تمرير

معالجة إصابات الأطفال في غزة المحاصرة

14 سبتمبر 2021
قصة
شارك
طباعة:

محمد عبود، أب لخمسة أطفال، يرافق ابنته هلا البالغة من العمر أربع سنوات في وحدة طب الأطفال في مستشفى العودة شمال غزة، بينما تستعيد وعيها ببطء بعد عملية جراحية. وقد أصبح هذا المشهد مألوف جدًا بالنسبة لمحمد الآن، فخلال الأسابيع القليلة الماضية، خضعت هلا لخمس عمليات جراحية.

في 14 تموز / يوليو 2021، كان محمد يصلي في منزله في بيت لاهيا، شمال مدينة غزة، عندما سمع فجأة ابنته تصرخ. هرع إلى الخارج لكنه لم يرَ هلا في أي مكان. كانت قد عبرت الطريق أمام منزلها وصدمتها سيارة، وأخبره أحد الجيران الذي شهد الحادث إن هلا نُقلت إلى المستشفى وأعطاه رقم هاتف السائق.

كانت المنشأة التي استقبلت هلا مكتظة بالفعل ولا يوجد بها الأدوية اللازمة لعلاجها. كان جرحها معقدًا وبدأت بالالتهاب. لقد احتاجت إلى علاج لا يستطيع نظام الرعاية الصحية في غزة الذي يعاني من نقص الموارد والحمل الزائد أن يقدمه لها. وبدلاً من ذلك، تمت إحالة هلا إلى الوحدة المتخصصة بتقويم الأطراف التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود في مستشفى العودة.

عالجت الوحدة التابعة لأطباء بلا حدود في العودة أطفالاً يعانون من إصابات حادة أُحيلت إليها من المستشفيات التي تديرها وزارة الصحة منذ حزيران / يونيو 2020. ويتمثل الهدف من هذه الإحالات في تخفيف الضغط عن المستشفيات العامة، التي كافحت لتغطية الاحتياجات الجراحية المنتظمة منذ وصول جائحة كوفيد-19 إلى غزة. وحتى الآن، تلقى 234 طفلاً رعاية متخصصة لأطرافهم في الوحدة.

msb99172_medium.jpg

عندما وصل محمد إلى مستشفى العودة، أخبره الأطباء أن قدم هلا اليمنى قد تحطمت عندما دهستها السيارة. يقول: "عندما رأيتها، صدمت. لم أكن أتخيل أن إصابتها ستكون بهذا السوء."

إن الجروح الكبيرة المفتوحة مثل الجروح التي تعاني منها هلا معرضة للإصابة بالالتهاب. ووفقًا لما أوضحه الدكتور حافظ أبو خوصة، الذي عالج هلا، "وصلت إلى مستشفى العودة وهي مصابة بجرح عميق، قمنا بتنظيف الجرح وأخذنا عينات من العظام والأنسجة لتحديد نوع الالتهاب التي كانت تعاني منه. وهو ما أتاح لنا وصف المضادات الحيوية بشكل صحيح من حيث النوع والجرعة. بعد ذلك، استخدمنا إجراءً يسمى الإغلاق بمساعدة التفريغ لإغلاق الجرح ومساعدتها على الشفاء بشكل أسرع. والآن، هدفنا هو علاج الالتهاب وتجنب أي تلوث آخر قبل أن نتمكن من تطبيق ترقيع جلدي على قدمها. إنها عملية طويلة وستتطلب عدة إجراءات".

وفيما يؤكد الدكتور خوصة أن جرحها كان شديد التعقيد، أضاف: "كل تغيير في الضمادات يجب أن يتم في غرفة العمليات وتحت التخدير."

msb99164_medium.jpg

بينما يمكن علاج التهابات العظام بالمضادات الحيوية، إلا أن مقاومة المضادات الحيوية منتشرة في غزة. ويرجع ذلك إلى سوء استخدام المضادات الحيوية وإمكانية الحصول إليها دون الحاجة لوصفة طبية من الأسواق المحلية. في عام 2019، عملت منظمة أطباء بلا حدود مع وزارة الصحة على إنشاء مختبر ميكروبيولوجي، يسمح للفرق الطبية على تحديد نوع البكتيريا المسببة للعدوى والمضادات الحيوية المقاومة لها. إلى جانب ذلك، تساعد منظمة أطباء بلا حدود موظفي الرعاية الصحية على فهم وتحسين آلية وصف المضادات الحيوية واستخدامها.

إن الاحتمال الكبير للمقاومة يجعل علاج التهابات العظام مهمة معقدة. نهج الفريق الطبي في مستشفى العودة شمولي ولا يركز فقط على العلاج الطبي للمريض مثل العلاج الجراحي والعلاج الطبيعي وإدارة الألم، ولكن أيضًا على دعم القائمين على رعايتهم، وغالبًا ما يكونون من الأشخاص المقربين جدًا للمرضى. كما يجتمع مستشار الصحة النفسية بانتظام مع هلا وعائلتها لمساعدتهم على التعافي من هذه التجربة المؤلمة، مما يضمن حصولها على أفضل فرصة للشفاء.

msb99162_medium.jpg

يعد هذا النهج وهذا العلاج المتخصص نادرًا في غزة، حيث يتم توجيه معظم الأموال والجهود الإنسانية نحو الاستجابة لحالات الطوارئ، أو لعلاج الإصابات البليغة المرتبطة بالنزاع أو مؤخرًا، نحو الاستجابة لـكوفيد-19. وبالتالي، فإن الاحتياجات الصحية الأخرى، مثل رعاية إصابات الأطفال، غالبًا ما يتم التقليل من أهميتها.

ضمن رعاية الأطفال، تعطى الأولوية للإصابات الحادة مثل حالة هلا، ويجب على الأطفال الذين يعانون من مشاكل مزمنة ناجمة عن الحروق القديمة والإصابات أو الحالات الخَلقية الانتظار لفترة طويلة لإيجاد علاج. ووفقًا لرئيس منظمة أطباء بلا حدود في غزة بينوا فاسور، "إن منظمة أطباء بلا حدود كانت تعالج الإصابات من قبل، ولكن لتخفيف الضغط على مرافق الرعاية الصحية، وسعت معايير قبول المرضى وبدأت في علاج المرضى الذين يعانون من مشاكل مزمنة ناجمة عن الحروق والإصابات القديمة، في قسم طب الأطفال".

بعد شهر من وصولها إلى مستشفى العودة، بدأت قدم هلا في التعافي وهي الآن جاهزة لعملية ترقيع الجلد. لا يزال طريق الشفاء طويلاً، لكن والدها سعيد برؤية ابنته تتحسن. وفي حال سارت الأمور على ما يرام، فمن المفترض أن تتمكن هلا من مغادرة المستشفى في الأسابيع المقبلة. ولكن لا يزال يتعين عليها تناول المضادات الحيوية لفترة من الوقت لعلاج الالتهاب، لكنها ستكون قادرة على البقاء مع أسرتها، الذين كانوا ينتظرون عودتها إلى المنزل بفارغ الصبر.