين من أعمال الترميم لمركز مريما الصحي القديم في ليكوني، افتتحت أطباء بلا حدود رسمياً المرفق الجديد الذي تمت توسعته. وفي هذا السياق تقول رئيسة بعثة أطباء بلا حدود في كينيا ستيفاني جاندوناتو: "يشمل هذا المركز الصحي الذي يضم 31 سريراً غرف استشارة مصممة بشكل مهني كما يضم مساحات أوسع وتجهيزات طبية محسَّنة لتناسب تقديم الرعاية لعدد أكبر من المرضى وتوفر بيئة أفضل للأمهات للولادة". وتضيف: "وهذا جزء من التزام أطباء بلا حدود بتقديم الرعاية الصحية والخدمات الطبية الطارئة ذات الجودة، والحرص على توفير الرعاية التوليدية الطارئة وخدمات الأمومة للأمهات على مقربة من مناطق سكنهن".

شاهدوا القصة الصورة هنا

 

msf240108_medium.jpg
أحد الأجنحة الفارغة في مرفق حاويات الشحن بعد أن تم نقل الخدمات إلى المرفق الجديد في مريما.

تم الآن نقل جميع الخدمات إلى المرفق الجديد، وأصبحت ’قرية الحاويات‘ فارغة بعد أن أكملت مهمتها وكان الجميع فخوراً بالدور الذي تمكنت من أدائه في مساعدة الكثير من الأمهات في ولادتهن في وقت الحاجة.

 

*تم تغيير الأسماء حفاظاً على الخصوصية

جميع الصور © بول أودونغو/أطباء بلا حدود