تمرير

اللاجئون الروهينغا في بنغلاديش بعد مرور ثلاث سنوات على نزوحهم الجماعي

26 أغسطس 2020
قصة
الدول ذات الصلة
ميانمار
شارك
طباعة:

أصوات الروهينغا

"كنت خائفة لأن هناك اعتقاداً في مجتمعنا بأن الإصابة بكوفيد-19 تعني الموت".

جُبيدة البالغة من العمر 25 عاماً برفقة مولودها الجديد محمد إبراهيم وعمره 22 يوماً في مستشفى أطباء بلا حدود في غويالمارا. تقيم جُبيدة في مخيمٍ للاجئين في كوكس بازار برفقة زوجها وثلاثة أطفال آخرين. كان زوجها عاملاً مياوماً مع إحدى المنظمات الدولية لكنه لم يعمل منذ سبعة أشهر.

msf331724_medium.jpg

وضعت مولودي قبل ثلاثة أسابيع في عيادة بالوخالي. لكنه لم يكن يبكي ولم يفتح عينيه أو يتحرك. فقال الأطباء بأن به خطباً ما وأرسلونا إلى مستشفى الأم والطفل في غويالمارا.

قضيت ستة أيام في وحدة العناية المركزة المتخصصة في رعاية المواليد الجدد، وكانت الفرق الطبية آنذاك تشك في إصابتي ومولودي بكوفيد-19 ولهذا قاموا بفحصنا. جاءت نتيجة الفحص إيجابية ونقلوني إلى جناح العزل مع مولودي. وهناك قضينا 12 يوماً.

كنت خائفة لأن هناك اعتقاداً في مجتمعنا بأن الإصابة بكوفيد-19 تعني الموت. كان الأطباء والممرضون في غاية اللطف، وقد دعموني وكانوا يتفقدونني كل يوم. لم يبدُ أنهم خائفون من الاقتراب مني، رغم أنني كنت معدية، وهذا ما ساعدني في التخفيف من شعوري بوصمة العار. كنت محظوظة حيث لم تظهر علي أية أعراض، وكنت بحالة جيدة طيلة الوقت.

لكن طفلي ليس قوياً بما يكفي بعد كي يخرج، لكنني آمل أن يتخرج قريباً لأن لدي أطفالاً آخرين في البيت علي الاعتناء بهم. فأنا قلقة من البقاء هنا لأن.. من سيعتني بهم خلال غيابي؟

خرجت من ميانمار سنة 2017 سيراً على الأقدام برفقة زوجي وأول أطفالنا الذي كان عمره وقتئذٍ عاماً واحداً. قُتل ثلاثة من أفراد عائلتي وقتها بالرصاص أو طعناً. لهذا قررنا أن نأخذ معنا ما استطعنا إليه سبيلاً وأن نغادر برفقة جيراننا.

لم أرَ في حياتي كل هذا العدد من الناس وهم يسيرون، فقد كان ذلك لا يصدق وكان الجمع غفيراً. قضينا مسير 12 يوماً على الأقدام وسط الغابات إلى أن بلغنا بنغلاديش. لم يكن في حوزتنا إلا القليل من الطعام، وبعد أن نفد منا لم نأكل شيئاً خلال ما تبقى من رحلتنا.

أما حين وصلنا إلى نهر ناف، فقد اضطررنا للانتظار هناك ثلاثة أيام إلى أن وجدنا سبيلاً لعبوره. إذ دفعنا في نهاية المطاف المال لبعض السكان المحليين الذين كانوا يملكون قوارب تجديف صغيرة كي يعبروا بنا النهر.

لكنني سأعود إلى ميانمار لو سارت الأمور على ما يرام إن شاء الله. زوجي موجود في بيتنا في المخيم مع اثنين من أطفالنا. أتساءل متى سيمكننا العودة إلى ميانمار، فهي لا تزال بلدي. لا أعرف الكثير عن هذا المكان [بنغلاديش] مقارنةً ببلدي.

"طفلي هو همّي الأكبر... فأنا أريد له مستقبلاً".

صوالحة محمد أيوبيو البالغة من العمر 25 عاماً برفقة مولودها الذي عمره 10 أيام ولا يحمل اسماً بعد. كانت تعيش في منطقة مانوبارا التابعة لمدينة بوشيدونغ في ميانمار. وهي تقيم اليوم في مخيم للاجئين في بنغلاديش.

msf331727_medium.jpg

أنا ربة منزل أقوم بالطبخ وأعتني بملجئنا. وأنا سعيدة مع أسرتي. تزوجت قبل ثلاثة أعوام ورزقت بطفل بعد سنتين من زواجي. لكن حصل اندفاع المياه مبكراً وجاء الوليد ميتاً. لا أزال أشعر بالأسى وأحياناً أبكي عليه.

كنت في حالة خطيرة لمدة شهر بعد الولادة، فقد كنت مرهقة جداً لدرجة أنني كنت بالكاد أستطيع أن أتقلب في الفراش. كنت أفتقد طفلي كثيراً وقررت أن أحاول مجدداً ونجحت.

لكن بعد سبعة أشهر من حملي بدأت أشعر بالأعراض ذاتها مجدداً. كنت أعاني من ألم في الظهر وبدأت أشعر بالتقلصات ووضعت مولودي الساعة الثالثة من بعد الظهر. شعرت بادئ الأمر بأنني على ما يرام، لكن الأطباء أبقوا عليّ لأن المولود كان صغير الحجم. ثم في حوالي العاشرة مساء توقف الطفل عن التنفس وانقلب لونه أزرقاً.

ساعدني الأطباء وها هو مولودي يتحسن الآن. لكنه يتنفس بثلاثة أشكال مختلفة. فأحياناً يكون تنفسه سريعاً وأحياناً أخرى سطحياً، أما في بعض الأحيان فيصعب جداً معرفة إن كان يتنفس أساساً. أخبرت الطبيب بهذا وقال لي بأن المولود على ما يرام بعد أن فحصه، حيث جلس بجانب طفلي لمدة طويلة.

لم أنم جيداً خلال الليالي العشرة الماضية، فأنا قلقة على طفلي. لكن الأطباء يمنحونني الأمل دائماً ويقولون لي بأن الأمور ستكون على ما يرام، غير أنني خائفة عليه. طفلي هو همّي الأكبر، إذ أريد أن أعتني به وأريده أن يحصل على التعليم وأريد له مستقبلاً. فلو تعلم لربما أصبح طبيباً يساعد الآخرين. ولو أنني متعلمة لما احتجت إلى مترجم للحديث إليكم ولكنت تكلمت الإنجليزية فوراً.

"أنا مستعد للعودة إلى ميانمار شرط أن تكون حقوقنا محفوظة".

أبو صدّيق من ولاية راخين في ميانمار. يعيش اليوم في مخيم للاجئين في كوكس بازار برفقة زوجته وابنتين وثلاثة أبناء. وهو في مستشفى أطباء بلا حدود في كوتوبالونغ برفقة ابنه رشيد الله البالغ من العمر خمسة أعوام.

msf331722_medium_1.jpg

كان رشيد يلعب قبل أيام قرب الطريق حين صدمته مركبة تاكسي وأدت إلى إصابته في مؤخرة الرأس وجرح قاطع في الشفة وخلع في الكتف. فأخذناه أولاً إلى مستشفى رعاية الأم والطفل في غويالمارا لأنه الأقرب إلى منزلنا، لكنهم أرسلوه إلى كوتوبالونغ لأنه كان بحاجة إلى علاج شفته علاجاً تخصصياً لا يتوفر إلا هناك.

كنا نعيش فيما مضى قرب الساحل في ميانمار، وكان لدي عملي الخاص وكنا نملك أرضاً. كان لدي منزل وكنت أعمل في تربية القريدس. كانت لدينا مساحة واستقلالية أكبر هناك. لكن المكان هنا مكتظ جداً ولا توجد مساحة كافية. الأمر صعب على الأطفال لأنهم يحبون الخروج واللعب.

كانت هناك مساحات مفتوحة في ميانمار لكنهم يلعبون هنا على الطرقات وهذا أمرٌ قد يكون خطيراً. كما أننا لسنا مستقلين مادياً هنا ولا خيار أمامنا سوى تلقّي المساعدات الإغاثية. لا يمكننا حتى الذهاب إلى السوق المحلية. كما أن الأمور ساءت منذ كوفيد-19، فقد زادت القيود المفروضة على الحركة لدرجة أننا نضطر لمخالفة القوانين كي نبقى على قيد الحياة.

قضاء حياتنا في المخيم صعب، فالمكان ضيق والملاجئ مصنوعة من البلاستيك، ولا مكان للأطفال كي يلعبوا. نحصل على الحصص الغذائية التي لا بأس بها لكنها ليست طعامنا المعتاد وليست ما اعتدنا على تناوله. كما أننا بحاجة إلى السمك والخضروات وبعض التنوع.

غادرت ميانمار لأن بيتي أُحرِق. كانوا يقتلون ويعذبون الجميع، ويتحرشون بالنساء، ولم يكن المكان آمناً. استغرقت الرحلة إلى بنغلاديش ثلاثة أيام، وكانت صعبة لأن الطريق لم تكن آمنة.

اضطررت وزوجتي إلى حمل طفلينا الأصغر سناً طيلة الطريق لأنهما لم يكونا قد بلغا عمراً يسمح لهما بالسير. ثم عبرنا أخيراً نهر ناف ووصلنا إلى بنغلاديش. قدم لنا السكان المحليون الطعام والماء وكانوا لطفاء جداً ولهذا فقد شعرنا بالارتياح.

"أنا مستعد للعودة إلى وطني ميانمار شرط أن تكون حقوقنا محفوظة، ويعم العدل والأمان. فهناك في ميانمار على الأقل فرصة لتعليم أطفالنا. ويمكننا الحصول على ألبسة جيدة والعيش في بيوتنا.

أصوات طاقم أطباء بلا حدود

"يتأخر بعض المرضى في الوصول.... ويصعب علينا إصلاح الوضع".

فيرديولي بورسيل طبيبة أطفال من البيرو. وقد عملت في بنغلاديش لمدة ستة أشهر.

msf331734_medium.jpg

لم يعتد الكثير من اللاجئين الروهينغا على أنظمة الرعاية الصحية العادية حيث لم يكونوا قادرين على الذهاب إلى المستشفيات في ميانمار. وعلينا القيام بالكثير من التوعية الصحية لإقناعهم بأن هذا مكان آمن لتلقي العلاج.

يتأخر بعض المرضى في المجيء إلى أن يكون المرض قد وصل بهم إلى مرحلة خطيرة. فحين لا يسرع المرضى في القدوم حين تكون حالتهم معقدة أساساً والمرض يلحق أضراراً بأعضاء أخرى في الجسم، عندها لا بد من توفير رعاية أكبر بكثير ويصعب علينا إصلاح الوضع.

ثمة مشكلة أخرى متعلقة برعاية الحوامل والولادات في المنزل، حين تتعرض النساء لمضاعفات خلال الولادات المنزلية أو يضعن مواليداً يعانون من مضاعفات. لكن الولادة في المستشفى تسمح بتجنب هذه المضاعفات وتمنحنا الفرصة لمساعدة المولود على التنفس في حال ولد وهو يعاني من مشاكل أو مساعدة الأمهات في حال تعرضن لنزف.

يضطر العديد من الأشخاص للعيش في غرفة واحدة لا تتوفر فيها الشروط المناسبة، مما يعني أن مرضانا وخاصةً صغار السن فيهم أكثر عرضة للعديد من الأمراض المعدية.

"غالباً ما ترتبط هذه العلل الرئيسية المنتشرة بين اللاجئين الروهينغا بظروف معيشتهم السيئة".

طارق الإسلام طبيب من بنغلاديش. وهو يعمل حالياً قائداً لفريق طبي في مستشفى بالوخالي.

msf331731_medium.jpg

قبل تدفق اللاجئين سنة 2017 كنا نرى ما معدله 150 إلى 180 مريضاً يومياً، لكننا بدأنا نرى في غضون شهر حوالي 500 إلى 600 مريض كل يوم. وقد كان هذا عدداً هائلاً حيث قمنا بتعزيز وتوسيع أنشطتنا الطبية.

يعاني معظم المرضى الذين نراهم في مستشفياتنا وعياداتنا، سواء أكانوا أطفالاً أم كباراً، من الالتهابات التنفسية والأمراض الإسهالية والالتهابات الجلدية، كما يعاني عدد كبير منهم أيضاً من مشاكل طبية نفسية بمختلف مستوياتها. وغالباً ما ترتبط هذه العلل الرئيسية المنتشرة بين اللاجئين الروهينغا بظروف معيشتهم السيئة.

لكن الوضع بات معقداً منذ وصول كوفيد-19، وقد برزت مشاكل مثل وصمة العار والخوف حيال كوفيد-19. كما أن مرضانا من اللاجئين يخشون الذهاب إلى المركز الصحي خوفاً من وصمة العار التي يلحقها بهم المجتمع. لم يكن بعض المرضى يقرّون صراحةً بالأعراض المرتبطة بكوفيد-19 اعتقاداً منهم بأنهم سيتلقون معاملة مختلفة نتيجة لذلك.

واجهنا تحدياً آخر وخاصةً في بداية الجائحة حيث قامت العديد من المراكز والمؤسسات التي توفر الرعاية الصحية بخفض أنشطتنا نظراً لانخفاض أعداد الطواقم والقيود المفروضة على الحركة وغيرها من الأسباب العديدة.

"التحديات... باتت هائلة من حيث الموارد البشرية والإمدادات والنقل".

تيشومي تاديسي من إثيوبيا كان يعمل منسقاً لوجستياً لبعثة أطباء بلا حدود في بنغلاديش.

msf331736_medium.jpg

ما أن أتانا أول مريض كوفيد-19 في بنغلاديش حتى بدأنا نواجه التحديات التي سرعان ما باتت هائلة من حيث الموارد البشرية والإمدادات والنقل.

إذ لم يكن في حوزة مورّدينا ما يكفي من المواد نظراً لأن جميع المنظمات غير الحكومية كانت لها احتياجات وكان الجميع يسعى إلى شراء الشيء ذاته في الوقت ذاته. ولم يكن سهلاً التعامل معهم لأنهم يرفضون الدفعات النقدية في وقت تم فيه تخفيض ساعات العمل في المصارف العاملة في المدن الكبيرة فيما كانت معظم المصارف الموجودة في المدن الصغيرة متوقفة عن العمل.

وقد واجهنا مصاعب في إحضار طواقم دولية متمرسة للانضمام إلى عملية الاستجابة، إضافة إلى صعوبات نقل الطواقم من مكان إلى آخر. فقد جرى وقف خدمات النقل علماً أن بعض طواقمنا كانت مضطرة للسفر ثلاث أو أربع ساعات يومياً للوصول إلى مكان العمل، ولهذا فقد استأجرنا أسطولاً من الحافلات لنقلهم.

أقرأ المزيد على موقعنا الدولي: