تمرير

خطر كوفيد يعيق تقديم الرعاية لجرحى الأعيرة النارية

9 يوليو 2020
قصة
الدول ذات الصلة
الأراضي الفلسطينية المحتلة
شارك
طباعة:

تأكدت أولى الإصابات بكوفيد-19 في غزة في مارس 2020 عندما جاءت نتيجة اختبار مقيمَين قادمَين من الخارج إيجابية. ورغم أن الكثيرين ظنوا أن الفيروس سينتشر بسرعة في بيئة كهذه (كون غزة إحدى أكثر المناطق كثافة بالسكان في العالم)، إلا أن جميع الجهود والتدابير الوقائية التي وضعتها السلطات المحلية والجهات الفاعلة في الرعاية الصحية قد حالت دون الانتشار الواسع لفيروس كورونا المستجد بين سكان القطاع. 1

مع ذلك، مازال كوفيد-19 يشكل تهديداً خطيراً يحوم فوق غزة التي تضم مليوني نسمة على مساحة من الأرض تبلغ 360 كيلو متر مربع. وإذا وقع تفشٍ فسيزيد من سوء الوضع الحرج للرعاية الصحية التي تعاني من العجز والإرهاق في غزة، مع نقص مزمن في الخدمات الطبية والموارد والتدريب المهني والأدوية والأجهزة.

ثلاثة عشر عاماً من الحصار المفروض من قبل الحكومة الإسرائيلية، وانقسامات سياسية داخلية وثلاث عمليات عسكرية خلال السنوات السبع الأخيرة، قد وضعت ليس فقط نظام الرعاية الصحية في غزة بل حتى اقتصاد غزة على حافة الانهيار، مع معدل بطالة مروع (وصل إلى 60 في المئة2 بين جيل الشباب). وقد حوَّل هذا الوضعُ القطاعَ إلى سجن مرعب لكثير من الناس ودفع الآلاف إلى التظاهر خلال العامين الماضيين فيما يعرف بـ"مسيرة العودة الكبرى".3

ووفق الأمم المتحدة، فقد أصيب بين مارس 2018 وديسمبر 2019 ما مجموعه 8,800 شخص برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مشاركتهم في "مسيرة العودة الكبرى" بمحاذاة السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل.

وبعد أكثر من عامين منذ انطلاقة المظاهرات، مازال معظم هؤلاء الناس بحاجة إلى عمليات جراحية إضافية وعلاج طويل لجروحهم الملتهبة وبحاجة إلى دورات إعادة تأهيل مطولة ورعاية خاصة. إن خطر كوفيد-19 يجعل تعافيهم الصعب أصلاً أشد صعوبة وأطول، حيث أن الكثير من الخدمات والأنشطة الطبية إما خُفِّضت أو توقفت مؤقتاً.

محمد، 28 عاماً، على ساقه اليسرى مثبت معدني خارجي، أصيب في اليوم الأول من المظاهرات بتاريخ 30 مارس 2018. "قبل عامين من الآن ذهبت إلى السياج منادياً بحقنا في الحياة الكريمة. لم أذهب لأؤذي أحداً، كنت أريد حلاً لوضعنا، لا حرباً". ويضيف: "الحياة في غزة لا تُحتمل. نعيش هنا فقط لأنه ليس لدينا خيار آخر. نذهب للمدرسة والجامعة ونتخرج ثم نبحث عن عمل غير موجود، وقد يدمر تصعيد عسكري جديد بيوتنا. إذا أردنا أن ننجب أطفالاً علينا أن نفكر في الحياة التي يمكن أن نؤمنها لهم. هل من الإنصاف أن تنجب طفلاً في غزة؟ هل تمنحه بذلك حياة أم موتاً؟". بعد أكثر من عام في المستشفى والعديد من العمليات الجراحية، مازال أمام محمد مدة علاج طويلة كي يتعافى.

"على مدى عامين لم أنم بشكل جيد؛ فالألم يبقيني مستيقظاً في الليل. وفي الصباح، أول ما أراه هو ساقي والمثبت الذي عليها وأتمنى لو أنه ليس هناك. الأمل يتسرب مني. درست إدارة الأعمال وكنت أدير شركة سيارات أجرة خاصة بي. الآن لا أستطيع المشي ولا السياقة. بالكاد أستطيع الحركة".

محمد هو أحد المرضى الذين يتلقون العلاج المنتظم والمتابعة الطبية والمعالجة الفيزيائية والدعم النفسي الاجتماعي في عيادة أطباء بلا حدود في غزة. مع ذلك لم يتمكن في الفترة الأخيرة من حضور جلساته الطبية والعلاجية في العيادة بانتظام لأن الخدمات قد خُفِّضت كتدبير وقائي ضد انتشار كوفيد-19 في القطاع.

عالجت فرق أطباء بلا حدود في غزة أكثر من 4,830 مصاباً من المظاهرات منذ مارس 2018، لكن خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة أدت إجراءات الوقاية ضد تفشي كوفيد-19 إلى تعديل مؤقت على خدماتها المعتادة. ففي العيادات الأربع والمستشفيين التي تدعمها أطباء بلا حدود في غزة، تعمل فرقنا على الحفاظ على الخدمات الطبية الضرورية لآلاف المرضى، وتعزيز التدابير الوقائية واحتياطات السيطرة على العدوى، مع الاستعداد لدعم استجابة محتملة لتفشي كوفيد-19.

ويوضح الدكتور محمد أبو مغيصيب، مسؤول الإحالة الطبية لدى أطباء بلا حدود في غزة: "العمل في ظل خطر كوفيد-19 يستوجب انتباهاً أكبر لحماية مرضانا والطواقم الطبية. نرتدي معدات وقاية إضافية ونطبق تدابير احترازية، كتخفيض عدد المرضى القادمين إلى العيادات للعلاج الفيزيائي والإيقاف المؤقت للعمليات الجراحية غير الطارئة لخفض المخاطر". ويضيف: "نقوم بما يتطلبه الأمر لضمان استمرارية خدماتنا، إذ لا يمكننا أن نتوقف ببساطة عن تقديم المساعدة الطبية لأناس لديهم إصابات بهذا التعقيد، لكي لا نؤثر على تعافيهم الطويل والصعب أصلاً".

رضا، 45 عاماً، أصيبت أيضاً في ديسمبر 2018 خلال المظاهرات، فقد مزقت رصاصة قناص إسرائيلي ما لا يقل عن 10 سنتيمترات من عظم الظنبوب في ساقها. "مرَّ أكثر من عام ولم تلتئم ساقي بعد، ومازال لدي مثبت خارجي والألم لا يبارحني. أخبرني الأطباء أن أمامي طريق طويلة، لكنني عازمة على استعادة حياتي والمشي من جديد. كنت أعيل أسرتي وأعمل في روضة أطفال، أما الآن فلا أستطيع الوقوف لوحدي. زوجي يعاني من مرض نفسي، لذلك علي أن أكون أماً وأباً لبناتي الخمس وأبنائي الأربعة. وليس لدى أحد منهم عمل. الشيء الوحيد الذي أريده الآن هو أن أقف لأعتني بأسرتي". ساق رضا محاطة بمثبت معدني خارجي مع 28 مشبك لإبقاء عظمها ثابتاً، وتحتاج إلى المزيد من العمليات الجراحية والمعالجة الفيزيائية والعلاج.

ويوضح شادي النجار، مشرف العلاج الفيزيائي في أطباء بلا حدود: "إن خفض تواتر جلسات العلاج الفيزيائي لمرضانا يعني إطالة مدة تعافيهم وفي بعض الحالات تعريض التقدم الحاصل للخطر". ويضيف: "لهذا السبب من الضروري أن نحرص قدر الإمكان على استمرارية بعض الخدمات حتى لو لم تكن مثالية. قدمنا لمرضانا أدوات للعلاج الفيزيائي وشرحنا لهم كيفية استخدام الأدوات كي يتمرنوا في البيت. وتابعنا معهم يومياً عبر الهاتف. الجانب الأصعب الآن هو الحفاظ على تحفزهم والحيلولة دون تركهم للتمرين. قد يكون التمرين مؤلماً، وإن التشجيع والدعم البشري الذي نقدمه لهم أثناء الجلسات مهم للغاية في عملية التعافي، والآن تعتبر هذه الاتصالات الهاتفية ضرورية".

الدعم الذي تقدمه فرقنا ضروري أيضاً لأن معظم هؤلاء المرضى يواجهون الوصمة والعزلة، وصار لديهم معاناة نفسية علاوة على الألم الجسدي. وقد أثرت الإصابات التي تعرضوا لها خلال مسيرة العودة الكبرى في جميع زوايا حياتهم، مسبِّبة في كثير من الأحيان عزلة اجتماعية وفقدان صداقات وتوتراً في العلاقات بين أفراد الأسرة. كما أن القيود والحدود الاجتماعية مصحوبة بشعور من الخوف والغموض الناجم عن جائحة كوفيد-19، جميعها تعمِّق من عدم ارتياحهم من الناحية النفسية.

تقدم فرق أطباء بلا حدود في غزة خدمات نفسية اجتماعية لذوي الإصابات الشديدة من مظاهرات مسيرة العودة الكبرى. وخلال الأشهر الأخيرة توجَّبَ خفض جميع الأنشطة التي تُجرى وجهاً لوجه، بسبب كوفيد-19، لكن مستشارو أطباء بلا حدود يواصلون دعم المرضى بالاتصالات الهاتفية المنتظمة وعبر الفيديو.

ويقول لوسيانو كانتشيرلارا، مدير أنشطة الصحة النفسية لدى أطباء بلا حدود في غزة: "عندما لا يستطيع مرضانا القدوم إلى المستشفى أو العيادة، تفوتهم فرصة مهمة من التواصل الاجتماعي، إذ أن الكثيرين منهم يعانون من الاكتئاب ويعزلون أنفسهم عن الناس. وفي أحيان كثيرة يشكل الطاقم الطبي والمرضى الآخرون شبكة أمان لهم، والتفاعل الاجتماعي الوحيد لديهم". ويضيف: "الآن حيث لم يعد هذا الدعم المتبادل مضموناً، بات من الأهمية بمكان أن نُشعر هؤلاء الناس أن هناك من يهتم بهم. لقد أجبرتنا جائحة كوفيد-19 على تعديل أنشطتنا، لكن إيقافها أمر لا يمكن تصوره، إذ أننا نرى كل يوم الفارق الذي تحققه لمرضانا".

افتتحت أطباء بلا حدود أول مشروع لها في غزة في عام 2000، وتدير حالياً قسمين للمرضى المقيمين، وثلاثة فرق جراحية وأرربع عيادات للمرضى الخارجيين لعلاج ذوي الإصابات البالغة والحروق.

في عام 2018 عززت أطباء بلا حدود قدراتها الطبية لتقدم الرعاية لآلاف المرضى الذين أصيبوا برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرات مسيرة العودة الكبرى. وتقدم فرق أطباء بلا حدود الجراحة التجميلية والتقويمية لإغلاق جروح كبيرة ناجمة عن الذخائر الحية، وتقوم بتطوير قدرات لإصلاح فقدان وتضرر العظم. وبعد الجراحة تقدم المنظمة كذلك تغيير الضمادات والمعالجة الفيزيائية والتثقيف الصحي والدعم النفسي الاجتماعي.

في عام 2019 وحده أجرت أطباء بلا حدود نحو 2,000 تدخل جراحي رئيسي وقدمت أكثر من 71,000 جلسة معالجة فيزيائية.

ومنذ مارس 2020، عدَّلت أطباء بلا حدود الأنشطة الطبية في غزة اتساقاً مع جميع الإجراءات الموصى بها من قبل وزارة الصحة لمنع انتقال كوفيد-19، في جميع المرافق الصحية التي تديرها المنظمة. وبينما لم يتغير التزامنا بعلاج مئات الجرحى الذين أصيبوا خلال مظاهرات مسيرة العودة الكبرى بين عامي 2018 و 2019، فقد اضطرت فرقنا لخفض الأنشطة والخدمات غير الطارئة من أجل تعزيز إجراءاتها الوقائية واحترازات السيطرة على العدوى ولتمكين الطواقم الطبية من الاستعداد لاستجابة محتملة لحدوث تفشٍ في غزة.

وإقرأ المزيد على موقعنا الدولي: