غزة: الهجمات على العاملين في المجال الإنساني وسط القصف الشديد تحيل تقديم المساعدات الحيوية شبه مستحيل

 MSF burn Clinic in Gaza
تمرير
1 مارس 2024
الدول ذات الصلة
الأراضي الفلسطينية المحتلة
شارك
طباعة:

قبل شهر واحد، أصدرت محكمة العدل الدولية إجراءات مؤقتة تأمر إسرائيل بمنع أعمال الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها وضمان وصول الخدمات الأساسية والمساعدات إلى سكان قطاع غزة. إلا أن الوضع الإنساني للغزّيين المحاصرين لا يزال كارثيًا. ووفقاً للسلطات الصحية المحلية، ارتفع عدد الأشخاص الذين قتلوا في غزة إلى 30 ألف شخص، مع غياب أي مؤشرات على محاولة القوات الإسرائيلية الحدّ من الخسائر في أرواح المدنيين أو تخفيف معاناة الناس.

يعيق الحصار الإسرائيلي المشدّد على غزة دخول الإمدادات الحيوية إلى القطاع. وفي الوقت نفسه، فإنّ توفير المساعدات داخل القطاع شبه مستحيل بسبب تجاهل إسرائيل التام لحماية البعثات الطبية والإنسانية وطواقمها وسلامتهم، ومنع وصول الناس إلى المساعدات المنقذة للحياة. يتسبب هذا الواقع في إحالة الاستجابة الإنسانية في غزة إلى مجرد وهم.

تقول منسقة مشروع أطباء بلا حدود في غزة، ليزا ماكينير، "المروّع حقًا هو الغياب الصارخ للمساحة الإنسانية ونقص الإمدادات الذي نشهده في غزة. إذا لم يُقتل الناس بالقنابل، فإنّهم يعانون من الحرمان من الغذاء والمياه ويموتون بسبب نقص الرعاية الطبية".

 

الطاقم الطبي والإنساني مضطرون إلى المخاطرة بحياتهم

لا يوجد مكان آمن في غزة، لا للمدنيين ولا لأولئك الذين يحاولون تزويدهم بالمساعدات الأساسية، كما إنّ تجاهل إسرائيل الصارخ والكامل لحماية المرافق الطبية أو العاملين في المجال الإنساني في غزة جعل توفير الرعاية والمساعدة المنقذة للحياة مهمة شبه مستحيلة.

وفي الأشهر الخمسة الماضية، واجهت مرافق الرعاية الصحية أوامر الإخلاء وتعرضت للهجوم والحصار والمداهمة بشكل متكرر. وقد اعتُقل أفراد من الطاقم الطبي والمرضى واعتُدي عليهم وقُتلوا أثناء رعايتهم للمرضى. ويشمل ذلك خمسة من كوادر أطباء بلا حدود. كذلك قُتل الكثير من أفراد عائلات كوادرنا.

وفي واحدة من أحدث حالات الاستهداف الوحشي لمرافق الرعاية الصحية، حوصر مستشفى ناصر لعدة أسابيع، وهو أكبر مستشفى في جنوب غزة. وبعدما ضربت قذيفة قسم العظام وتسببت بمقتل وإصابة عدة أشخاص، اضطر طاقم أطباء بلا حدود إلى الفرار وترك المرضى وراءهم. واحتجزت القوات الإسرائيلية أحد كوادر أطباء بلا حدود عند نقطة تفتيش أثناء محاولته مغادرة المجمّع. نكرر دعوتنا للسلطات الإسرائيلية لتبادل المعلومات حول مكان وجوده وحماية سلامته وكرامته.

يصف الطاقم الطبي الذي ظل داخل المستشفى الوضع بالمروّع، حيث يُحاصر المرضى مع كميات محدودة من الطعام ومن دون كهرباء أو مياه جارية.

تقول ماكينير "أودع زملائي الفلسطينيين كلّ مساء. وفي كلّ صباح، أخشى أنني لن أراهم في اجتماع الصباح التالي. وفي كلّ يوم يبدو أن خياراتنا تتبدد بسرعة، سواء خيارات علاج الجرحى، أو الحصول على الإمدادات الطبية، أو توفير المياه التي يحتاجها الناس بشدّة".

وفي وقت متأخر من مساء يوم 20 فبراير/شباط، قصفت دبابة إسرائيلية ملجأً تابعًا لمنظمة أطباء بلا حدود في المواصي، ممّا أدى إلى مقتل اثنين من أفراد عائلة أحد كوادر المنظمة وإصابة سبعة آخرين. وقد أُبلغت القوات الإسرائيلية بوضوح بموقع الملجأ، ممّا يؤكد عدم وجود أيّ مكان آمن في غزة وأنّ آليات منع الاشتباك لا يمكن الاعتماد عليها.

 

القيود وغياب الحماية لقوافل المساعدات

في الشمال أو الجنوب، لا يمتلك المستجيبون الإنسانيون ضمانات السلامة للقيام بعملهم، وتُعرقل حركة قوافلهم وتُحتجز عند نقاط التفتيش، ممّا يجعل الوصول مستحيلًا إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها.

وقد انقطعت المساعدات إلى حدّ كبير عن شمال غزة منذ أشهر، ممّا ترك الناس محاصرين من دون أيّ خيار سوى محاولة البقاء على قيد الحياة بكميات ضئيلة من الغذاء والمياه والإمدادات الطبية. قُصفت أحياء بأكملها ودُمرت. وبالرغم من أنّ لأطباء بلا حدود اطلاع محدود على الوضع الإنساني والصحي العام في الشمال، إلا أنّ عددًا ضئيلًا من طواقم عملنا ما زالوا محاصرين هناك.

ويقول ممرض يعمل في منظمة أطباء بلا حدود في الشمال، "الوضع في شمال غزة كارثي ويزداد سوءًا".

ويضيف، "لا توجد مستشفيات لتلقي العلاج الأساسي حتى، والصيدليات فارغة من الأدوية. وأطفالي مرضى منذ أسابيع بسبب نقص المياه النظيفة والغذاء المناسب، وحالتهم تزداد سوءًا".

ووفقا للأمم المتحدة، منعت السلطات الإسرائيلية، في الفترة ما بين 1 يناير/كانون الثاني و12 فبراير/شباط، وصول نصف البعثات التي خططت لها المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني لتقديم المساعدات وإجراء التقييمات في المناطق الواقعة شمال وادي غزة. ويعد برنامج الأغذية العالمي أحدث منظمة إنسانية اضطرت إلى وقف مساعداتها المنقذة للحياة في شمال غزة، قائلة إنّ الظروف لا تسمح بالتوزيع الآمن للغذاء.

 

"لا يستطيع الناس تحمل المزيد من المعاناة"

وكجزء من الحصار الإسرائيلي الكامل واللاإنساني على غزة، أدى قطع إمدادات المساعدات إلى شعور نحو مليوني شخص في غزة باليأس. وانخفض عدد الشاحنات التي تدخل القطاع من متوسط 300 إلى 500 شاحنة يوميًا قبل الحرب، إلى متوسط 100 شاحنة فقط يوميًا بين 21 أكتوبر/تشرين الأوّل و23 فبراير/شباط. وفي 17 فبراير/ شباط، سُمح لأربع شاحنات فقط بالدخول إلى غزة.

تتسبب الإجراءات الإدارية المطوّلة وغير المتوقعة لتسليم المساعدات إلى غزة بإعاقة الوصول إلى المعدات المنقذة للحياة والإمدادات لمرافق الرعاية الصحية. وقد يستغرق دخول الإمدادات إلى غزة ما يصل إلى شهر واحد، حيث يُفتّش كلّ صندوق في كلّ شاحنة. وإذا رفضت السلطات الإسرائيلية أيًا من المواد خلال عملية التفتيش، فيجب إعادة الشحنة بأكملها إلى مصر. ومع عدم وجود قائمة رسمية للمواد المحظورة، تُمنع أطباء بلا حدود باستمرار من استيراد مولدات الطاقة وأجهزة تنقية المياه والألواح الشمسية وعديد من المعدات الطبية.

تقول ماكينير، "في كلّ ثانية تتأخر فيها الإمدادات، وفي كلّ مرّة تُحظر أي من المواد، تزداد مستويات المعاناة بشكل وخيم وغير مقبول. تعني هذه الإمدادات الفرق بين الحياة والموت بالنسبة لكثير من الناس".

وفي رفح، جنوب قطاع غزة، يعيش حوالي 1.5 مليون نازح قسريًا في ظروف مروّعة، حيث يفتقرون إلى الأساسيات اللازمة للبقاء على قيد الحياة. وتضطر النساء إلى استخدام بقايا الملابس كفوط صحية، ويعيش الناس في خيام موحلة دون أفرشة أو ملابس دافئة.

ويقول د. حسام، وهو طبيب في منظمة أطباء بلا حدود يعمل في عيادة الشابورة، "بالكاد يحصل الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة – مثل السرطان أو السكري أو الصرع – على الأدوية والعقاقير. يعيش الناس في حالة من اليأس وهم مستعدون لدفع أيّ ثمن للحصول على الدواء".

تواصل فرق أطباء بلا حدود تقديم الرعاية الإنسانية والطبية في غزة حيثما أمكن ذلك، بما في ذلك الجراحة ورعاية ما بعد العمليات الجراحية ورعاية الأمومة ودعم الصحة النفسية وتوزيع المياه. لكن هذا كله مجرد قطرة في محيط مقارنة باحتياجات الناس. وتدعو أطباء بلا حدود مرّة أخرى إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار، وضمانات سلامة حقيقية للعاملين في المجال الإنساني، وإنهاء الحصار اللاإنساني، لضمان حصول الناس على المساعدة المنقذة للحياة.

وتضيف ماكينير، "لا يستطيع الناس في غزة تحمل المزيد من المعاناة. لقد فقدوا كلّ إحساس بالأمان، سواء بسبب التهديد المستمر بالقتل بالقنابل ليلاً أو عدم اليقين بشأن قدرتهم على تأمين وجبتهم التالية أو مياه للشرب".