تمرير

ديفا، النيجر: عقول شابة دمّرها النزاع

10 فبراير 2019
قصة
الدول ذات الصلة
النيجر
شارك
طباعة:

تقيم عائشة ابنه التسعة أعوام في مخيم كيندجاندي للنازحين الواقع في ديفا، في الجنوب الغربي من النيجر، على ضفاف بحيرة تشاد. عائشة واحدة من أصل 250,000 نسمة بين لاجئين ونازحين وعائدين التجؤوا إلى ديفا هرباً من النزاع الدائر في المنطقة بين المجموعات المسلحة غير الحكومية والقوات الحكومية. تعيش الأغلبية العظمى من هؤلاء الناس في مخيمات على غرار كيندجاندي حيث يعانون للحصول على أبسط الخدمات، علماً أن 70 منهم أطفال بحسب الأرقام الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).

وتخبر فطومة أم عائشة أطباء بلا حدود بقصتها حيث تقول:

"هاجمت المجموعة المسلحة قريتنا الصغيرة وأجبرتنا على الفرار. سمعنا إطلاق أعيرة نارية وأصيب أحد أبناء عمومتنا برصاصة طائشة حين كنا نحاول الهرب. هنا توقفت عائشة عن اللعب وكانت تبقى جالسةً لوحدها على الدوام. كانت تجد صعوبة في تناول الطعام وكان وزنها يقل. كما كانت تعاني من الكوابيس التي توقظها من نومها. فكانت تنهض وتركض لتهرب من القرية وكان عليّ أن أركض خلفها".

تتشابه قصة عائشة وقصص آلاف الأطفال الذين التجؤوا إلى ديفا بشكل هائل. فقد عاشوا جميعهم الخوف والفقدان بعد أن وقعوا ضحايا أو شهوداً على العنف الذي تمارسه الجماعات المسلحة، من خطفٍ وإبعادٍ عن أسرهم، وكذلك نتيجة اضطرارهم إلى الفرار. ورغم أنهم عثروا على الأمان نسبياً في ديفا، إلا أن الكثير من الأطفال لا يزالون يعيشون في أذهانهم الأحداث الصادمة التي مروا بها.

الندب الخفية التي تخلفها الحرب

msf250922high.jpg

يتعين على الأطفال واليافعين من ضحايا النزاع الدائر في أرجاء منطقة بحيرة تشاد التعامل مع أوضاع صعبة وذكريات مؤلمة، علماً أنهم لم يكتسبوا بعد آليات تأقلم تسمح لهم بالتعامل مع معاناتهم. وكثيراً ما يصابون باضطراب ما بعد الصدمة أو الاكتئاب. تتنوّع الأعراض وقد تشمل التوتر والقلق الشديدين، والخوف الدائم واليقظة المفرطة، واللامبالاة والامتناع عن الأمور الممتعة، ونقص الشهية، والسلوك المنكفئ أو العدواني، والكوابيس وإعادة تمثيل مواقف صادمة أثناء اللعب.

عادةً ما تكون الصحة النفسية والرعاية النفسية الاجتماعية للأطفال خلال الأزمات الإنسانية حاجةً خفيةً تبقى دون تلبية رغم مخاطر تطور اضطرابات نفسية غالباً ما تعود إلى الطفولة.

تدير منظمة أطباء بلا حدود برنامجاً للصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي للأطفال واليافعين في ديفا بهدف الوقاية من المضاعفات النفسية والاجتماعية التي قد تخلفها الأحداث الصادمة التي عاشوها. ويسعى الفريق إلى جعل الصحة النفسية جزءاً لا يتجزأ من خدمات الرعاية الصحية في المنطقة وذلك من خلال تعزيز التوعية المجتمعية وإدخال برامج الرعاية النفسية الاجتماعية على المراكز الصحية وإدارة برامج رعاية نفسية اجتماعية متنوعة.

وبهدف إدراج مزيد من المرضى الشباب ضمن برنامج أطباء بلا حدود للصحة النفسية والرعاية النفسية الاجتماعية في ديفا، فقد دربت فرقنا 100 عامل مجتمعي على كيفية تحديد الأعراض الأكثر تكراراً لمشاكل الصحة النفسية. وقد سمحت هذه الاستراتيجية بزيادة سريعة في عدد الأطفال الذين تساعدهم طواقم أطباء بلا حدود. فقد نفذنا بين شهري مارس/آذار ويونيو/حزيران 2018 حوالي 700 استشارة للأطفال دون سن الرابعة عشرة.

اللعب بهدف الشفاء

يشرح ياكوبا هارونا، وهو معالج نفسي محلي ومشرف على أنشطة الصحة النفسية التي تنفذها المنظمة في ديفا، حيث يقول:

"نساعد هؤلاء الأطفال على اللعب بهدف دعمهم. إذ يمكن للصدمات التي عاشوها أن تؤثر في العديد من الوظائف النفسية. ومن خلال تشجيع الأطفال على اللعب فإننا لا نسمح لهم بالتعبير عن ذواتهم فحسب إنما ندعم كذلك تطورهم بشكل طبيعي".

هذا وقد بلغت نسبة الأطفال عام 2017 إلى مجموع المرضى الذين قدم لهم فريق الصحة النفسية التابع لأطباء بلا حدود في ديفا الرعاية أقل من 10 بالمئة، علماً أن هذه النسبة ارتفعت إلى 35 بالمئة خلال النصف الأول من 2018. وقد تحسن الكثير من المرضى بعد تلقيهم علاجات الصحة النفسية. عائشة أيضاً تشعر بالتحسن، وتقول أمها: "لقد ساعدها البرنامج كثيراً، إذ لم تعد الكوابيس تراودها كما أنها تخرج لتلعب مع أصدقائها". لكن رغم أن البرنامج يساعد الأطفال في تجاوز الصدمات التي عاشوها، إلا أن الأسباب التي تقف وراء معاناتهم النفسية لا تزال قائمة.

من جانبه، يقول رئيس بعثة أطباء بلا حدود في النيجر فرانسيسكو أوتيرو إي فيلار: "لم يعد الوضع في ديفا إلى طبيعته بعد للأسف، فلا تزال الهجمات تطال المخيمات، وبهذا فإن النزاع لا يزال حاضراً كل يوم في حياة الأطفال واليافعين. كما أن غياب سبل العيش والغموض الذي يكتنف المستقبل يلقيان بثقلهما على حياة الكثير من الأسر، فبغياب المال وعدم توفر إمكانية للعمل، نجد أن الكثير من الناس يعتمدون كلياً على المساعدات الإنسانية".

كيف تساعد صناديق الألوان الأطفال في ديفا

تبدو ضربات الفرشاة والألوان مشابهةً لرسم أي طفل آخر، لكن هذه المشاهد التي رسمها الأطفال النازحون في ديفا مختلفة، فهي تصوّر ضرباتٍ جويةً وأناساً يقتلون بأسلحة نارية وبيوتاً تحترق وأناساً يهربون. فهي تسلط الضوء على الصدمة المريعة التي عاشوها نتيجة النزاع.

ويعتبر الرسم من بين أهم الأدوات المستخدمة في برامج الصحة النفسية للأطفال. إذ يمكن لأخصائيي الصحة النفسية أن يبدؤوا من خلال الرسم بفهم التجارب النفسية التي عاشها الأطفال ويساعدونهم في التحسن. لكن الرسم في الوقت ذاته وسيلة تسهّل كثيراً على الأطفال التعبير عن مشاعرهم المرتبطة بالصدمات التي مروا بها وتساعدهم على تصوير ألمهم والتعبير عنه، وهي الخطوة الأولى على طريق تجاوز الصدمات.

الصور بعدسة: Juan Carlos Tomasi/MSF

يتابع...