اليمن: تدفق المرضى المصابين بإسهالات حادة يميط اللثام عن وجه آخر لمعاناة الأطفال في الحديدة

Yemen health
تمرير
29 نوفمبر 2022
قصة
الدول ذات الصلة
اليمن
شارك
طباعة:

وصل أخيراً زكريا ابن الأربعة أعوام إلى المستشفى المجاني الوحيد في مديرية الضحي الواقعة في شمال محافظة الحديدة بعد أيامٍ عانى فيها من الإسهال وسوء التغذية الحاد الشديد.

وقالت أم زكريا: "أحضرناه إلى المستشفى على دراجةٍ ناريّة بعد أن كنا قد نقلناه إلى عيادة في المنطقة، ثم أخذناه إلى البيت، لكنّ صحته لم تتحسن، لذا أحضرناه إلى هنا".

لا يكسب أبو زكريا الذي يعمل سائق دراجةٍ ناريّة الكثير من المال، إذ يبلغ دخله اليومي حوالي 2,000 ريـال يمني (أي أقل من 4 دولارات أمريكية)، علماً أن نصف هذا المبلغ يذهب لتغطية تكاليف الوقود وسط أزمة وقود طويلة مترافقة بارتفاع أسعار الغذاء.

يعاني أهالي الضحي من ظروفٍ معيشيّةٍ بائسة حيث يعيش الكثير منهم في بيوت بسيطة أو خيام، ويقاسون لتأمين المأكل والماء والرعاية الصحية. وكثيراً ما لا يملك الأهالي المال اللازم لتأمين نفقات النقل إلى المستشفى، كما يلجأ العديد منهم إلى الطبّ التقليدي أو ما توفر بين أيديهم محلياً. وغالباً ما لا يأتي الناس إلى المستشفى إلا بعد أن يكون المرض قد بلغ أشدّه ولم يعد أمامهم من بديل.

تعمل فرق أطباء بلا حدود في مستشفى الضحي الريفي بالتعاون مع وزارة الصحة منذ عام 2019، حيث تدعم رعاية الطوارئ وخدمات طب الأطفال ورعاية المواليد الجدد داخل المستشفى، إلى جانب الاستجابة للأوبئة مثل الحصبة والملاريا وحمى الضنك. كذلك شيّدت المنظمة قسماً جديداً للطوارئ كي تحسّن جودة خدمات الطوارئ الأساسية لمصلحة المرضى في المنطقة. كما بدأت مؤخراً باتباع نظام إحالة لطوارئ طب الأطفال يخدم المناطق المحيطة بالضحي بهدف خفض معدل الأمراض والوفيات بين الأطفال معتمدةً على تأمين خدمات رعاية صحية عالية الجودة ومجانية لحالات الطوارئ في الوقت المناسب حيث بدأت بدعم مركز الرعاية الصحية الأولية الواقع في الكدن.

Yemen health

الإسهالات المائية الحادة

منذ أغسطس/آب 2022 وفرق أطباء بلا حدود العاملة في الضحي تعالج المرضى الذين يتوافدون بأعدادٍ كبيرة ويعانون من إسهالات مائية حادة، علماً أن الأغلبية الساحقة منهم أطفال دون سنّ الخامسة ومصابون أيضاً بسوء التغذية الحاد الشديد. وتسعى المنظمة للاستجابة إلى الاحتياجات بعد أن بلغ مستشفى الضحى حدود طاقته الاستيعابية القصوى، لذا فقد أنشأت مركزاً لعلاج الإسهال بسعة 30 سريراً يقع ضمن مقرّ جمعية خيرية مجتمعية محلية كما زادت عدد أفراد الطاقم لتأمين الدعم.

وفي هذا الصدد قال عبد الرب أحمد الذي نزح من مدينة الحديدة ويقيم في مديرية الضحي: "لديّ ابنتان، هذه ملاك عمرها سنة وثمانية أشهر وتعاني من إسهال مفاجئ منذ يوم أمس، وقد توقفت عن الأكل وتقيّأت. أتينا بها إلى هذا المركز بعد أن سمعنا بأن أطباءه يعالجون الأطفال بالمجان".

من جانبها، قالت ضحى شمس الدين، مديرة الأنشطة الطبية التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في الضحي: "تواجه المنطقة فاشية موسمية للإسهالات المائية الحادة بعد موسم الأمطار، لكن بالعودة إلى بياناتنا في السنوات الثلاثة الماضية لاحظنا بأن هذا التوجه يتصاعد حتى أن أعداد هذه السنة تعادل ضعف مثيلاتها في عام 2021، حيث يتوافد المرضى من مختلف المناطق. نستقبل مرضى من الزيدية والمغلاف واللحية وقد بدأنا نستقبل أيضاً مرضى من مديرية ملحان في محافظة المحويت".

وفي الفترة الممتدة من أغسطس/آب حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022 وحدها دخل 2,688 مريضاً إلى مركز علاج الإسهال الذي تديره طواقم أطباء بلا حدود في مديرية الضحي التابعة لمحافظة الحديدة، علماً أن حوالي 52 بالمئة منهم كانوا يعانون أيضاً من سوء تغذية حاد شديد.

Yemen health

زيادة في أعداد المرضى المصابين بسوء التغذية الحاد الشديد

يعاني معظم الأطفال الذين استقبلهم مؤخراً مركز علاج الإسهال الواقع في الضحي من سوء التغذية. وتستجيب فرق أطباء بلا حدود لأزمات سوء التغذية في الحديدة حيث تعالج الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الشديد المترافق بمضاعفات في مستشفى الضحي، وتؤمن استقرار حالتهم، وتحيلهم إلى مركز التغذية العلاجية التخصصي الذي تديره طواقمها لمتابعة العلاج، مع العلم أن المركز بدأ باستقبال المرضى في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وعلى هذا الصعيد قال مات كلوتير، طبيب الطوارئ الذي يعمل مع المنظمة في مستشفى الضحي الريفي في الحديدة: "يمثل سوء التغذية الحاد الشديد مشكلة صعبة ومعقدة للغاية هنا. فالأمهات نحيلات ويبدو على أطفالهنّ الهزال. إذ لا تملكن حليباً لأنهن مصابات بسوء التغذية، لذا تجدهن يغذين أطفالهن الرضع بالماء المحلى بالسكر وحليب الماعز. كثيراً ما يكون هؤلاء الرضع بعمر ثمانية إلى 12 شهراً لكن مظهرهم يوحي بأنهم مواليد خدج ولا تتعدى أوزانهم بضعة كيلوغرامات. جلدهم مشدود فوق وجوههم الصغيرة ويمكن للمرء أن يرى كل ضلع من أضلاعهم وهم يتنفسون. تغطي قشورٌ دقيقة أجسام أطفالهنّ الصغار المنتفخين وقد أخذت شكلاً معيناً يدل على علامات الكيّ الذي يمارسه المعالجون التقليديون".

صعوبة تأمين الرعاية الصحية الأولية

لم يقتصر تأثير الحرب على الناس بل طال أيضاً البنى التحتية. كما أن التضخم الاقتصادي وأزمة الوقود وسوء ظروف المعيشة تُصعّب على الأسر الأضعف تأمين الغذاء وخدمات الرعاية الصحية، إذ تعتمد بعضها على علاجاتٍ طبيّة مرتجلة أو منزلية قبل أن تذهب إلى المستشفى، وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى مفاقمة المشكلات الصحية. يأتي الكثير إلى غرفة الطوارئ وقد بلغ مرضهم مراحل متقدمة جداً حيث يعانون من مضاعفات شديدة من الناحية الطبية ومن ناحية التغذية تتجاوز في بعض الأحيان قدرة المستشفى الذي تدعمه أطباء بلا حدود في الضحي.

لقد انهار النظام الصحي في اليمن، كما أن الأغلبية الساحقة من الناس لا يكسبون دخلاً منتظماً ويعانون لتأمين أبسط احتياجاتهم. وكثيراً ما تمنع العوائق المالية الناس من تأمين الرعاية الصحية في الوقت المناسب. لذا لا بد في سياقٍ كهذا أن تكون الرعاية الصحية مجانية، على الأقل من حيث الخدمات الأساسية والمدعومة.

وفي تعليقه على الأوضاع قال منسق مشروع أطباء بلا حدود في الحديدة محمد أحمد: "تعالج فرق أطباء بلا حدود في الضحي كل يوم مشاكل يمكن الوقاية منها لو توفرت خدمات رعاية صحية أولية فاعلة وفي الوقت المناسب. وإذا ما أردنا تجنب تدهور الوضع الصحي للناس لا بد من توفير الأدوية والإمدادات الطبية والحوافز (في غياب الرواتب) في مراكز ووحدات الرعاية الصحية الأولية في جميع الأوقات".

وأضاف قائلاً: "يمكن ربط جميع المشاكل تقريباً بالنزاع. فأشيع أسباب المرض والوفاة بين الأطفال التي نراها تتعلق بنقص الغذاء الجيد الذي يسبب سوء التغذية، والبنى التحتية سيئة الصيانة التي تسبب أمراضاً منقولة بالماء/الغذاء، ونقص خدمات الرعاية الصحية الأولية التي تؤدي إلى العديد من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، وغياب رعاية الحوامل، ومضاعفات الولادة في البيوت".

صادق طفلٌ رضيع عمره تسعة أشهر يستلقي بجانب أمه منذ أربعة أيام في مركز علاج الإسهال في الضحي.

وقالت أمه: "أحضرناه إلى المركز الصحي في الكدن، ثم أحاله الأطباء إلى هنا لأنه يعاني من إسهال حاد. لدي طفلان آخران ووالدهم يجمع الحطب لتأمين لقمة عيشنا. لو لم يحيلونا إلى هنا لكنّا ربما ذهبنا إلى البيت وانتظرنا قضاء الله وقدره. حتى لو أن ابني مريض فلا يمكننا تحمل تكاليف نقله إلى المستشفى".

التوعية الصحية تؤدي دوراً أساسياً

تلعب التوعية الصحية دوراً محورياً في تثقيف المجتمعات وتشجيع الأهالي على اتباع ممارسات صحية جيدة بهدف دعم عمليات الاستجابة الطبية. ويعقد عمال الرعاية الصحية المجتمعية التابعون لأطباء بلا حدود في الضحي جلسات تحضرها الأسر والمرافقون يجري تنظيمها في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية، حيث يحثّونهم على طلب المشورة الطبية عند اللزوم.

وفي هذا الشأن قالت د. ضحى شمس الدين: "يجب على جميع الأهالي أن يلتمسوا المشورة الطبية فور أن يلاحظوا بأن طفلهم مريض وأنه غير قادر على الشرب والأكل بشكل جيد أو يرفض تناول الطعام وكذلك حين يلاحظون بأن وزنه ينخفض كثيراً مقارنةً بالشهر السابق. وبالنسبة لجدول اللقاحات فإننا نشجع جداً جميع الأهالي والأمهات على التطعيم في الوقت المناسب، لأننا لاحظنا هذه السنة تدني كبير في حالة التطعيم لدى جميع الأطفال الذين نستقبلهم في المستشفى. وأخيراً، فإننا ندعوهم إلى اتباع التعليمات التي يتلقونها من عمال الرعاية الصحية المجتمعية مثل أهمية تعقيم المياه بالكلور واتباع الطرق الصحيحة في تحضير الطعام والحليب للأطفال".

وقد استقبل قسم طب الأطفال زكريا وملك وصادق والكثير غيرهم من الأطفال فقدّم لهم الرعاية وخرّجهم بعد أن تعافوا. قد يتعافى بعض الأطفال بسرعة بعد بضعة أيام، في حين قد يستغرق تعافي بعضهم الآخر شهراً، فهذا يعتمد على شدة مرضهم.